شهد اليمن خلال اليومين الماضيين تصعيدا غير مسبوق في اعمال العنف في صنعاء، ما جعل الخيار العسكري على الارض هو "الاكثر حضورا" في هذا البلد الذي يسعى مواطنوه منذ اشهر عبر احتجاجات لاسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح. وذكرت مصادر طبية متفرقة ان حصيلة ضحايا اعمال العنف بصنعاء خلال اليومين الماضيين تجاوزت 50 قتيلا و400 جريح في صفوف القوات الحكومية والمنشقة والمتظاهرين سلميا ومسلحي الشيخ صادق الاحمر ومن المدنيين. وتعيش صنعاء منذ السبت الماضي على وقع الانفجارات واصوات القذائف والرصاص الكثيف والمستمر. ففي الجهة الشمالية من العاصمة تدور مواجهات عنيفة "لا تزال مستمرة" بين القوات الحكومية ومسلحي الشيخ صادق الاحمر، فيما تشهد الجهة الغربية والشمالية الغربية مواجهات بين القوات الحكومية وقوات الفرقة الاولى مدرع المنشقة عن الجيش اليمني. وفي وسط صنعاء صعد الشباب المحتجون المطالبون باسقاط النظام من تحركاتهم السلمية وحاولوا لاكثر من مرة اختراق مناطق التماس العسكرية، مما ادى الى سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح برصاص القوات الحكومية. ويعد المشهد الحالي لصنعاء هو الاسوأ والاعنف منذ بدء تدهور الاوضاع بسبب الاحتجاجات التي اندلعت شراراتها مطلع فبراير الماضي ضد النظام اليمني الذي يحكم البلاد منذ 33 عاما . لكن اطراف الازمة في اليمن ورغم تزايد اعمال العنف واتساع رقعتها في صنعاء يرون ان ذلك لا يعني الركون للخيارات العسكرية بعيدا عن استمرار اللجوء للخيارات السياسية، وهو عكس ما يراه محللون. ويقول عبدالحفيظ النهاري نائب رئيس الدائرة الاعلامية في حزب المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) لوكالة انباء (شينخوا) امس الاثنين/ 17 أكتوبر الحالي/ ، إنه "لم يعد خافيا ان القوى الانقلابية في اليمن (المعارضة) تراهن على اعمال التطرف والعنف والارهاب، هروبا من استحقاقات الحوار الوطني وتنفيذ المبادرة الخليجية وتلبية المساعي الاقليمية والدولية". وتابع النهاري ان قوى المعارضة في اليمن تحاول استعطاف المجتمع الدولي من خلال ادعاء وجود "ضحايا مدنيين"، متهما اياها ب"مواصلة العدوان المسلح على الثكنات الامنية والعسكرية واستهداف المواطنين واحتلال الاحياء والاسواق والشوارع". واوضح "ان موجة التصعيد العنيف في صنعاء جاءت في ضوء استراتيجية اتخذتها احزاب اللقاء المشترك وشركاؤها (..) استباقا لاستحقاقات التسوية السياسية وقطعا لطريق الحوار". لكنه شدد على تمسك الحزب الحاكم في اليمن ب"آفاق التسوية السياسية بناء على المبادرة الخليجية وقرار تفويض الرئيس للنائب لتحقيق انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة عبر انتخابات مبكرة، كما اننا متمسكون بالمرجعية الدستورية والقانونية والشرعية الانتخابية". واعتبر انه "ايا كان الوضع وبلغ التصعيد فان الحوار والتسوية السياسية هو المرجع الاول والاخير". وقال النهاري "إن رهانات العنف خاسرة لا محالة، ولا يمكن للشعب اليمني ان يسمح بمرور المشروع الانقلابي ، ونتصور ان المجتمع الدولي اصبح على بينة من الازمة اليمنية وعلى قناعة بان التسوية السياسية هي الحل الوحيد المناط باليمنيين انفسهم". من جانبها، قالت حورية مشهور الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني في اليمن الذي شكلته احزاب اللقاء المشترك، إن "الخيارات السياسية لا تزال حاضرة". وشددت على ضرورة ان تعتمد هذه الخيارات على "ادوات فاعلة لإنفاذها"، مضيفة اننا "بانتظار ماذا سيتمخض من نتائج عن مجلس الأمن، ونتمنى ان لا يعطوا مزيدا من الوقت لهذا النظام الدموي للتنكيل بأبناء الوطن وتدمير مقدرات البلاد". ورأت ان اعمال العنف الاخيرة في صنعاء تأتي في اطار توجهات صالح واولاده لحرق البلاد وهدم المعبد على من فيه. وقالت مشهور "باختصار صالح أعلن الحرب". وشددت على ان الثوار سيواصلون حسمهم لقضيتهم العادلة من خلال التصعيد بالوسائل السلمية الثورية مع الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس حتى لا يركن بقايا النظام لسلمية الثوار، فبعد ذلك لا يستطيع كائن من كان أن يلوم الثوار. لكن ثمة من يرى في الخيار العسكري واقعا. ويقول المحلل العسكري اليمني حامد ابو البدرين إن "ما هو قائم الان هو الحرب". وتابع "ان قرار الحسم العسكري قد اتخذ من قبل النظام لمحاولة الهروب من أي قرارات اممية مستقبلية". واضاف ابو البدرين ان النظام في اليمن فشل في مواجهة التظاهرات، فبدلا من ان يواجهها بصدر رحب عمد الى قمعها ومحاولة وأدها. واوضح ان النظام رغم تجاربه في ادارة الازمات، لكنه في هذه المرة يبدو عليه الارتباك والتشتت فهو يحاول تكرار سيناريو حرب 94 (حرب انفصال الشمال عن الجنوب) عندما حسم الصراع عسكريا في أقل من شهرين قبل صدور قرارات الاممالمتحده حينذاك.