125 أجنبي خطفتهم القبائل اليمنية في عشر سنوات .. تكررت هذه الحوادث بسبب الاستجابة الحكومية السابقة لمطالب الخاطفين .. معظم الخاطفين يثأرون بالخطف بسبب الثروات الطبيعية التي يقفون فوقها صنعاء التغيير: خلصت دراسة بحثية حديثة إن ظاهرة الاختطاف التي طالت أعداد كبيرة من الأجانب المتواجدين في الجمهورية اليمنية قد انتشرت بصورة ملحوظة في مدد زمنية متلاحقة امتدت بين الأعوام 1991-2001م , وهي المدة التي قالت الدراسة أنها شهدت فيها اليمن تحولات وأزمات متعددة على المستويين الداخلي والخارجي ، فعلى الصعيد الداخلي يلحظ إن هذه المدة قد شهدت صراعاً في المجتمع بين مختلف القوى السياسية، وحدثت فيها الحرب الأهلية عام 1994م ، والتي خلفت جملة من الآثار السلبية في المجتمع . وعلى الصعيد الخارجي انعكست هذه الأوضاع سلبا على طبيعة العلاقات بين اليمن وبعض دول الجوار والتي استأت فيها العلاقات اليمنية مع جيرانها وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية حسب الدراسة . مؤكدة أن اليمن استطاعت الخروج من هذه الأزمات، وإنهاء مشكلة الحدود مع الجارة المملكة العربية السعودية، وتحسن العلاقات مع دول الجوار، الأمر الذي انعكس ذلك إيجابا على استقرار الأوضاع ، منها تراجع ظاهرة الاختطاف في السنوات الأخيرة. وبينت الدراسة التي أعدها الدكتور فضل عبد الله الربيعي أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة عدن ونشرها موقع " التجديد العربي " في 27 نوفمبر الجاري ( أن أغلبية حوادث اختطاف الأجانب في اليمن تركزت على السياح من الدول المانحة مثل: فرنسا الذي بلغ إجمالي المخطوفين خلال الفترة 1991م 2001م (89) فرداً بين سائح وخبير ودبلوماسي بنسبة (30%)، وتليها حسب التوالي: ألمانيا (82) فرداً بنسبة (27.7%)، بريطانيا (37) فرداً بنسبة (12,5%)، ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية (22) سائحاً بنسبة (7,4%)، وهولندا (22) فرداً بنسبة (7,4) ثم ايطاليا(18) سائحاً بنسبة (6.0%) وبلجيكا(9) سواح بنسبة(3.0%) وسويسرا (6) سواح بنسبة (2.0%) ونسبة مماثلة للصين، وأخيرا بولندا (5) سواح بنسبة (1.7%) ). وضمن الباحث الرببعي جدول خاص بنصيب المحافظات من هذه الظاهرة ( فقد احتلت محافظة صنعاء أعلى نسب للاختطاف حيث بلغ عدد الحالات (50) حالة اختطاف بنسبة (40.0%)، وتليها حسب التوالي: محافظة مأرب (35) حالة بنسبة (28.0%)، محافظة ذمار (15) حالة بنسبة (12.0% )، محافظة شبوه (9) حالات بنسبة (7.2%)، محافظة الجوف (8) حالات بنسبة (6.4%)، ثم محافظة صعدة (4) حالات بنسبة (3.2%)، محافظة أبين (2) حالتين بنسبة (1.6%) ونسبة مماثلة في محافظة حجة، وحالة اختطاف واحدة بنسبة (0.8) في محافظة البيضاء ) . ان أعلى نسبة لهذه الجرائم كانت في محافظة صنعاء فسرها الباحث ( بحكم تواجد أعداد كبيرة من الأجانب الدبلوماسيين والسياح فيها وان أغلب المختطفين يتم أخذهم من صنعاء إلى المحافظات البعيدة مثل مأرب، ذمار أو حجة، وتأتي محافظة مأرب في المرتبة الثانية بحكم تردد السياح إليها لزيارة المواقع الأثرية ووجود شركات البترول العاملين فيها، أما محافظة ذمار فقد جاءت في المرتبة الثالثة فهي تقع على الطريق حيث حركة الأجانب من العاصمة إلى أغلب محافظات الجمهورية يمرون عبرها. فضلاً عن أن هذه المحافظات من المحافظات ذات التأثير الكبير لسلطة القبيلة فيها. بينما توزعت بقية النسب على المحافظات الستة الأخرى ). وأرجعت الدراسة بداية بروز هذه الظاهرة إلى ( اشتداد الأزمة السياسية والتي تلت قيام الوحدة اليمنية بين طرفي الوحدة ( الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي) ونكاية ببعضهم كان كل طرف يتهم الآخر بوقوفه وراء هذه الأحداث وفسرت حينها من قبل البعض إلى طبيعة تلك ألازمة ؛ إلا أن ذلك لم يستمر طويلا وسرعان ما أثبتت الأحداث خلاف هذه المزاعم، لاسيما بعد حرب 1994م التي شهدها اليمن. إذ أن أمور كثيرة قد تغيرت في الساحة السياسية اليمنية بعد تلك الحرب ، كان أبرزها خروج الحزب الاشتراكي اليمني من الحكم بعد الهزيمة التي مني بها في الحرب وانتصار حزبي المؤتمر والإصلاح ) . واتخذت هذه الظاهرة ( منحى آخر إذ آدت إلى إزهاق أرواح خمسة من السياح الأجانب ومنذ هذا الحادث أقدمت الدولة اليمنية على استحداث محكمة خاصة في صنعا خصصت للنظر في جرائم الاختطاف أطلق عليها اسم محكمة قضايا الاختطاف. وخلال الفترة التي لحقت تأسيس هذه المحكمة فقد أصدرت المحكمة على بعض مرتكبي هذه الجرائم أحكامها ممن تمكنت أجهزت السلطة من إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة) حسب د. الربيعي .. لكنه يرى أن هذه المحكمة الخاصة ( لم تحدث أثراً كبيراً كما كان متوقع للحد من ارتكاب جرائم الاختطاف، ويلحظ أنه بعد إنشائها جرت العديد من حالات الاختطاف، تم تسوية معظمها من خلال الصلح بين السلطة والقبائل الخاطفة، ولم تنظر المحكمة فيها ، حيث تتداخل هنا وظائف المؤسسات الرسمية والتقليدية لمعالجة هذه الجرائم ). وترى الدراسة الموسومة بعنوان " ظاهرة اختطاف الأجانب في اليمن : تحليل سيوسولوجية " ( إن جرائم الاختطاف التي جرت في اليمن كانت تتم من قبل القبائل بهدف الضغط على الدولة لتحقيق مصالح اجتماعية تنموية أو مصالح شخصية لقوى تقليدية - قبلية - أو سياسية متنفذة . تجد خلفيتها في الصراع القائم بين القبيلة والدولة في اليمن الذي يمتد إلى زمن سابق، فالقبيلة هي الوحدة الاجتماعية الأساس في بنية المجتمع اليمني يمكن أن تقوم بدور ايجابي أو سلبي في الحياة السياسية وفقا لطبيعة علاقتها مع الدولة ) . و توصل الدكتور الربيعي إلى العديد من الاستنتاجات منها ( إن الجماعات القبلية التي تقوم بجرائم الاختطاف تتمتع في الغالب بنفوذ كبير في المجتمع وتكرر من ذلك الأفعال وهذا النفوذ والشعور به قد منحها الجرأة على فعل مثل هذه الأعمال. وقد أكدت بعض الأحداث عند جماعات أخرى – لا تمتلك مثل هذا النفوذ - تم السيطرة عليها من قبل السلطة بسرعة وضبط الجناة وتقديمهم للمحاكمة ) . ولفت انتباه الباحث إلى عملية الإقدام على مثل هذه الأعمال , إذ ( لا يتم بصورة عفوية بل تدرس الإمكانية على قدرة هذا الفعل والوصول إلى تحقيق المطالب المقصودة من وراء ذلك ووضع الاحتمالات لمواجهة أي ردود أفعال قد تقدم عليها أجهزة السلطة المركزية، إذ أن هذه الجماعات القبلية تمتلك الأسلحة وتتحصن في أماكن بعيدة عن تواجد أجهزة السلطة في الريف وتذهب بالمختطفين إلى منازل القبائل التي تسودها قوة الترابط والتضامن القبلي وتتم معاملة المختطفين كمعاملة الضيوف ( ) و لازالت أجهزة السلطة في بعض المناطق الريفية اليمنية تعاني عدد من الصعوبات ولم تكتمل مؤسسات الدولة الرسمية فيها. ويصعب على أجهزة السلطة في أحياناً كثيرة اختراع هذه الجماعات القبلية وفي هذه الحالة التي يحصل فيها امتثال الأفراد لتأثير الجماعة المرجعية مما يقود إلى تعزيز التماسك بين أعضاء الجماعة وعدم التفريط ببعضهم فالكل في القبيلة هنا يعتبرون أنفسهم مسئولون عن الحادث، ويصعب تحديد أو معرفة الأشخاص الذين ينفذون عمليات الاختطاف فيِنسب العمل للجماعة وليس للأفراد نظرا لقوة الترابط والتماسك القبلي ) . وما أثار استغراب الباحث هنا هو الموقف القبلي من ظاهرة الاختطاف ( فهم يبادرون إلى أدانتها وشجبها، ويعتبرونها ظاهرة لا علاقة لها بالدين ولا بالأعراف القبلية؛ ولكنهم يقولون أن ما يحدث ليس اختطافات ، بل استضافات لبعض السياح بهدف لفت سمع الحكومة إلى مطالبهم . إذ أن جرائم الاختطاف عند القبائل التي تقدم على ارتكابها تحت أي دوافع كانت جماعية أو فردية ، سياسية أو اقتصادية ، لم تعد بنظر هؤلاء جرائم جنائية كغيرها من الأفعال الإجرامية الجنائية التي ترتكب في المجتمع رغم إن القانون قد نص عليها وحدد عقوبتها ) . ويرى الباحث أن الضغط الجماعي التي تمارسه الجماعات القبلية ( يجري عمليات الاختطافات وان الإقدام على ذلك لا يتحدد بأشخاص معينين عند توجيه أصابع الاتهام، بل يشمل جميع أفراد القبيلة وان كانت تتم بواسطة أشخاص معينين ووفق أدوار محددة، إلا أن التهم هنا في مثل هذه الأفعال كانت توجه للقبيلة جميعا. ويتداول الخبر بأن قبيلة فلان أو جماعة فلان أقدمت على الاختطاف، حيث يتم التفاوض مع رؤساء القبائل (المشائخ) بصدد الإفراج عن المختطفين والتفهم لطلبات الخاطفين ويعتبرون أنفسهم مسؤولين عن حياة المختطفين ماداموا عندهم وفي أوجههم فهم لا يتحرجوا من هذه الأفعال ، بل على العكس من ذلك يشعرون بالفخر والاعتزاز بإقدامهم عليها ويعتبرون ذلك في أحياناً كثيرة خير وسيلة يلجئون إليها بالضغط على السلطة المركزية لتحقيق طموحات ورغبات الجماعة لحصولها على بعض المشاريع التنموية والخدمية، التي حرمت منها مناطقهم الريفية كالمطالبة في بناء مدرسة أو عيادة صحية أو طريق وغيرها. فضلاً أن بعض الاختطافات تمارس لتحقيق مطالب سياسية كالمطالبة بالإفراج عن بعض المحتجزين السياسيين وعلى وجه الخصوص الجماعات الإسلامية - تنظيمات الجهاد - أو بعض المطالب لرؤساء القبائل أو المتنفذين الذين يجدون تجاوباً من قبائلهم أولا للقيام معهم بالإقدام على عملية الاختطاف، وهم بذلك التجاوب يشكلون قوة ضغط على السلطة لتحقيق بعض المطالب الخاصة بهم ) . ورصدت الدراسة العديد من المفاصل الرئيسية المرتبطة بهذه الظاهرة أبرزها لجوء ( السلطات القضائية في بعض الحالات بالاستعانة برؤساء القبائل في حل بعض القضايا منها الاختطافات فبدلاً من اتخاذ أسلوب المواجهة بين السلطة والقبائل تفضل إشراك رؤؤسا القبائل وشخصيات مسئولة في الدولة للتوسط في معالجة هذه الحوادث وقد كانت الطريقة السائدة في تحرير الأعداد الكبيرة من المختطفين الأجانب ) . ويمضي الباخث قائلا ( ان دور الوساطة الذي يسند إلى الشخصيات القوية قد مثل سمة لتوجهات الاشراكية في سياسة الدولة في اليمن , وكان أسلوب المواجهة المباشرة الذي استخدمته الدولة في بعض حوادث الاختطاف غير ناجح ولم يوصل إلى وضع الحلول المناسبة لمثل هذه المشاكل بل آدت إلى إلحاق بعض الخسائر المادية والمعنوية وسمعة الدولة كما حصل في حادث ابين في نهاية 1999م وقد شكل خطراً على حياة المختطفين الستة عشر الذين اختطفوا من قبل مجموعة من المسلحين المنتمين لتنظيم ما عرف بجيش عدنأبين الإسلامي، وقد أدت هذه المواجهة إلى مصرع خمسة من السياح الأجانب وجرح بعضهم، الأمر الذي أثر سلباً على علاقة اليمن بعدد من الدول التي ينتمي إليها هؤلاء السياح الأجانب، كبريطانيا والنمسا والولاياتالمتحدة ومما ترتب عن ذلك من انعكاسات على المستوى السياسي والاقتصادي ولاسيما على قطاع السياحة ) . ثم القول للدكتور الربيعي معد الدراسة إن طموحات ورغبة الخاطفين في حصولهم على احتياجاتهم من الخدمات الرئيسة في الريف أسوة ببعض المناطق الحضرية لاسيما وهم يتواجدون في محافظات تسهم إلى حد كبير في إنتاج الثروة القومية يجعلهم يشعرون بالحرمان منها وأنها تذهب – حسب نظرهم - إلى الآخرين بتصرف سلطات الدولة. لذا فهم يرون إنهم أحق بالحصول على مثل تلك المشاريع الخدمية لاسيما الضرورية منها، حيث يرون ان اقرب الطرق للوصول إلى ذلك هو القيام بعمليات الاختطافات كما هو الحال في الحوادث التي جرت في عدد من المحافظات ومنها محافظة مأرب التي جرت فيها نسبة كبيرة من هذه الحوادث والتي تتواجد فيها شركات التنقيب عن النفط وتردد عليها السياح لزيارة المناطق الأثرية فيها مما يجعل كثير من العمال الأجانب والسياح في مصيدة الاختطاف ) .