يرى الدكتور عبدالله الفقيه أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء والخبير الاستراتيجي في الشئون العربية أن المنطقة العربية تواجه حاليا الكثير من التحديات التي تتصف بالتعقيد والتشابك ما يجعل من الصعوبة حسمها في قمة عربية واحدة. لكنه يبدي تفاؤله بأن عقدها برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وبما للمملكة من ثقل عربي يجعل المواطن العربي يشعر بشيء من التفاؤل . ويقول الدكتور عبدالله: إن المؤمل من قمة الرياض أن تضع العرب على الطريق الصحيح وأن تمثل نقطة تحول في العمل العربي المشترك . ويلفت إلى أن الدور السعودي في القضايا العربية يعود اليوم بقوة إلى الواجهة استنادا إلى ما يحظى به الملك عبدالله من نفوذ واحترام وتقدير من جميع الأطراف ما يجعله الأقدر من غيره على لعب دور يعزز من وحدة الصف العربي ويحقق بعض التقدم على صعيد التحديات التي يواجهها العرب. ويرى الدكتور عبدالله أن المنطقة العربية اليوم تحتاج لأن يبدأ العرب من نقاط الاتفاق. وليس من نقاط الاختلاف كون المرحلة بحاجة إلى «رأب الصدع» وتقريب وجهات النظر بين الأطراف العربية وإعادة بناء الثقة بين العرب. ويؤكد الدكتور الفقيه أن القمة العربية القادمة تمثل فرصة أمام العرب لاستعادة زمام المبادرة وخصوصا في ظل الفشل الأمريكي الكبير في العراق وفي ظل الانقسامات داخل الولاياتالمتحدة وفي ظل ظهور الكثير من المؤشرات على تراجع الدور الأمريكي على مستوى العالم. كما تمثل القمة فرصة للعرب للعمل على رص صفوفهم والعمل معا على مواجهة التحديات المشتركة التي تفرضها عليهم قوى العولمة بأبعادها المختلفة. «اليوم « التقت الدكتور الفقيه في صنعاء وأجرت معه الحوار التالي .. كيف ترون الصورة المقبلة للقمة العربية في الرياض ؟ برغم أن القمم العربية لم تعد تبعث على التفاؤل الا أن انعقاد هذه القمة في المملكة العربية السعودية وبرعاية الملك عبد الله وبما للسعودية وملكها من ثقل عربي ودولي يجعل الإنسان العربي يشعر بشيء من التفاؤل. ثم ان القمة تنعقد بعد ان تكللت جهود الملك عبد الله المتصلة بالتوفيق بين الأطراف الفلسطينية ومساعدتها على حل الخلافات فيما بينها بنجاح كبير. ونجاح الملك عبد الله ليس الأول له أو للسعودية. كيف تنظرون إلى التحديات التي تواجه المنطقة والقمة العربية القادمة ؟ هناك تحديات عديدة.. فالوضع في العراق، وفي لبنان، والقضية الفلسطينية والصراع في الصومال ومشكلة دارفور والمسألة النووية وغيرها تمثل كلها تحديات تتصف بالتعقد والتشابك. ولن تستطيع قمة واحدة مناقشة كل المشكلات أو إصلاح ما أفسده الدهر. لكن المأمول من القمة هو أن تضع العرب على الطريق الصحيح وأن تمثل نقطة تحول في مسار العمل العربي المشترك. مبادرة السلام هل تعتقد أن قمة الرياض القادمة ستأتي بجديد في هذا الشأن ؟ النجاح السعودي الكبير في مساعدة الأطراف الفلسطينية على حل خلافاتها يجعل السعودية في موقع يمكنها من الدفع بالقضية الفلسطينية ولو خطوة إلى الأمام سواء بإحياء مبادرة المملكة السابقة والتي تقوم على مقايضة «الاعتراف العربي» مقابل قيام «دولة فلسطينية» أو بتقديم أفكار جديدة. ولا يخفى على احد بأن الموقف العربي يتسم بوجود اختلافات حادة حول العديد من الموضوعات بما فيها المشكلة الفلسطينية لكن الثقل الكبير للمملكة العربية السعودية وللملك عبد الله يمكن ان يساهما في تحقيق بعض النجاح على جبهة القضية الفلسطينية والتي تشكل مفتاحا للكثير من القضايا الأخرى بما في ذلك المشكلة اللبنانية. ويمكن قول نفس الشيء حول الملف اللبناني. فالثقل السعودي والتفاهم الإيراني السعودي الذي ظهر والدور التاريخي للسعودية في معالجة الملف اللبناني الشائك كلها عوامل تجعل السعودية في موقع يمكن لها معه تحريك هذا الملف وتقريب وجهات النظر العربية حوله. بالنسبة لملفات الصراع في العراقوالصومال والملف النووي في المنطقة فلا ينبغي ان ينتظر العرب الكثير من القمة. والمأمول فيما يتصل بالملف العراقي هو احتواء نهر الدم ومنعه من الامتداد إلى الأقطار المجاورة وقطع الطريق على الأطراف التي تريد نشر الحروب المذهبية والطائفية في المنطقة. الحاجة إلى إعادة بناء الثقة إلى أي مدى يمكن الوثوق بان من شأن قرارات القمم العربية حل المشكلات العربية ؟ اعتقد أن المنطقة في المرحلة الحالية تحتاج إلى أن يتفق العرب على «عدم الاتفاق» في بعض الأمور وان يبدو من نقاط الاتفاق وليس من نقاط الاختلاف. المرحلة بحاجة إلى «رأب الصدع» وتقريب وجهات النظر بين الأطراف العربية وإعادة بناء الثقة بين العرب بما يمكنهم بعد ذلك من حل المشاكل. فاختلاف العرب وتشتتهم هو الذي يضعفهم. بالنسبة للقرارات فهي مؤشر هام على النجاح وبغض النظر عن التنفيذ. فالقرارات تخلق شرعية معينة وتخلق موقفا معينا. واعتقد شخصيا بالنسبة لهذه القمة بأن السعودية، أكثر من أي دولة أخرى، تملك الأدوات اللازمة للانتقال بالقرارات التي سيتم اتخاذها من صيغتها النظرية إلى حيز التطبيق وخصوصا إذا تم الاتفاق من قبل الجميع على قرارات واضحة ومنطقية وخالية من الشطحات ومن وعد الناس بما لا يمكن تحقيقه. لهذا فأنا أراهن على الثقل السعودي الراعي للقمة في مسألة التنفيذ والمتابعة للقرارات الهامة والتي تعكس الإجماع العربي ولو في حده الأدنى. التدخل الخارجي برأيكم لماذا لا يزال القرار العربي عاجزا عن حل المشكلات العربية خاصة في المناطق الملتهبة .. وهل تعتقدون أنه يمكن الوصول إلى حلول إزائها تحت مظلة القمة ؟ لم يترك للعرب الفرصة خلال أي مرحلة من المراحل لحل مشاكلهم بأنفسهم. وكانت الأطراف الخارجية دائما حاضرة وبقوة. الوضع في العراق لم يصل إلى ما هو عليه الآن الا بعد تهميش الولاياتالمتحدة للدور العربي. ولو بدأنا في مناقشة أي ملف من الملفات العربية لوجدنا ان بعض الأطراف غير العربية والدولية تمثل لاعبا رئيسيا فيه. الجانب الآخر هو أن حل المشاكل العربية هو عملية مستمرة لا ينبغي ان ترتبط بعقد قمة بل يجب أن تعتمد على مؤسسات قوية وراسخة وتعمل بانتظام. المؤسسات العربية ما زالت بحاجة إلى الكثير من العمل حتى تصل إلى المستوى المطلوب وحتى تتحول هي ذاتها من مشكلة إلى آلية لحل كافة المشاكل. بالنسبة للقمم كآلية لحل المشكلات العربية فاعتقد ان دور القمم مهم لكن الأهم بالطبع هو المؤسسات التي تنتقل بالقرارات من الجانب النظري إلى الجانب التطبيقي. هناك من يقول: إن البلدان العربية عندما تواجه احداها مشكلة تقف وحيدة.والقمم العربية تعقد دوريا دون أن تحدث تأثيرا في هذه المشاكل؟ لا يخفى على أحد بأن المنطقة العربية بشكل عام تمر بظروف صعبة. وكل دولة عربية تعاني من بعض المشكلات. ولو أخذنا المملكة العربية السعودية على سبيل المثال فالملاحظ ان التهديدات الداخلية لأمنها من قبل قوى الإرهاب قد استنفرت الطاقات وحدت من قدرة المملكة على لعب الدور المأمول منها. لكن هاهو الدور السعودي يعود بقوة إلى الواجهة بعد ان تمكنت وإلى حد كبير من التغلب على تحدي الإرهاب. أضف إلى ذلك أن التدخلات الخارجية في الشئون العربية غالبا ما تضعف الدور العربي. ومع ذلك كله فان بعض الدول العربية تحاول لعب أدوار معينة في حل المشكلات العربية. فاليمن مثلا بموارده المحدودة ومشاكله الداخلية يحاول مساعدة الأطراف المتصارعة في الصومال أو في لبنان أو في فلسطين على حل خلافاتها. لكن جهوده في ذلك تظل محدودة لأسباب تتعلق بقدرات اليمن وبطبيعة المشكلات القائمة. اهمية التقدم على المسار الفلسطيني الاسرائيلي هل تعتقدون أن هناك بدائل يمكن الركون اليها لحلحلة التعقيدات العربية؟ مشكلة التعقيدات العربية أنها ذات أبعاد داخلية وإقليمية ودولية. وهذا من وجهة نظري يجعل من الصعب على المؤسسات العربية التي تتصف بالضعف بطبيعتها على حلها. اعتقد ان تحقيق تقدم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي يعتبر شرطا جوهريا لتحقيق تقدم على بعض المسارات الأخرى. وبرغم خيبة أمل الشارع العربي من أداء مؤسسات العمل العربي المشترك وفي مقدمتها الجامعة العربية الإ ان المؤسسات القائمة تظل أفضل الخيارات بما لها من شرعية وخبرة. ويمكن للعرب إذا توافرت لهم الإرادة السياسية ان يعملوا على الانتقال بالمؤسسات القائمة إلى مستوى متقدم. المشكلة ليست في المؤسسات فيمكن دائما إصلاحها..ويمكن دائما إضافة مؤسسات جديدة. واعتقد ان رئاسة السعودية للقمة سيحقق الكثير.وأنا شخصيا متفائل إلى حد كبير بعودة الدور السعودي بهذه القوة وهذا الزخم. والملك عبد الله بما يحظى به من نفوذ ومن احترام وتقدير من جميع الأطراف هو أقدر من غيره على لعب دور يعزز من وحدة الصف العربي ويحقق بعض التقدم على الأقل على صعيد التحديات التي يواجهها العرب. واعتقد ان العرب والمنطقة بحاجة إلى هذا الدور السعودي القوي والعقلاني. لكن تفاؤلي هو من النوع الحذر حتى لا احمل السعودية فوق طاقتها. فالسعودية بحاجة إلى التعاون المخلص من قبل جميع الأطراف. وكما يقولون فان «مخرب واحد» يغلب «ألف عمار.» التنافس على إظهار الاتفاق ماذا يريد المواطن العربي من القمة برأيكم ؟ يريد المواطن العربي ان يرى القادة وهم يتنافسون على إظهار الاتفاق والانسجام بدلا من التنافس على إظهار الاختلاف. ويريد من القادة ان يتفقوا ولو على «الخطأ» بدلا من أن يختلفوا على «الصواب.» ولم يعد لدى المواطن العربي توقعات عالية بشأن المشكلات القائمة. ولذلك يكفي القادة العرب بان يركزوا كل مرة على مشكلة واحدة أو حتى جزء منها حتى لا يشتتوا جهودهم. لم يعد المواطن العربي يحلم بالوحدة العربية بل صار يحلم بوحدة الموقف العربي. ولم يعد يحلم بتحرير فلسطين بل صار يحلم بقيام دولة فلسطينية على جزء من «ارض فلسطين.» ولم يعد العربي يحلم بالهيمنة على الآخرين بل صار يحلم بان يعيش حرا بعيدا عن هيمنة الآخرين. وأود الإشارة إلى أن القمة القادمة تمثل فرصة للعرب لاستعادة زمام المبادرة وخصوصا في ظل الفشل الأمريكي الكبير في العراق وفي ظل الانقسامات داخل الولاياتالمتحدة وفي ظل ظهور الكثير من المؤشرات على تراجع الدور الأمريكي على مستوى العالم. كما تمثل القمة فرصة للعرب للعمل على رص صفوفهم والعمل معا على مواجهة التحديات المشتركة التي تفرضها عليهم قوى العولمة بأبعادها المختلفة.