بات من المعرف لدى الشعب اليمني اليوم، أن مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي أختتم أعماله مطلع هذا العام في العاصمة صنعاء، أقر ضمن مخرجاته تغيير شكل الدولة اليمنية من شكلها البسيط إلى الشكل الاتحادي، وبما أن الدستور الذي تجري عملية صياغته منذ أشهر، سيتضمن هذا التغيير الجوهري في شكل الدولة، إلا أن هذا لوحده لا يكفي لكي نعرف كيف ينظر اليمنيون حقا إلى شكل دولتهم القادمة. ظل اليمنيون مشدوهين لأشهر يتابعون أخبار الحوار الوطني، وفي النهاية كانت المخرجات ايجابية في نظر الغالبية، بحسب ما يقوله الاعلام ورجال السياسة في أكثر من مناسبة، غير أن التأكد من هذا الأمر يحتاج إلى جهد كبير، خصوصا اذا ما عرفنا أن تلك المخرجات الكثيرة، قد تضمنت نقاط سيكون لها تأثير كبير على مصير البلد وعلى مستقبله. لا يمكن الوقوف على جميع مخرجات الحوار الوطني لمعرفة أراء اليمنيين حولها، كما لا يمكن الاطمئنان إلى أن مسألة التنوع الايجابي الذي شهده مؤتمر الحوار الوطني من حيث التمثيل، للقول بأن المخرجات قد عبرت عن وجهة نظر غالبية اليمنيين، لابد من طريقة ما لمعرفة ذلك، ومن ثم تحليل النتائج التي ستؤدي إليها تلك المخرجات في حال أنها وجدت طريقها للتنفيذ. مؤسسة تمكين للتنمية قدمت بدعم من مبادرة الشراكة الشرق أوسطية الأمريكية (MEPI) تقريرا أوليا حول "اللامركزية برؤية مجتمعية"، يُعد هذا التقرير هو الأول من نوعه فيما يتعلق باللامركزية برؤية المجتمع اليمني، وبني من خلال عدد من الأنشطة التي نفذت في أكثر من محافظة، استهدفت نخب محلية ومشاركون من مختلف الفئات. وقال مراد الغارتي المدير التنفيذي لمؤسسة تمكين أن المواطنين المستخلص أراءهم في التقرير تحدثوا عن عدد من القضايا التي يعاني منها اليمن، وهي في الاساس قضايا اقتصادية وامنية وصراعات سياسية وفئوية في كثير من الاحيان تكون عنيفة، وهو ما يجعل المجتمع يتملكه القلق من تبعات تلك المشكلات التي تبدو ظواهرها صعوبات وتحديات ومعيقات لعملية الانتقال والتحول، بل انها تسحب عجلة التحول الى الوراء. وأوضح الغارتي في المؤتمر صحفي، الذي عقد لإطلاق التقرير اليوم السبت في فندق ايجل بالعاصمة صنعاء، أن غالبية الآراء أظهرت ارتباط عدد من المشكلات بالماضي ومنها ما يتعلق بمصالح ذوي النفوذ وحتى من بينهم عدد من اطراف الحوار؛ وأكدت تلك التصورات على ضعف سيادة الدولة واستغلال القوى السلبية لهذا الضعف، الأمر الذي دفع بالمجتمعات المحلية ومعه منظمات المجتمع المدني إلى تشكيل مبادرات محلية مدنية وبرامج على المستوى المحلي لتنظيم الشأن العام على المستوى المحلي بعيداً عن المركز الذي لم يستطع حتى إدارة نفسه. وفي المؤتمر تحدث نائب وزير الادارة المحلية عبدالرقيب سيف فتح عن مفهوم الفيدرالية وأهمية التقسيم إلى ستة أقاليم لوضع للمركزية المفرطة التي ظلت سائدة طوال ثلاثة وثلاثين عام، مشيدا بالجهد الذي قامت به تمكين ومحاولة استخلاص أراء المجتمع وتعريفهم بالنظام الفيدرالي. من جانبه قام عبد الحفيظ حمدين أحد معدي التقرير بعمل عرض شامل لكل المواضيع التي تطرق لها، مشيرا إلى أن التقرير يلفت إلى أن اليمنيين كانوا قد عرفوا طرق كثيرة في ادارة الدولة، كان آخرها الحكم المحلي وهياكل السلطات المحلية، واكتسبوا وعي من خلال دورتين انتخابيتين للسلطة المحلية، لكن هذه التجربة كما يسميها العديد منهم (طبقا للتقرير) قد خلقت مُشوهة، مع أنها تعد واحدة من أهم وسائل التكوين المعرفي بالنسبة لتكوين وعي وخبرات المواطنين، إضافة إلى الوعي المجتمعي المتراكم عن طريق دور مؤسسات المجتمع المدني والاحزاب السياسية والفعاليات الجماهيرية التي تصب جميعها في إطار تحقيق معرفة يبنى عليها مستوى متقدم. وأكد التقرير بناء على ذلك أن المركزية المفرطة في التجربة اليمنية السابقة، خلقت إرثاً ثقيلاً لدى وعي المجتمع اليمني تراكم خلال فترة طويلة، ولم يعد يقبل بتكرار أو استمرار تلك التجربة، فقد أصبح لديه تصور للانتقال إلى نظام حكم آخر غير الذي خبره لسنوات طويلة، وهو انتقال قامت به ونجحت دول كثيرة مشابهة لليمن منذ عقود مضت. وخلص التقرير إلى أن أغلبية من تحدثوا أو تم الاستماع إليهم ينظرون بتفاؤل نحو الفيدرالية، ويرون بأن تطبيقها سيغير العديد من الأشياء وخاصة في حل القضايا الرئيسية المعيقة لعملية التحول وأيضا ما يتعلق بالتنمية، فالمؤشرات جميعها تفيد بأن اعتماد النظام الاتحادي الفيدرالي وتغيير شكل وبنية الدولة من الداخل وتشريع تطلعات المجتمع بشكل شامل سيؤدي إلى إضعاف المركز والقوى النافذة والتقليدية المتحكمة بمصير ومقدرات البلاد.