بات في حكم المؤكد أن البلد صار يتدحرج في الهاوية، بعد أن تجاوز حافتها بفعل التصرفات الرعناء التي تقدم عليها السلطة من وقت لآخر، دون الالتفات للأصوات المحذرة من مغبة الاستمرار في مثل هكذا نهج. ومع أن السلطة الحاكمة في اليمن قد تجرعت -ولاتزال- مرارة الحكم بعقلية القوة الباطشة ومبدأ العنف والترهيب، والتي لاتفرز غير مزيد من التوتر وزعزعة السكينة العامة والسلم الاجتماعي، إلا أنها لم تستفد من ذلك بتغيير مفهومها لطريقة إدارة البلاد.. لتصر بتعنت ومكابرة واضحين على السير بنفس الخطى التي دأبت عليها منذ قرابة ثلاثة عقود من الفشل. وفيما دول العالم، بما فيها بلدان الدرجة الثالثة، قد اتجهت صوب الإنتاج والاقتصاد المتنامي، بفعل ما تحدثه من حركة ديناميكية لاتتوقف في جميع المجالات، وبصورة مدنية راقية غابت عنها صور الأسلحة وأصوات النيران المدوية، ومعها كل أشكال القمع والترهيب، لاتزال «البزة» العسكرية ونخيط الميري في اليمن هي الثقافة السائدة التي تسعى السلطة لتكريسها، وبرنامج حكم يتشدق واضعوه بغدٍ أفضل واقتصاد مزدهر في بلد صارت فيه لقمة العيش حلماً صعب المنال لشريحة كبيرة من ساكنيه. وخلال الأيام المنصرمة من الأسبوع الحالي، تحولت «الوحدوي» الى خلية إرهابية خطيرة تستهدف المؤسسة العسكرية والأمنية في البلاد، والنيل من الاقتصاد، وإهانة هيئات نظامية عليا في بعض المؤسسات الحكومية. وبحسب ما جاء في أحد قرارات الاتهام المرفوعة ضد «الوحدوي» من الحرس الجمهوري، فإن ما نشرته الصحيفة من شأنه تكدير السلم العام واستهداف الجيش، خصوصاً وأنها تتزامن مع أحداث «الفتنة والتمرد للفئة الضالة في صعدة». قرار الاتهام الذي صور «الوحدوي» وكأنها شريك فاعل في مؤامرة تحاك ضد الوطن، قال مهدداً: إن الجيش معني بحماية القانون وتوفير الأمن والاستقرار والدفاع عن الوحدة والوطن ضد كافة المخاطر والمؤامرات الداخلية والخارجية. ولأن الأمر كذلك، فقد كان لزاماً على وكيل نيابة الصحافة والمطبوعات -بناءً على تعليمات عليا- أن يصدر عدداً كبيراً من أوامر القبض القهرية في يوم واحد "والتي ربما حطمت الرقم القياسي في تاريخ الصحافة اليمنية" ليتحول بعد ذلك مقر «الوحدوي» والشوارع المحيطة به، الى ثكنة عسكرية تعج بالجنود المدججين بالسلاح والتعبئة الخاطئة والمحرضة ضد الصحافيين. ومثلما كان الزميل معاذ المقطري صادقاً في التعريف بنفسه عندما اقتحم جنديان، عصر الأحد الماضي، مقر الصحيفة، للبحث عنه، وقف الزميل علي السقاف، رئيس التحرير، مذهولاً عندما تفاجأ بطقم عسكري وعدد من جنود قسم شرطة النصر، بانتظاره أمام مدخل العمارة التي فيها مكتب الصحيفة. السقاف -الذي عاد لتوه من القاهرة بعد رحلة علاجية للتخفيف من حدة آلام ضغط الدم وأعراض أخرى هي كل رصيده كرئيس تحرير لصحيفة معارضة في بلد لايؤمن مسؤولوه بمبدأ الرأي الآخر- ذُهل أيضاً من الطريقة الرعناء والأسلوب البلطجي الذي باشر به جنود الأمن تعاملهم معه. وإن كان الزميل السقاف لم يرفض التوجه مع الجنود الى القسم، طالباً منهم بلطف أن يسمحوا له فقط بوضع ما بيديه في الصحيفة، وإخبار طاقمها بالأمر، إلا أن الجنود، ومعهم مدير القسم، أصروا بقصد على إهانة رئيس التحرير وجره في الشارع بطريقة هي أقرب للاختطاف منه للاعتقال، ليزج بالأخير والمقطري في زنزانة خاصة بهما، وسط تعامل متغطرس ومنحط يوحي بمدى الحقد الدفين في نفوس بعض الجنود والضباط تجاه الصحافيين، وهو تعزز باعتداء على أعضاء مجلس النقابة الذين حضروا الى النيابة، وشتمهم. وبالطبع فإن ذلك نتيجة للتبعئة المستمرة من قبل مسؤولين كبار في الدولة، وقبلهم رئيس الجمهورية، الذي قام في أكثر من خطاب أمام منتسبي القوات المسلحة والأمن، بالتحريض ضد الصحافيين ورجال المعارضة، في توجه خطير للغاية ربما لايدرك تبعاته رئيس الجمهورية. قائمة المطلوبين من صحافيي «الوحدوي» لم تنتهِ بعد. ولولا انشغال الزميل أشرف الريفي بالتجهيزات الخاصة بزفافه المقرر الخميس بعد القادم، وتغيبه عن الصحيفة، لكان قفص السلطة الحديدي بديلاً مناسباً له -في نظر السلطة- عن القفص الذهبي. أما الزميل عادل عبدالمغني، رئيس قسم التحقيقات في الصحيفة، فقد كان أفضل حظاً من بقية الزملاء حين تسلم أمراً بالمثول أمام النيابة، دون أن تدون عليه مفردات القبض القهري. الزميل أحمد سعيد لم يسلم هو الآخر من حملة السلطة الشعواء ضد «الوحدوي» وعدد آخر من الصحف والمواقع الالكترونية الناقدة لسياساتها. وبين أروقة نيابة الصحافة والمطبوعات قضى مدير التحرير وقته منذ صباح السبت الماضي حتى الظهيرة، في أربع قضايا نشر مختلفة مرفوعة ضد «الوحدوي»، أُلزم في إحداها بإحضار رئيس التحرير والزميل أشرف الريفي، وأُخذ عليه تعهد بذلك من قبل محكمة جنوب غرب الامانة . وبدءاً بالقضية المرفوعة من هيئة المعادن ضد الزميلين علي السقاف وأشرف الريفي بعد تناول الأخير تقريراً بعنوان «فساد وتلاعب في المعادن»، مروراً بالقضية المرفوعة من وزارة النقل ضد رئيس التحرير والزميل عادل عبدالمغني بعد تناول الأخير تقريراًً بعنوان «مافيا المال والسياسة تبيع الوطن»، ووصولاً الى القضيتين المرفوعتين من وزارة الدفاع ضد رئيس التحرير ومعاذ المقطري، عاد الزميل أحمد سعيد ناصر من ساحة محكمة جنوب غرب الأمانة، ليؤكد أن توجهاً ما يحاك ضد الصحيفة وصحافييها .وهو ما أثبتته أحداث الأحد المنصرم. وهنا نتساءل: ما الذي جنيناه في الصحيفة غير العمل وفق ما تمليه علينا ضمائرنا ومسؤوليتنا تجاه المجتمع والوطن؟ فلماذا كل هذا العنف إذن، والأوامر العاجلة بالقبض القهري؟ رئيس التحرير لم يتمرد على السلطة التشريعية في البلاد، كما هو الحال بمحافظ إب تجاه لجنة البرلمان، وللمرة الثانية، حتى يجرجر من قبل جنود الأمن بتلك الطريقة الهمجية. كما أن الرجل لم يشرد المواطنين وينتهك حقوقهم ومواطنتهم بشكل سافر ومنافٍ للقوانين والنظم، كما فعل عضو مجلس الشورى محمد أحمد منصور، حتى يصدر هذا الكم الهائل من أوامر القبض القهري عليه وعلى صحافيي «الوحدوي»، بدلاً من صدورها ضد الشيخ ومساعديه. السقاف أيضاً، ومعه طاقم «الوحدوي» لم يرفعوا السلاح في وجه الدولة، كما تتهم الأخيرة أتباع الحوثي. فلماذا إذن يتم التعامل معهم بعقلية البارود ونخيط الميري؟ ولماذا يعمد بعض الجنود والضباط الى تشويه صورة المؤسسة العسكرية والأمنية، وإظهارها وكأنها مؤسسات غير وطنية تسعى الى إذلال المواطنين وإرهابهم، والوقوف مع الطغاة من المشائخ والمتنفذين ضد البسطاء والأبرياء من أبناء الشعب، وهي ليست كذلك أو هكذا يجب أن تكون؟ الاستمرار في تلطيخ سجل الحريات في البلد ليس في صالح أحد. والاعتقاد بأن مثل هذه الممارسات يمكن أن تثني الصحافيين عن مواصلة أداء رسالتهم النبيلة، وهم يجب أن يقلع عنه معتقدوه. وفيما نتوجه بالشكر لمعالي الدكتور رشاد العليمي وزير الداخلية، والزميل نصر مصطفى وأعضاء مجلس النقابة وكل الزملاء والمنظمات والهيئات التي وقفت مع «الوحدوي»، على مواقفهم النبيلة تجاه ما حدث للصحيفة، فإننا نطالب وزارة الداخلية بتبني استراتيجية لتوعية منتسبيها بأسس ومبادئ التعامل الراقي مع رجال الصحافة والمواطنين ككل. فالطرفان ليسا في حالة عداء مع بعض، كما يخيل لعدد من الجنود وفق ما لُقنوا. وعلى العكس من ذلك، فإن أهداف الجنود ورجال الصحافة واحدة، وهي السعي للكشف عن الجرائم والانتهاكات، والانتصار للبسطاء والمظلومين، والانتصار للوطن من ناهبيه. [email protected]