خلال السنوات الأخيرة ومع ازدياد أعداد السائحين الخليجيين القادمين الي اليمن وتنامي التطلعات الاستهلاكية لدي المجتمع اضافة الي المشكلات والصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي تعاني منها شرائح عديدة من اليمنيين برزت علي السطح ظاهرة الزواج السياحي أو ما يسمي بالزواج الصيفي حسب بعض التصنيفات لكن هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة والغريبة التي لم تعرف في اليمن من قبل والتي برزت علي سطح العلاقات الاجتماعية في الآونة الأخيرة خاصة مع استمرار ارتفاع ضحاياها من الفتيات اللواتي يقدن الي مصير مجهول بغلاف شرعي وديني دفع بشخصيات رسمية يمنية ومن بينها وكيل وزير الإرشاد والأوقاف يحيي النجار الي التحذير من مثل هذا النوع من الزواج معتبرا انه غير أخلاقي وغير قانوني وطالب أئمة وخطباء المساجد بتوعية الأسر والآباء بخطورة التورط في مثل هذا الشكل من الزواج المؤقت الذي لا يقوم علي أسس العلاقة الزوجية الشرعية والتي من شروطها السكني ومنزل الزوجية وديمومة الارتباط. وفيما كانت الشرطة اليمنية قد ألقت القبض علي والد إحدي الفتيات في محافظة أب ووجهت إليه تهمة مخالفة قانون الجنسية وذلك بعد ان أقدم عن طريق بعض الوسطاء علي تزويج ابنته من شخص خليجي دون ان يحصل علي موافقة مسبقة من الجهات الحكومية والتي تشترط الحصول علي موافقة مسبقة علي زواج أي يمنية من أجنبي فإن المخاوف الاجتماعية تتصاعد من تحول ظاهرة الزواج السياحي إلي شكل من ممارسة للرذيلة وقضاء للمتعة من قبل معظم السياح والزائرين من دول الخليج العربي لليمن خلال الصيف حيث سجلت العشرات من حالات الزواج بالزواج بفتيات يمنيات صغيرات السن في الغالب ويقضون معهن فترة إجازة الصيف ثم يعودون الي بلادهم - في الوقت الذي تكون معظمهن قد حملن من هذا الزواج - حيث تبين من خلال متابعة عدد كبير منهم أنهم تركوا أسماء وأرقام وعناوين مزورة لدي زوجاتهم وأن الغرض من عقد الزواج ودفع تكاليفه ليس سوي أجور متعة كانوا يقومون بدفع أضعافها في دول أخري في أماكن الرذيلة.. والتي لا تتوفر مثلها في اليمن فلجأوا إلي الزواج عبر عدد من السماسرة وجشع بعض أولياء الأمور وسذاجة بعضهم. وخلال الأسبوع الماضي أظهرت إحصاءات رسمية صادرة عن إدارة التوثيق بوزارة العدل تسجيل 27 حالة زواج من هذا النوع وبمتوسط 3-10 حالات يوميا، وأظهرت الإحصاءات تسجيل 173 حالة خلال السنة الماضية، وارتفاع المعدل خلال الربع الأول من هذا العام إلي 52 حالة. وتعتبر هذه الحالات متواضعة أمام توسع الظاهرة وانتشارها وقيام بعض القضاة والأمناء الشرعيين بإجراءات الزواج دون إبلاغ الوزارة وموافقة وزارة الداخلية، الأمر الذي يوجد صعوبة حقيقية في الحفاظ علي حقوق الفتيات اللواتي اقترن بمثل هذا النواع من الزواج وصعوبة أكبر في الحفاظ علي الحقوق الشرعية والقانونية للأبناء الذين هم ثمار هذا الزواج. ومؤخرا نقلت احدي الصحف اليمنية قصة شقيقتين يمنيتين تزوجن بشخصين من السعودية منذ عامين لكن الزوجين بعد أشهر غادرا اليمن وتركا لديهن عناوينهما وأرقام الهاتف في السعودية إلا أن عدم اتصال أي من الزوجين وانقطاع أي تواصل معهما خاصة وان إحدي الفتاتين كانت حاملا حين غادر زوجها اليمن وعاد الي السعودية وقد وضعت طفلا بعد أشهر من عودته الي بلاده دفع بأسرة الفتاتين الي الاستعانة ببعض الأشخاص من أقاربها ومعارفها ممن يقيمون ويعملون في السعودية للبحث عن الرجلين وبالذات والد الطفل حيث كانت المفاجأة هي ان أسماء الرجلين التي وضعت في عقد الزواج غير حقيقية وان العناوين وأرقام الهاتف التي تركاها في اليمن مزورة .. لتجد الفتاتين أنهما وقعتا ضحية كغيرهما من ضحايا حالات هذا الزواج بسبب رواد الرذيلة وغفلة الآباء وطمع بعضهم. دراسة ميدانية وعلمية قدمت في ندوة عن ظاهرة الزواج السياحي نظمتها جامعة اب منذ عدة أشهر حددت عشرة أسباب تقف خلف ظاهرة الزواج السياحي أو ما يعرف بالزواج الصيفي والذي شاع مؤخرا في اليمن بفعل ازدياد عدد السواح القادمين من دول الخليج العربي. حيث كشفت أول دراسة ميدانية علمية عن ظاهرة الزواج السياحي وأثاره الاجتماعية عن وجود أكثر من عشرة أسباب تقف وراء قبول الفتيات اليمنيات بهذا النوع من الزواج. وأظهرت الدراسة التي أعدتها جامعة إب بإشراف الدكتور فؤاد حمود الشبامي واستهدفت 40 فتاة أن ضحايا هذا الزواج الصيفي هن في الغالب من ذوات الفئة العمرية 20 - 24 عاماً بنسبة 38%، تلتها الفئة العمرية من 15 -19 عاماً بنسبة (35%)، وجاءت في المرتبة الدنيا ذوات الفئة العمرية 25- 29 عاماً بنسبة 20% من إجمالي العينة. وبينت الدراسة من خلال تحليل معطيات الاستبيان الخاصة بمكان إقامة أفراد العينة أن معظم أفراد العينة يقطنون في المدينة ويشكل هؤلاء نسبة 92.5% من إجمالي عينة البحث فيما لم تشكل فئة القاطنين في الريف سوي 7.5% من العينة المدروسة. وأوضح البحث أن نسبة أكبر من العائلات التي ترتضي الزواج السياحي لبناتها هي عائلات متوسطة الحال بنسبة 57.5%، تلتها بفارق كبير العائلات الفقيرة التي شكلت نسبة 30% فقط من عدد العينة المدروسة، وشكلت العائلات الغنية مستوي أدني بقليل من نصف العائلات الفقيرة بنسبة 12.5% من إجمالي عينة البحث. ومن خلال المعطيات الإحصائية تبين أن غالبية الفتيات اللواتي تزوجن وفقا للزواج الصيفي هن من ذوات التعليم الثانوي بنسبة 30%، تلتها ذوات الشهادة الابتدائية بنسبة 22.5% وحلت ثالثاً الفتيات من ذوات الشهادة الإعدادية سابقا بنسبة 17.5%، تلتها الجامعيات بنسبة 12.5%، ثم من يجدن القراءة بنسبة 7.5%، فيما تساوت نسبة الفتيات اللواتي يحملن شهادات الدبلوم مع مثيلاتهن الأميات بنسبة 5%. وتشير الدراسة وهي بعنوان الآثار الاجتماعية للزواج السياحي في اليمن الي أن زواج الفتيات بالخليجيين كان بسبب رغبة الفتيات بالتمتع برفاهية العيش مع هؤلاء الأزواج نظراً لحالتهم المادية المرتفعة وهو السبب الأول، وقابل للتعميم علي كافة الفئات الاقتصادية خصوصاً أن نسبة من وافقن عليه وصلت إلي 80%، فيما كان السبب الثاني مزدوجاً حيث ضم قناعة الفتيات بعدم مخالفة هذا الزواج لتعاليم الشريعة الإسلامية، وجهل أولياء أمورهن بمقاصد الزوج ونواياه المبيتة، ونسبة الفتيات اللواتي وافقن علي هذا السبب 72.5% وهذه النسبة العالية تشير الي وجود مشكلة خطيرة جداً متمثلة في الفهم الخاطيء للشريعة الإسلامية والجهل بمفهوم الزواج وغاياته فالزواج أمن واستقرار وليس إشباعاً للغرائز الجنسية فقط بل هو تكوين أسرة قوامها حسن المعاشرة. والحال الأخير يفسر الحال الأول بشدة ووضوح .. ويشير السبب الثالث علي تعرض الفتيات للضغط الاجتماعي ورغبتهن في الخروج من الدائرة المفروضة، لكن هذا السبب متمثلاً برغبتهن في الهجرة خارج اليمن مع أزواجهن يضعنا أمام مشكلة اجتماعية نفسية معقدة تتمثل بحب الاغتراب، والبحث عن الرفاهية في بلد هذا الزوج. أما السبب الرابع الذي كان وراء زواج الفتيات بالخليجيين فتمثل بضعف الحالة الاقتصادية لعائلاتهن ومن واقع المعطيات تتضح أهمية هذا السبب الذي تكرر بصور عدة، كرغبة أولياء الأمور بالحصول علي مهر عال ورغبة الفتيات بالحصول علي مال وفير، وعدم إمكانية الشباباليمني علي الزواج بهن نتيجة لضعف اقتصادياتهم وهو ما اعتبرته الفتيات سبباً هاماً للقبول بالزواج الصيفي نتيجة لعدم وجود مانع والذي قد يتمثل بوجود الزواج اليمني الميسور الحال، وهو ما تأكد بتصريح الفتيات بوجود سبب آخر متمثل بقلة فرص الزواج في مجتمعنا. ويشير السبب الخامس والتاسع إلي حرمان الفتاة من حقها المشروع في اختيار الزوج فهي إما تابعة لوالدها الذي يقرر ما يناسبه، أو ضحية لتضليل بعض أفراد عائلتها الذي يدعي معرفته بالزواج القادم من الخليج ويرسم صورة سحرية له في ذهن الفتاة فتقبل الزواج طمعاً في تحقيق أحلامها. أما السببان التاسع والعاشر فيبرزان تناقضاً معيناً في العلاقات العائلية ف 50% من الفتيات تزوجن هروبا من المشكلات العائلية في عائلاتهن الأولي فيما قبلت 42.5% من الفتيات بالزواج الصيفي لرغبة آبائهن في الحصول علي فرص عمل في بلد الزوج لأي من أفراد العائلة. وأما الأسباب الثلاثة الأخيرة فتشير بمجملها إلي درجة الوعي لدي الفتيات ف 17.5% منهن تزوجن عن علم بأن هذا الزواج لن يخلف أطفالاً وبالتالي فإن ذلك يعني علمهن وموافقتهن علي ممارسة المتعة الجنسية وليس الزواج الطبيعي، فيما كان عزوف الشباب عن الزواج بالفتيات المدروسات بالبحث نتيجة لزواجهن السابق 15% إذ أن نسبة (17.5) أشارت إلي زواجها من قبل، أو لكبر سنهن وخوفهن من العنوسة 12.5% سبباً آخر للدفع بالفتيات اليمنيات إلي قبول الزواج الصيفي بالخليجيين.