ينتظر اليمنيون بفارغ الصبر التأريخ المصادف لتأريخ هذا اليوم بعد شهرين من الآن، وهو 21 شباط (فبراير) لانتخاب رئيس جديد للبلاد، خلفا للرئيس (المجمّد) علي عبد الله صالح، وفقا لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية الزمّنة التي سحبت كافة صلاحيات صالح ومنحتها للقائم بأعمال الرئاسة عبد ربه منصور هادي. مرّ شهر كامل بهدوء نسبي في اليمن منذ توقيع صالح للمبادرة الخليجية التي وقّعها بعد أن (طلّع أرواح) اليمنيين وطلّع أرواح الوسطاء والمنظمات الدولية، إثر مناوراته وتهرباته المستمرة من التوقيع عليها لأكثر من سبعة أشهر، وشهد اليمن خطوات عملية نحو التهدئة واستتباب الأوضاع أمنيا وعسكريا وسياسيا منذ الأيام الأولى لتوقيع صالح صالح على المبادرة الخليجية، التي أعقبها إصدار القائم بأعمال الرئاسة اللواء عبدربه منصور هادي قرارات تضمنت تحديد موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة بعد ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على المبادرة، وتكليف رئيس المجلس الوطني لقوى الثورة محمد سالم باسندوه تشكيل حكومة الوفاق الوطني وتشكيل الحكومة مناصفة بين حزب السلطة والمعارضة وكذا تشكيل اللجنة العسكرية المشتركة وتدشين عملها على أرض الواقع. هذه الخطوات العملية لتنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والهدوء العسكري والأمني الذي أعقب توقيعها أعطت اليمنيين أملا كبيرا في إمكانية تحقيق نسبة كبيرة من طموحاتهم في التغيير وفي التخلص من نظام الرئيس صالح، رغم امتعاضهم من بنود المبادرة التي يرون أنها فُصّلت وفقا ل(مقاس الخليجيين) وليس وفقا ل(مطالب شباب الثورة) الذين يشعرون بالضيم وبالتجاهل لمطالبهم الذين لا زالوا مصرّين على تحقيقها وفي مقدمتها إسقاط النظام بالكامل وتقديم صالح وافراد عائلته وأركان نظامه للمحاكمة جراء ما اقترفوه من (جرائم) ضد الثوار والمعتصمين خلال الشهور الأحد عشرة الماضية من عمر الثورة اليمنية 'وفاء لدماء القتلى والضحايا' على حد تعبيرهم. وعلى الرغم من استمرار المظاهرات بشكل شبه يومي في العاصمة صنعاء والعديد من المدن اليمنية من قبل شباب الثورة ضد المبادرة الخليجية وضد تشكيل حكومة الوفاق الوطني واستمرار مطالبتهم بضرورة محاكمة صالح وأفراد عائلته وتجميد أرصدتهم، إلا أن الشارع اليمني ينظر إلى التحسن التدريجي الملحوظ على الحياة العامة بارتياح كبير، ويأملون في أن يخرج البلد من عنق الزجاجة وأن تمر الشهرين القادمين على خير، بحيث تجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة بهدوء وفق لما رسم لها، خاصة وأن اللجنة العليا للانتخابات التي شكلها صالح ذاته العام الماضي من القضاة قد بدأت عمليا ترتيباتها لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها. وتبلورت طموحات اليمنيين في إمكانية تحقيق حلمهم الديمقراطي الذي انتظروه طويلا في انتخاب رئيسهم لأول مرة بمحض إدراتهم، بعيدا عن هيمنة الدولة ودون سيطرة نفوذ السلطة، على قناعاتهم الانتخابية، ويعتقدون أن هذا الحلم اليمني لو تحقق سيكونون قد أنجزوا اهم مطالبهم الثورية وهو تأسيس نظام ديمقراطي، بغض النظر عن القادم لقيادة البلاد عبر هذه الانتخابات، إذا كان من خارج إطار أسرة صالح. ومن المقرر أن يكون القائم بأعمال الرئاسة الحالي عبدربه منصور هادي هو المرشح الرئاسي التوافقي لحزب المؤتمر الحاكم سابقا ولأحزاب المعارضة المشاركة في حكومة الوفاق الوطني، لتجاوز الأزمة الراهنة في البلاد، التي أبدت قوى المعارضة عدم اعتراضها على نقل السلطة إليه، رغم أنه الأمين العام لحزب المؤتمر، بقدر اعتراضها على استمرار صالح في السلطة او توريث السلطة لأحد أبنائه أو أحد أفراد عائلته. ويرى العديد من المراقبين أنه بعد إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، في مثل هذا اليوم وبعد شهرين بالتمام والكمال، سيكون اليمن على موعد مع رئيس جديد، جنوبي لأول مرة، ديمقراطيا بشكل غير مسبوق وصل للرئاسة عبر صناديق الاقتراع، وتوافقيا يرضي جميع الأطراف الداخلية والخارجية ويحظى باحترامهم، ومخوّل بتحمل مسؤولية كبيرة واستلام تركة ثقيلة من مخلفات نظام صالح، الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية. وفي ظل انشغال اليمنيين بزحمة الخطوات العملية لتطبيق المبادرة الخليجية، يعيش علي صالح حالة (عزلة سياسية) غير مسبوقة في دار الرئاسة بصنعاء، بعد 33 عاما من ممارسة سلطات الحاكم المستبد واحتكار السلطة بيده دون منازع. ويعيش هذه العزلة إثر سحب كافة الصلاحيات منه وفقا لمبادرة نقل السلطة سلميا، وللخروج منها يحاول صالح بين الحين والآخر الظهور عبر وسائل الإعلام الرسمية لإثبات وجوده وأنه لازال رئيسا للبلاد، وإن كان ب(لاصلاحيات مهينة) كما يراها العديد من المحللين السياسيين الذين يعتقدون أن استقالته من السلطة كانت أهون عليه من بقائه (رئيسا بلاصلاحيات).