بعد انقلاب 18 أغسطس2008م تكشف القرأة السياسية للأحداث المستجدة في المشهد السياسي اليمني الراهن- بوضوح شديد- عن تفاقم وتعقيد مسارات الأزمة الوطنية الشاملة ,والمركبة مع مرور كل يوم جديد , دافعة بالشعب والوطن عميقا في أتون النفق المظلم الذي ولجت إليه البلاد , كنتيجة طبيعية للسياسات والإجراءات الرسمية المأزومة والفاشلة , على خلفية القرارات المرتبكة واللا مشروعة التي تنتجها السلطة الفاسدة , القائمة اليوم بقوة الأمر الواقع , ولاسيما بعد إن باتت عاجزة عن الوفاء بوعودها والتزاماتها الدستورية والقانونية , وتكرر فشلها وعدم قدرتها على إنتاج الحلول والمعالجات السياسية المواكبة للاحتياجات الضرورية والحيوية المشروعة والمكفولة دستوريا للمواطنين على مختلف المستويات , وإخفاقها في إصلاح الأوضاع السياسية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية شديدة التردي على طول وعرض الساحة اليمنية.. أن سلطة الأمر الواقع القائمة اليوم قد أصبحت عبئا على الحياة السياسية , وكابحا حقيقيا للإصلاحات السياسية والممارسة الديمقراطية، وهو ما يفسر فشلها وعجزها وعقم سياساتها التقليدية العتيقة وهوسها المفرط في استخدام القوة والممارسات القمعية التعسفية اللامشروعة في تعاطيها مع النشطاء السياسيين المنخرطين في الفعاليات الاحتجاجية السلمية والديمقراطية المشروعة وذوي الرأي والموقف السياسي الآخر حد اقترافها لجرائم القتل خارج ساحات القضاء وجرائم الإخفاء ألقسري وغيرها من الممارسات القمعية المصنفة في عداد الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم ، وما رافقها من ملاحقات واعتقالات ومحاكمات سياسية انتقامية لا مشروعة، تعاظم معها سجل انتهاكاتها الرسمية للحقوق والحريات العامة المكفولة دستوريا للمواطنين , مقوضة بذلك عوامل ومبررات بقائها وما تبقى من مشروعيتها السياسية والدستورية المتآكلة . إن المشروعية السياسية والدستورية لسلطة الأمر الواقع أضحت اليوم على المحك،بعد إن أخذت بالتداعي مبكرا منذ أولى خطواتها الانقلابية على المشروعية السياسية والدستورية , لوحدة 22مايو1990م السلمية التوافقية ومشروعها الوطني الديمقراطي بالقوة العسكرية في حرب صيف 1994م الظالمة , وحتى انتخابات 2006م التي لم تعلن نتائجها الرسمية النهائية حتى الآن، مرورا بحقيقة فشلها السياسي في التعاطي مع قضية الحراك السلمي في الجنوب وفشلها في تسوية آثار الحرب وتبعاتها وتداعياتها السياسية والاجتماعية المتفاقمة, وحقيقة فشلها السياسي في التعاطي مع قضية صعدة التي جردت لها - خلافا للدستور والقوانين النافذة - خمسة حروب عبثية ظالمة لم تنتج سوى الدمار الهائل لمقدرات الشعب المادية والبشرية وهزائم عسكرية متتالية مذلة وآلاف الضحايا من المدنيين والعسكريين على مدار الأربعة الأعوام المنصرمة، ناهيكم عن حقيقة تفريطها بالسيادة الوطنية على أجزاء واسعة من الأراضي اليمنية برا وبحرا وجوا دون استشارة الشعب في أخطر قرار مصيري يرتقي إلى مصاف الخيانة العظمى المجرمة دستوريا ،إضافة إلى إخفاقها في مكافحة فسادها المتعاظم والنهب السافر والمنظم للثروة الوطنية , وتماديها في سياسة التجويع والإفقار الجماعي المتوحش الذي شمل جل الشرائح والتكوينات الاجتماعية للشعب اليمني، وانتهاء بمصادرتها للحقوق والحريات العامة, والإيغال في ممارسة الفساد والإفساد السياسي الذي طال جل مفردات الحياة السياسية في البلاد , لتتوج هذه السياسات اللا مشروعة مؤخرا بمخطط تصفية هامش الممارسة الديمقراطية والتعددية السياسية الذي تكشفت تفاصيله على خلفية قرار الانقلاب السياسي على الأسس والمبادئ الدستورية والقانونية للنظام السياسي القائم , عبر كتلة الغالبية في مجلس النواب بتاريخ 18أغسطس2008م.والذي طال الاتفاقيات الثنائية والتعهدات الدولية، التي ألتزمت بها السلطة وفي المقدمة منها الاتفاقية الخاصة بتوصيات البعثة الأوروبية بشأن الإصلاحات الانتخابية، التي اعتبرتها مجرد غلطة، وقعت مجاملة للإتحاد الأوروبي عشية مؤتمر لندن للمانحين. فالسلطة التي لا تحترم الدستور والقانون النافذ ،ولا تحترم اتفاقياتها وتعهداتها الوطنية والدولية، هي أقرب ما تكون إلى عصابة من اللصوص كما وصفها أحد المستشرقين الأمريكيين محقا.وحينذاك تفقد مشروعيتها ومبرر بقائها ، ولا يجدر احترامها. إن سيناريو الانقلاب السياسي الذي أقر رسميا في ال 18من أغسطس2008م والخطوات التالية له بما في ذلك رفض الإفراج عن المعتقلين السياسيين والتنكر للإصلاحات الانتخابية في الاتفاقيات الثنائية المبرمة بشأنها , وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات خلافا للإجراءات الدستورية والقانونية النافذة ومن طرف سياسي واحد , إنما يكشف وبما لا يدع مجالا للشك عن أنه لم يكن حدثا عابرا , أو قرارا عرضيا وليد اللحظة، بقدر ما يمثل البيان رقم واحد في مخطط الانقلاب السياسي السافر على الدستور النافذ , وعلى ما تبقى من هامش الممارسة الديمقراطية ومبادئ التعددية السياسية والحزبية , والشراكة الوطنية, والتداول السلمي للسلطة التي نص عليها الدستور النافذ , كخطوة أولى لضمان إنجاز أهداف المخطط الانقلابي عبر بوابة الاستحقاق الانتخابي البرلماني المقبل , ومصادرة نتائجه سلفا , وبما يكفل تكريس احتكار السلطة وديمومة حكم الفرد وتوريثه عبر التعديلات الدستورية المزمع إجراؤها بعد الانتخابات النيابية، وقبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها دستوريا في العام 2013م ، وهو الهدف الذي طالما شكل المعضلة الرئيسية المؤرقة للسلطة، ولاسيما مع اقتراب نهاية الفترة الزمنية الثانية والنهائية المحددة دستوريا لحكم الرئيس الحالي ، - الذي تجاوز ال30 عاما في الحكم - والتي سبق تمديدها بتعديل الدستور بعد انتهاء الفترة الزمنية الدستورية لبقائه في السلطة في عام 2001م وفقا للدستور . إن إصرار السلطة على المضي قدما في تنفيذ فصول المخطط الانقلابي المغامر الذي أقدمت عليه في ال 18من أغسطس2008م إلى نهايته , بات أمرا بالغ الكلفة السياسية اليوم في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والوطنية المأزومة بالغة الاحتقان , وبما تنذر به من مخاطر وتداعيات كارثية ستطال بأضرارها ولا شك الحياة السياسية والديمقراطية وستلقي بظلالها القاتمة على حاضر ومستقبل الشعب والوطن , إذا ما تحققت الأهداف الانقلابية المخططة .إلا أنه ومن المؤكد لن يكون ذلك مجرد مغامرة مثيرة ،أو سحابة صيف عابرة بالنسبة للسلطة وحزبها ، الذين سيكونين أول المستهدفين في هذا المخطط اللا دستوري الذي سيجردهما إبتدأ من مشروعيتهما السياسية والدستورية الديكورية المتهالكة, في خطوة بالغة الخطورة، ستغدو في دلالتها وتداعياتها السياسية بمثابة رصاصة الرحمة على سلطة الأمر الواقع المحتضرة , وسيكون ثلة النافذين من كبار الفاسدين المحتكرين للسلطة والثروة ومصادر صناعة القرار , بمصالحهم وثرواتهم الطائلة واللامشروعة ,من أول ضحاياها , أما جماهير الشعب المتضورة جوعا بقواها السياسية المعارضة وقياداتها السياسية المعتقلة في السجون والمشردة في بلدان الشتات ، فليس لديها ما تفقده , فإن لم تكسب المستقبل , لن تخسر سوى أغلالها . الحوار الوطني الشامل....الخيار البديل. لقد بات اليمنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى على يقين تام بأن السياسات والإجراآت الفاسدة والمأزومة ، التي تنتجها السلطة وحزبها في تعاطيها اللامسئول مع مظاهر الأزمة الوطنية بمساراتها المختلفة لم تثمر سوى المزيد من التعقيدات والتداعيات المفاقمة للأزمة والمصعدة للاحتقانات السياسية والاجتماعية ، الدافعة بها نحو الانفجار ، راهنة بذلك حاضر البلاد ومستقبلها للمجهول. وإزاء هذه الأوضاع الوطنية المحتقنة شديدة الخطورة بالغة الحساسية والتعقيد بمآلاتها الكارثية التي لن تستثني أحدا،وستطال بأضرارها الجميع ، تقتضي المسئولية الوطنية من جميع الأطراف والتكوينات السياسية والمجتمعية الفاعلة في البلاد النهوض بواجباتها الوطنية والأخلاقية –قبل فوات الأوان – والإسهام بدورها في سياق الجهود الوطنية المخلصة الدافعة باتجاه حشد كل الطاقات والإمكانيات الوطنية المتاحة ، لمواجهة التحديات المصيرية الكارثية التي تنذر بها الأزمة الوطنية المتفاقمة، وذلك من خلال الانخراط بفاعلية في خضم التحضيرات الجادة الجارية اليوم لضمان إنجاز حوار وطني شامل لا يستثني أحد ، يتوج بمؤتمر وطني ، يمثل فيه جميع الأطراف السياسية والاجتماعية الوطنية الفاعلة من داخل البلاد وخارجها ، يتسع لكل الرؤى والأفكار الجادة ويستوعب مختلف التصورات والحلول والمعالجات الوطنية المثلى بشأن مختلف مظاهر الأزمة الوطنية ببؤرها الملتهبة في الجنوب وصعده وفي مختلف محافظات الجمهورية في إطار الوحدة والديمقراطية، يفضي إلى برنامج شامل للإنقاذ الوطني، متوافق عليه وملزم للجميع، مشفوع بالآليات والوسائل والإمكانيات الضامنة لإنجاز وتنفيذ المهام الإنقاذية الملحة منها والعاجلة الضرورية لوقف حالة التردي والانهيار ، التي تنحوا نحوها الأزمة الوطنية الراهنة بخطى متسارعة، إلى جانب تلك المهام والمعالجات الإستراتيجية الضرورية لإنجاز الإصلاحات السياسية والوطنية الشاملة للنظام السياسي القائم وبما يضمن معالجة الأسباب المنتجة لمختلف مظاهر الأزمة الراهنة ، وإخراج البلاد من دوامة أزماتها المزمنة والمتتالية ويحول دون تكرارها في المستقبل. د. محمد صالح عليعضو مجلس النوابقيادي في اللقاء المشترك10/9/2008م.