لم تجد الشاعرة السعودية التي اختارت لنفسها لقب «هموم» طريقة لإقامة أمسيتها الشعرية مساء الخميس الماضي إلا في الظهور ملثمة بعد أن قامت بتغطية وجهها، وذلك على الرغم من كون الأمسية مخصصة للنساء فقط، وهو ما بررته بكونها تحل ضيفة في الأمسية دون علم أهلها ولا تريد أن يتعرف أحد من الحاضرات على هويتها، حيث لم يكفها أنها تكتب باسم مستعار، فحرصت كذلك على إخفاء وجهها عند إلقاء الشعر. وتعترف «هموم» خلال حديثها ل«الشرق الأوسط»، بأنها تكتب الشعر وتقيم الأمسيات «سرا» ودون علم أقرب الناس لها، مرجعة ذلك إلى رفض الأهل فكرة تقديم نفسها كشاعرة، وهو ما تراه أمرا يعود إلى تقاليد وعادات ما زالت تقف عقبة أمامها وأمام الكثير من الشاعرات السعوديات، حسب ما ترى، لذا فقد قررت طمس هويتها أثناء استضافتها في الأمسية الشعرية النسائية التي أقامتها لجنة التراث والفنون الشعبية بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في الدمام، على مسرح قاعة الفنون. ورغم مرور نحو 5 سنوات على تجربتها الشعرية، ما زالت «هموم» تبحر في «همها»، قائلة «أنا شاعرة من دون علم أهلي، لذا لم أكشف وجهي، فهناك مشاكل وحزازيات معينة، لذلك فأهلي يرفضون أن أكون شاعرة من الأساس»، وعن سبب اختيارها للقب «هموم» تقول «يغلب على قصائدي وجود لمسة حزن، لذا اخترت اسما يختصر ما بداخلي»، وعن مساوئ التعامل باللقب دون الاسم الحقيقي، تقول «جاءتني فرص كثيرة للمشاركة وإقامة الأمسيات في الخارج، وأضطر إلى رفضها لعدم قدرتي على السفر، لكني استطعت الحضور إلى فرع جمعية الثقافة بالدمام سرا، بحكم إقامتي في ذات المدينة». وتصف ل«الشرق الأوسط» عضو لجنة التراث والفنون الشعبية في الجمعية الشاعرة سحر العبندي، التي أدارت الأمسية، عملية البحث والتواصل مع الشاعرات من خلال أسماء مستعارة بأنها «أمر أشبه بالعذاب»، موضحة أن التواصل معهن يكون إلكترونيا على الغالب، من خلال مواقع الشاعرات على الإنترنت، وتضيف «عملية البحث مجهدة وتستغرق وقتا وجهدا، لكننا نسعى ونهتم بذلك». بينما تعود الشاعرة «هموم» لتوضح هنا أنه في بعض الأحيان تضطر إلى كشف اسمها بصورة ناقصة، أي الاسم الثنائي ودون ذكر اسم العائلة، قائلة «إذا كان هناك ضرورة لتوثيق القصيدة في إحدى الجهات الرسمية، فهنا أقوم بإعطائهم اسمي الأول واسم والدي فقط، وليس اسمي الكامل، وذلك لدواعي توثيق أشعاري». وكانت قد شاركت خلال ذات الأمسية الشاعرة السعودية تهاني بن جريس، والتي تحدثت ل«الشرق الأوسط» عن إشكالية التخفي التي تمارسها كثير من الشاعرات السعوديات، بالقول «أنا أكتب باسمي الحقيقي منذ بدايتي، وأعتقد أن الاسم المستعار يبقي الشاعرة مجهولة، بينما أنا طبعت اسمي على ديواني الأول لحفظ حقوقي، فالاسم الحقيقي هو إثبات وجود لي في أي مكان». يأتي ذلك على الرغم من أن الشاعرة تهاني هي الأخرى تستخدم لقب «نزف القصيد»، الذي طبعته على بطاقتها التعريفية تحت اسمها مباشرة، إلا أنها تؤكد أنه مجرد لقب لها كشاعرة، بينما ما زالت تصر على توقيع قصائدها من خلال اسمها الحقيقي، وذلك بعد مرور أكثر من 10 سنوات على تجربتها في الظهور إلى عالم الشعر الشعبي. ورغم أن موضة استخدام الأسماء الرمزية والمستعارة تعد عرفا قديما في ساحة الشعر الشعبي في السعودية، فإن الكثيرين يرون أنه حان وقت خلع «طاقية الإخفاء» التي تفضل كثير من الشاعرات ارتداءها حتى الآن، كي يكون هناك شفافية في التعامل بين الشاعرة وقرائها ولحفظ الحقوق الأدبية، وهنا تقول الشاعرة تهاني «العقول الآن أصبحت متفتحة أكثر من السابق في ما يخص التصريح بالاسم الحقيقي، لكن ما زال هناك شاعرات يستخدمن الاسم المستعار بسبب العادات والتقاليد». وعودة إلى الأمسية التي انطلقت في تمام الساعة الثامنة مساء الخميس الماضي، تحت عنوان «رياحين»، فلم تكن رائحة الريحان وحدها الحاضرة، حيث فاحت رائحة الهيل والزعفران، على خلفية قصائد الشعر الشعبي التي صدحت بها الشاعرتان، وقد تنوعت القصائد ما بين أبيات الحب والهيام، وأخرى وطنية، إلى جانب القصائد الاجتماعية التي تناولت العديد من قضايا المرأة السعودية، مثل قيادة السيارة وقضية العنوسة، وهو ما حظي بالتفاعل الأكبر من قبل حاضرات الأمسية.