أطلقت اللجنة التحضيرية للحوار الوطني اليوم الاثنين مبادرة إنقاذية لليمن من المشاكل والمخاطر التي تهدد وحدته واستقراره. وحددت وثيقة الحوار الوطني التي أعلنت في مؤتمر صحافي عقد بفندق رمادة حدة بالعاصمة صنعاء بحضور أكثر من 300 شخصية وطنية جذر المشكلة في البلد بالحكم الفردي المشخصن الذي حول الدولة اليمنية من مشروع سياسي وطني، إلى مشروع عائلي ضيق، أفضى إلى تقويض وإهدار نضالات وتضحيات أبناء اليمن والقفز على مكتسبات وأهداف الثورة اليمنية ومضامين وحدة 22مايو السلمية 1990م . وقال محمد سالم باسندوة- رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني – أن التوصل لصيغة وثيقة الإنقاذ استغرق ثلاثة شهور تخللها نقاشات عميقة تمخضت عن مشروع دقيق ومتكامل يهدف إلى انتشال الوطن من براثن الأزمات التي يعيشها وتكاد تقضي على ما تبقى من السلم الاجتماعي. و دعا باسندوة في مستهل المؤتمر الصحفي باسم اللجنة التحضيرية للحوار الوطني كل أبناء اليمن من قوى سياسية واقتصادية واجتماعية إلى الاصطفاف وحشد الطاقات والجهود من أجل الهدف الملح والأسمى المتمثل في الوصول إلى بناء دولة مؤسسية ديمقراطية لا مركزية حديثة, وإخراج أوضاع في البلد من حالة النزاع التشظي والتي قال أنها باتت محل قلق كل أبناء الوطن والأشقاء العرب والأصدقاء في العالم. وتوقف باسندوة للحظات عن الكلام بعد أن ذرفت عيناه دموع الحزن والأسى على ما وصلت إلية أوضاع اليمن اليوم من حالة اقتتال و تشظي وانهيار يكاد يطيح بالبلد. واعتبر باسندوة ما يجري في صعدة ومديرية حرف سفيان نزيف متواصل للدم اليمني سواء كان الضحايا من الجنود أو الحوثيين. مشيرا إلى أن حرب صعدة التي وصفها بالعبثية ضمن القضايا الهامة التي يتناولها مشروع الرؤية للإنقاذ الوطني بالتفصيل,إلى جانب ما يشهده الجنوب من حراك شعبي سلمي لا يخلو هو الآخر من سقوط قتلى وجرحى. وقال أن احتقان الجماهير في عموم الساحة الوطنية بلغت ذروتها نتيجة توغل الفساد واتساع رقعة الفقر والبطالة وشح نضوب المياه,وكثرة انقطاع الكهرباء في كافة المدن و القرى, وتدهور مستوى الخدمات والافتقار إلى العديد من البنى التحتية وغياب المساواة في المواطنة وعدم سيادة النظام والقانون, وتردي التعليم والتطبيب والإحساس المتصاعد لدى السواد الأعظم من الناس بالظلم والغبن وانحسار إيرادات الدولة وتردي الوضع الاقتصادي وغيرها الكثير من المنغصات اليومية. وحذر باسندوة من مخاطر وصغها بالجسام تنتظر اليمن إذا لم تلتقي القوى الحية لتداركه. وأعلن باسندوة استعداد لجنة الحوار الوطني للقبول بأي وجهات نظر و أراء أو مقترحات تهدف إلى تطوير وإثراء مشروع وثيقة الإنقاذ التي قال أنها تطرح كورقة للتحاور مع كل المكونات السياسية والاجتماعية وسائر المواطنين، وبما يسهم في تحقيق أقصى قدر ممكن من التوافق الوطني الشامل الذي من شأنه الحفاظ على اليمن ووحدته وسكينته ، وإعادته إلى المسار الطبيعي والصحيح, ودعا المؤتمر الشعبي العام للمشاركة في الحوار الوطني كحزب سياسية لا كسلطة . وأكد أن أسمى الأهداف التي تصبو إليها لجنة الحوار من وراء وثيقة الإنقاذ هو التوصل إلى أنجع الحلول والمعالجات الكفيلة بإخراج البلاد من النفق المظلم الذي باتت تعيش فيه. وتحدث باسندوة عن جذور الأزمة التي تعيشها اليمن والمختزلة في حكم الفرد للدولة، وقال أن السلطة الحاكمة اليوم لا تقبل بالآخر كشريك بل كموظف تابع لها واستدل بحديث جرى بينه ورئيس الجمهورية عام 94م حين رفض الأخير طلبه العمل كشريك لا موظف وهو سبب خروج باسندوة من السلطة حسب قوله. وذهب باسندوة لطرح أدلة أخرى على اختزال الدولة بالفرد وقال إن رئيس الجمهورية يستطيع إقالة نائب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء بقرار يصدره وهو يحتسي كوبا من الشاي. وقال أيضا أن نائب الرئيس ورئيس الحكومة والمسئولون الرفيعون في الدولة مسلوبي الصلاحيات وليسوا أكثر من موظفين لدى رئيس الجمهورية. من جانبه استعرض - أمين عام لجنة الحوار الوطني حميد بن عبدالله الأحمر - ما أنجزته اللجنة التحضيرية للحوار منذ انتخابها قبل ثلاثة شهورفي الخامس والعشرين من مايو2009ووضع الحاضرين أمام أهم الخطوات والآليات التي ستنتهجها اللجنة خلال المرحلة المقبلة. وأشار إلى أن مشروع رؤية الإنقاذ الوطني بحثت بشكل واضح وشفاف وبتجرد أسباب أزمات اليمن وتم تحديد جذر الأزمة بحكم فردي مشخصن هو المتسبب لكل الأزمات التي أنتجت الوضع القائم. وفيما يتعلق باليات التنفيذ قال الأحمر إن اللجنة أقرت تشكيل خمس لجان حوارية من بين أعضائها تتولى مهام الحوار مع الأطراف الرئيسية للأزمة الوطنية, وكذلك مع ذوي الاختصاص وفقا للرؤية الخاصة باللجنة التحضيرية, وهي: لجنة القضية الجنوبية, ولجنة صعدة, ولجنة القضية السياسية والدستورية ولجنة القضايا الاقتصادية والخدماتية ولجنة قضايا الحقوق والحريات. ولفت الأحمر إلى الانتكاسة التي حصلت بعد حرب 94م وما لحقها من مصادرة الدولة وشخصنتها. مؤكدا أن السلطة حولت البلد إلى دولة فاشلة معرضة للانهيار في أي وقت.مشيرا إلى ما تضمنته الوثيقة التي تتكون من ثلاثة أقسام "تشخيص الأزمة السياسية والوطنية الراهنة" و"الحلول والمعالجات"و"الآليات". وقال أمين عام لجنة الحوار الوطني أن اللجنة حرصت على إلا تورد شعارات براقة في وثيقة الإنقاذ، واعتمدت الخيار الوطني بين خيارات المركزية المقيتة وخيار التشظي والانفصال .وقال أن لجنة الحوار حرصت على ألا تخرج بحلول تحت ضغط الأزمة. و دعا الشيخ حميد الأحمر المؤتمر الشعبي العام للمشاركة في الحوار الوطني كحزب حاكم وليس كسلطة. كما دعا كافة أطياف العمل السياسي في الداخل والخارج المشاركة في الحوار للخروج باليمن من مأزقها الراهن وقال: من أراد أن يكون مع الإجماع الوطني فسيكون مع تيار المستقبل ومن أراد التخلف فذلك خياره. وفي رده على أسئلة واستفسارات الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء الخارجية أكد صخر الوجيه – عضو اللجنة التحضيرية للحوار الوطني أن الوثيقة تسعى للتغيير بطريقة سلمية وليست انقلابا على السلطة كما يسميه البعض، وقال: "الانقلابات لها آلياتها ووسائلها المعروفة". مؤكدا على عزم كل القوى الحية في البلد على مواصلة نضالها وصولا إلى دولة فاضلة تخرج اليمن مما تعيشها اليوم. إلى ذلك وصف سياسيون وثيقة الإنقاذ بالوثيقة الأهم في تاريخ اليمن وارجعوا ذلك إلى الإجماع حول مضامين الوثيقة من قبل مختلف الأطياف السياسية الأمر الذي لم يتحقق في محطات تاريخية سابقة. وقال سياسيون وأكاديميون أن مصدر قوة الوثيقة هو مرجعيتها الشعبية التي تشكلت مع الثورتين والوحدة واعتمادها كمرجعية مشروعية ودستورية في البلد. وكانت وثيقة الحوار الوطني للإنقاذ أكدت أن الحلول الإنقاذية تبدأ بالسعي الجاد والحثيث نحو تكوين اصطفاف شعبي واجماع وطني كفيل بإحداث التغيير الذي يحفظ كيان الدولة ويستعيد مضامين وحدة الثاني والعشرين من مايو عام 1990م السلمية، ويعيد الاعتبار لأهداف الثورة اليمنية. مشيرة إلى أن الخطوة الأولى في المعالجة الوطنية الشاملة للأوضاع المتفاقمة، التي ترزح تحت وطأتها الغالبية العظمى من السكان في مختلف أرجاء البلاد، تبدأ أولا وقبل كل شيء بوقف حالة الانهيار، ومعالجة البؤر الملتهبة عبر وقف نزيف الدم في صعدة، وحل القضية الجنوبية بأبعادها الحقوقية والسياسية، حلاً عادلاً وشاملاً، يضع الجنوب في مكانه الوطني الطبيعي كطرف في المعادلة الوطنية، وكشريك حقيقي في السلطة والثروة. ومن ثم إعادة بناء الدولة والنظام على أسس متينة، تحقق الشراكة الوطنية، والتداول السلمي للسلطة، وتحول دون وقوع البلاد مرة أخرى في مهاوي المستنقع والنفق المظلم الذي أوقعت السلطة الحالية البلاد فيه. وقالت الوثيقة أن الأوضاع الراهنة في اليمن تتجه نحو مآلات بالغة الخطورة تهدد كيانها السياسي والاجتماعي بالانهيار كنتيجة لاحتدام أزمة وطنية شاملة، ترتبط جذورها بمركزية عصبوية، وبطبيعة السياسات والممارسات التي انتهجتها السلطة الفردية المشخصنه، والمتسمة بالعشوائية وبالمزاج الفردي المتقلب، والتي لم تتوقف لحظة واحدة عن تدمير أسس البني الوطنية والاجتماعية والأخلاقية، ووأد التقاليد المؤسسية الجنينية للدولة التي ورثتها اليمن عن تراكمات تاريخية لفترات طويلة من الزمن، لتحل محلها مظاهر فوضى عارمة تشمل مختلف مناحي الحياة. واعتبرت إن المأزق الحقيقي الذي وصلت إليه البلاد يكمن في أن السلطة رغم مكابرتها فاقدة القدرة على تقديم أية حلول جادة وواقعية وفعالة لهذه الأزمات، وترفض الأخذ بأية سياسات أو إجراءات إصلاحية جادة. وأكدت أنه لا سبيل للتصدي للأزمة، وإنقاذ الوطن وإخراجه من دوامتها المستحكمة، إلا بحشد وتعبئة وتكتيل الطاقات والجهود الوطنية، ليشكل الجميع رافعة تغيير سلمي، وإنقاذ وطني يخرج البلاد من براثن استبداد وفساد الوضع الراهن، وصولا إلى عقد اجتماعي جديد جامع يؤسس لقيام دولة مؤسسية يمنية حديثة، تتفق مع معايير الدولة العصرية . وأكدت الوثيقة أن الممسكين بالسلطة عملوا على " سد أفق التغيير عبر انتخابات حرة ونزيهة وعادلة، وتعطيل مبدأ التداول السلمي للسلطة، برفض تنفيذ أية إجراءات من شانها تطوير النظام والإدارة الانتخابية، وتحسين شروط العملية الانتخابية، بما يجعلها حرة ونزيهة في مجرياتها، معبرة في نتائجها عن الإرادة الشعبية الحرة، وتحويل العملية الانتخابية، إلى عملية شكلية عاجزة عن تلبية متطلبات تنمية النهج الديمقراطي وبناء الدولة اليمنية، وإلى مظاهر احتفالية لإضفاء شرعية شكلية على نظام يدير البلد بواسطة دورات انتخابية تم تكييفها لإعادة إنتاج نفسه." الوثيقة اعتبرت حرب صعدة والقضية الجنوبية والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية نتائج لجذر الأزمة في البلد والذي حددته بالحكم الفردي المشخصن الذي أطاح بمضامين وأهداف الثورتين وأعاد العمل السياسي الى عهود التسلط وإلغاء الإرادة الشعبية. و قالت " أن الإنفجارات المتكررة للحرب في صعدة، منذ يونيو 2004م واتساع رقعتها حتى وصلت إلى أبواب العاصمة صنعاء، شكلت حالة خطرة عكست غياب النظام المؤسسي القادر على التعاطي مع التحديات الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والأمنية، من منظور وطني يتجاوز منحدر صراعات وحروب العصبيات.". وقدمت الوثيقة حلولا للأزمة تستهدف وقف حالة الانهيار ودرء المخاطر الكارثية الآنية للأزمة الوطنية، عبر حل القضية الجنوبية بأبعادها الحقوقية والسياسية، حلاً عادلاً وشاملاً، يضع الجنوب في مكانه الوطني الطبيعي، كطرف في المعادلة الوطنية، وكشريك حقيقي في السلطة والثروة في دولة الشراكة الوطنية، كمدخل أساسي لمعالجة وطنية شاملة للأوضاع المتفاقمة، التي ترزح تحت وطأتها الغالبية العظمى من السكان في مختلف أرجاء البلاد، وذلك من خلال الإيقاف الفوري لنهج القوة والعنف والحروب الأهلية، وعسكرة الحياة السياسية. ومن ضمن المعالجات تهيئة الأجواء والمناخات السياسية ، و إزالة آثار حرب صيف 94م وإجراء مصالحة وطنية شاملة ,و معالجة آثار الحروب والصراعات السياسية السابقة . ورأت الوثيقة ان من ضمن المعالجات المسارعة في معالجة الأوضاع المتفجرة في صعدة بوضعها على طاولة حوار وطني شامل يكون الحوثيون طرفا فيه، وبما يكفل نزع فتائل وذرائع وأسباب تجدد القتال ودورات العنف في هذا الجزء من الوطن ،ومعالجة ما خلفته تلك الحروب من دمار وآثار مأساوية مادية ومعنوية، وتعويض المتضررين، وإعادة الإعمار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوطن لن يجد استقراره إلا بالتسليم بالمواطنة المتساوية، والاعتراف بحق الآخر في الحياة والعيش الكريم، والالتزام بالقواعد المنظمة للحياة الديمقراطية، وما كفله الدستور من الحقوق والحريات العامة والخاصة وحرية الفكر . ودعت إلى معالجة قضايا الثأر والعنف المحلي، وبناء الدولة الوطنية الحديثة، و تطوير شكل الدولة على قاعدة اللامركزية الذي عدته وثيقة الإنقاذ الركيزة الرئيسية لإخراج البلاد من وضعها الراهن. وتوصلت الوثيقة إلى ثلاث صيغ للحكم في البلد تتمثل في الحكم المحلي كما ورد في وثيقة العهد والاتفاق، والفدرالية، والحكم المحلي كامل الصلاحيات.
يذكر أن لجنة الحوار الوطني انبثقت عن لجنة التشاور الوطني الذي خلص إلى مؤتمر تشاوري عام حضرته مختلف الشخصيات الوطنية في البلد واقر تشكيل لجنة تحضيرية للحوار الوطني تُرتب لعقد حوار وطني شامل يظم مختلف تيار العمل السياسي في اليمن.