تقرير الأداء الحكومي.. بيانات مناقضة للواقع وإنجازات مزعومة قرأ رئيس الوزراء مطلع الأسبوع الحالي على أعضاء مجلس النواب تقريرا مطولا عن أداء حكومته للعام المنصرم، زاعما أنه كان عاماً حافلا بالإنجازات التنموية. وبالرغم من أن التقرير لم يحفل بجديد أو واقعية سوى تضمنه دعوة لمجلس النواب للاتفاق مع الحكومة على إيجاد آلية جديدة للتواصل فيما بينهما وإلغاء المساءلة والاستجواب -الأخيرة لم يسبق للبرلمان الحالي استخدامها- فإن نواب اعتبروه بحد ذاته إنجازات للحكومة فيما آخرون انهالوا عليه بسيل من الانتقادات لانتفاء الدقة عنه وتناقضه مع الواقع. وقبل أن يخوض التقرير في تناول معطيات الأداء الحكومي بدأ بالتطرق لما اعتبره خطرا ماحقا يهدد كيان الدولة والذي وصفه بتعاون الشر والشيطان لمحاولة المساس بالثوابت الوطنية ومنجز الوحدة، ثم انطلق لسرد مبررات إخفاقات الحكومة والتحديات والمستجدات الطارئة التي قال إنها كانت قدر الحكومة خلال العام 2008م، مشيرا إلى أنه وبالرغم من ذلك فقد حققت الحكومة نجاحات عديدة لا تحتاج للإشادة. هذا النجاح الذي ادعاه التقرير ولا أثر له على الواقع قالت الحكومة إن هناك جملة من الحقائق التي كانت نتاجا له وفي مقدمتها، حجم الدعم الكبير لرئيس الجمهورية الذي حظيت به الحكومة منذ تشكيلها بالتشخيص المسبق للقضايا وتحديد أولوياتها. وأكد التقرير وجود عدد من المؤشرات الإيجابية المحققة في عام 2008م "ما يجعلنا أكثر إيمانا بوجود تقدم في التنمية وتحسن ملحوظ في تخفيض معدلات الفقر" وعلى ما يبدو فإن معدي التقرير شعروا بمبالغتهم في القول إن هناك انخفاضاً في معدل الفقر على خلاف المواقع وتصريحات كبار رجال الدولة بينهم رئيس الجمهورية الذي وجه الحكومة قبل فترة بتوسعة حالة الضمان الاجتماعي لتشمل عشرة ملايين مواطن بمعنى أن نصف سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر - فعادوا وقالوا: "إلا أن تحقيق الارتقاء المستمر بالمستوى المعيشي للمواطن غير ممكن إلا بالاعتماد بشكل جوهري على النجاح في تنويع مصادر الدخل وتوسيع قاعدة الصادرات وتنمية الإيرادات غير النفطية وتشجيع القطاع الخاص، عن طريق تطوير بيئة ملائمة للاستثمار وبيئة أداء الأعمال ويشمل ذلك استكمال البنية التحتية المناسبة وضمان توفر القروض الميسرة وتطبيق سيادة القانون والإدارة الحكومية الفاعلة". وفي حين لا نجد ما يبشر بالتحول نحو تنمية الموارد غير الذاتية فإن التقرير زعم أن مؤشراتها إيجابية، خصوصا ما يتعلق ببيئة الاستثمار وتطبيق سيادة القانون والإدارة الحكومية الفاعلة. وقال التقرير إن العام 2008م شهد أداء مقبولا وذلك من خلال معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي البالغ 3.6% بالإضافة إلى معدلات النمو الجيدة للقطاعات غير النفطية التي تجاوزت توقعات الخطة الحكومية بنقطة مئوية واحدة وتحسن معدل نمو القطاع الزراعي وتراجع معدل البطالة في الاقتصاد إلى 15.7%. وذكر التقرير من ضمن ما أسماه نجاحات أداء الحكومة في العام 2008م تأمين السيطرة على عجز الموازنة في مستوى 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي مقابل عجز بمقدار 6.2% عام 2007م فضلا عن التجاوز في الأداء عن أهداف الخطة لعام 2008م في مستوى الإيرادات والمنح "حيث حقق الأداء في هذا الجانب نسبة 36.3% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 26.4% المحددة في أهداف الخطة لذات العام. تحقيق زيادة في القدرة الاستيعابية لتعهدات الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات المانحة، من المنح والقروض الخارجية التي بلغ مقدارها (5715) مليون دولار والعمل على تحقيق 4020 مليون دولار بنهاية عام 2008م وبنسبة 70% من إجمالي التعهدات هذا التأكيد يتناقض مع تصريحات البلدان المانحة التي كشفت عجز الحكومة وتخصيص أكثر من ثلث تبرعات مؤتمر لندن للمانحين ناهيك عن استخدامها. الفشل الوحيد الذي حمله التقرير هو تراجع معدلات الإنتاج السمكي الذي قال إن نموه خلال العام الفائت كان بمقدار سالب 13 بالمائة عن تقديرات الخطة، معيدا ذلك إلى الآثار المترتبة على البيئة البحرية جراء "فيضان تسونامي ونتائج جهد الصيد والاستنزاف للمصايد السمكية في الأعوام الماضية وارتفاع معدل الخطأ في إحصاء الإنتاج وعدم موثوقية البيانات نتيجة للتهرب من دفع عائدات الدولة المقدرة بنسبة 3% من قيمة الأسماك المباعة. وبالنسبة للقطاع السياحي الذي تلقى خلال العام المنصرم ضربات متلاحقة إثر تفاقم العمليات الإرهابية والاضطرابات الأمنية فقد قال التقرير إنه كان للإجراءات الحكومية المتخذة في هذا القطاع مساهمة إيجابية في جذب ما يقارب 405 آلاف سائح أجنبي خلال العام 2008م بزيادة 7% عن 2007م وزيادة العائدات الكلية للسياحة إلى 886 مليون دولار. النجاح الآخر الذي تزعم الحكومة تحقيقه في تحديث الإدارة هو نظام البصمة والصورة والذي كلف مئات ملايين الدولارات في حين لم يصل حتى الآن عدد المشمولين في هذا النظام سوى 59%، حيث لا زالت عدد من القطاعات وخاصة العسكرية ترفض تطبيقه. وخلص التقرير إلى أن إنجازها في قطاعات البنية التحتية كانت بنسبة 78% و72% في جانب تنمية الموارد البشرية و67.5% في جانب الإدارة الاقتصادية والقطاعات الإنتاجية الواعدة، و68% في جانبي التنمية الاجتماعية والإدارة العامة للدولةوالخدمات. وزعم تقرير الأداء أن الحكومة ساهمت في تنفيذ 64% من البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية الخاص بنفس الفترة 2007-2008م وبنسبة 31% من ذات البرنامج في فترته الكلية على عكس تصريحات سابقة للحكومة بتنفيذ أكثر من 80% من برنامج الرئيس الانتخابي. وكان التقرير شن هجوما على الحراك الجنوبي ووصفه "بتعاون الشر والشيطان الذين باعوا أنفسهم للشيطان ومستنقعات الخيانة والعمالة" مؤكدا أن الوقوف أمامهم "لا تعني مسئولا بعينه أو حزبا حاكما أو نظاماً بذاته" ولكنها تعني الجميع. وأوضح ذات التقرير أن الحكومة واجهت خلال العام 2008م قضايا ومستجدات طارئة أثقلت كاهلها وأثرت على تنفيذ خططها كاملة ومن ذلك: - الارتفاعات السعرية العالمية والآثار السريعة لتداعيات الأزمة المالية. - السلوكيات المثيرة لقضية معالجة أوضاع المتقاعدين والمنقطعين عن الخدمة العسكرية والأمنية وتوظيفها لأغراض النفوس المريضة والتي كانت شاغلا للحكومة عن تنفيذ أولويات مهامها التنموية. - حرب صعدة التي كلفت خزينة الدولة أكثر من 150 مليار ريال مساعي إيقافها وصلت إلى طرق مسدودة وعادت مجددا للاشتعال. - كارثة السيول التي تعرضت لها محافظتا حضرموت والمهرة. - ظاهرة القرصنة البحرية حيث بلغت تقديرات الأضرار والخسائر التي تكبدتها البلاد جراء هذه الظاهرة ما يقارب 350 مليون دولار. من جهة ثانية قوبل التقرير بانتقادات حادة من قبل بعض النواب. وتمنى رئيس كتلة الاشتراكي النائب عيدروس النقيب على رئيس الحكومة تقديم تحليل مسئول وتشخيص دقيق لما تشهده المحافظات الجنوبية من أحداث بدلا مما أسماه كيل التهم والشتائم والحديث عن "تعاون الشر والشيطان" في محاولة للمساس بالوحدة الوطنية، معتبرا الظلم والفساد والمكابرة والقتل في الشوارع هو التهديد الحقيقي للوحدة الوطنية. وتساءل النقيب "متى كانت جريمة رفع الشعارات الانفصالية يعاقب عليها بالإعدام" ردا على تهديد مجور باستخدام قانون العقوبات ضد من يرفع شعارات الانفصال والتي تصل في بعضها للإعدام- وأضاف النقيب قائلا: إن التنمية التي تتحدث عنها الحكومة معرقلة منذ 94م وأن الاستثمارات تهرب من عدن بسبب النهب والفساد وليس بسبب المظاهرات كما قال رئيس الوزراء". كما انتقد النائب محمد القباطي تقرير الحكومة بوصفه "ذات الخطاب المعروض تكرارا على شاشة التلفزيون" مشيرا إلى تناقضه مع ما يرد في التقارير الدولية من أن اليمن اكثر البلدان العربية فقرا، متسائلا من أين جاءت هذه الإنجازات التي تدعيها الحكومة. في الوقت الذي أقرت فيه تخفيض الموازنة إلى 50%. وفيما يخص البرنامج الانتخابي للرئيس أظهر القباطي تناقض الحكومة في حديثها عن مستوى تحقيق إنجاز فيه نسبته 31% فيما كانت ذكرت في وقت سابق أنه تم تنفيذ 82% منه. من جانبه انتقد النائب الإصلاحي عبدالرحمن بافضل حديث الحكومة عن السياحة في ظل تصاعد الاختلالات الأمنية وأعمال الاختطاف التي يتعرض لها السياح الأجانب. وخلافا لسابقيه دعا النائب الإصلاحي عبدالله العديني زملاءه إلى "ارتداء النظارة البيضاء قليلا والنظر إلى الإيجابيات الواردة في تقرير الحكومة" مشيرا إلى أن هناك تحديات بإمكان الحكومة التغلب عليها كالفساد وترشيد الإنفاق وتحقيق الأمن وإصلاح المؤسسات وتنمية الإيرادات. أما رئيس كتلة المؤتمر البرلمانية سلطان البركاني فقد شكر الحكومة على ما اعتبره إضافة وسيلة رقابية جديدة للبرلمان والمتمثلة بتقرير الأداء الحكومي، داعيا في هذا الإطار لجان المجلس إلى الاستفادة مما ورد في التقرير بدلا من "الحديث داخل القاعة وتحويلها إلى ما يشبه سوق عكاظ لمجرد الاستعراض والظهور على شاشة التلفاز".