لقد بات اليمن يتصدر أخبار القنوات الفضائية والصحافة الخارجية ليس كنتيجة لنهضة تنموية أو حدث ديمقراطي معين يمكن أن يحسب له ، لكن ذلك ينطلق من كونه مركزاً لقيادة القاعدة في جزيرة العرب . خلال الثلاثة الأيام الأولى من الأسبوع الجاري ظلت أخبار الكشف عن طردين مفخخين قادمين من اليمن والذين تم ضبطهما في بريطانياودبي خلال شحنهما إلى الولاياتالمتحدة الجمعة الفائتة ، متصدرة لوسائل الإعلام العالمية. وبالنظر إلى الطريقة التي تم بها إخراج هذا الموضوع وأطرافه الأساسية يتبين أن حبكته أعدت بطريقة سطحية كما انها تثير العديد من التساؤلات حول مغزاها والظروف المحيطة بها. في البداية كانت السعودية مصدراً للمعلومة المهداة لأمريكا، فيما اليمن لم يعرف بالأمر إلا عبر وسائل الإعلام وهو ما بدا واضحاً من خلال الارتباك والتناقض الذي صاحب تصريحات المسئولين الرسميين. وذهب محللون للقول بأن قيام الأجهزة الأمنية في المملكة العربية السعودية بإبلاغ الأجهزة الأمنية الأمريكية في قضية الطرود المفخخة دون ابلاغ السلطات الأمنية قد ساهم في عملية تأليب واسعة ضد اليمن ، معتبرين أسلوب الإدارة الأمنية السعودية هو تهيئة وتحريض المجتمع الدولي ضد السلطة اليمنية ليتسنى لهم الحصول على تفويض دولي بإدارة اليمن عن طريق ما يسمى بمجموعة أصدقاء اليمن.فضلاً عن سعي السعودية لتأكيد استمراريتها في محاربة القاعدة حتى في غير اراضيها واظهار قوة معلوماتها الاستخباراتية. لكن لرئيس مركز أبعاد للدراسات رأي آخر، حيث يشير إلى تنصل السعودية عن اتفاقياتها الأمنية مع اليمن وأن الإعلان الأمريكي المفاجئ عن التعاون السعودي في وقت تنفي السلطات اليمنية بعض المعلومات المتعلقة بعدم وصول طائرات شحن أمريكية يدلل على عدم وجود تنسيق أمني بين اليمن والسعودية ، وقال " ذلك كان واضحا في حادثة اعتقال صالح الريمي القادم من السعودية منتصف أكتوبر الجاري و الذي تتهمه السلطات اليمنية بتمويل تنظيم القاعدة، فيما قالت الداخلية السعودية إنها لم تتلق أي معلومات من اليمن تفيد بأن الريمي له أنشطة مع تنظيم القاعدة". وبالنسبة لأمريكا فالعملية كشفت قبل موعد اجراء الانتخابات فيها بثلاثة أيام عمل معها صقور النظام على اختراع "سيناريو "جديد يدور حول طرود بريدية يشك في احتوائها متفجرات في المطارات الامريكية ما اثار الرعب في أمريكا. ومٌخرج هذا السيناريو الرئيس الأميركي باراك أوباما،الذي يأتي من وحي "القلق" من فقدان أصوات ناخبين مؤيدين ل"إسرائيل" في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في الثاني من نوفمبر-أمس الثلاثاء- التي كان يتوقع أن يمنى فيها حزبه "الديمقراطي "بخسارة كبيرة.والحل عند اوباما استمالة الأصوات اليهودية فخرج الرئيس الامريكي الى العالم ليقول إن الفحص المبدئي للطردين اللذين اكتشفا في دبيوبريطانيا اظهر "أنهما يحتويان بوضوح على مادة ناسفة". وأنهما كانا موجهين إلى "مؤسسات يهودية" ويشكلان "تهديدا إرهابيا حقيقيا". والهدف الآخر للسيناريو الجديد "تعظيم الخطر "القادم من اليمن و"قاعدته "لان المسئولين الأمريكيين يسعون خلال يوم واحد الى استغلال الأزمة الأمنية والتي يعتقد الكثير من الخبراء انها اكبر وسيلة يمكن ان تترك اثرها على الناس في امريكا ونسب هذه القضية إلى تنظيم القاعدة في اليمن ،واستقدام القوات الامريكية إليه للتهيئة لحرب جديدة في المنطقة ،او لتكرار "نسخة" وزيراستان الباكستانية في اليمن بحيث تقوم الطائرات الامريكية وبكامل الحرية في قصف من تراه يهدد "الامن القومي الامريكي" . وفي هذا السياق شككت المنظمات المناهضة للحرب في الولاياتالمتحدة في نوايا ادارة اوباما من اثارة موجة الطرود المفخخة وتكثيف الحديث عن تنظيم القاعدة، محذرة من تدخل مباشر في اليمن قد يفضي إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. ويتزامن هذا التصعيد مع تراجع شعبية اوباما وقبل أيام من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. وقد أبلغت واشنطنصنعاء استعدادها للمساعدة في القتال في اليمن، وذلك بعد العثور على الطردين المشبوهين المرسلين إلى الولاياتالمتحدة من اليمن. التصريحات والأفعال الموجهة ضد اليمن توالت وبدا وكأن هناك محاولة لحشر الحكومة اليمنية في زاوية ضيقة وتحميلها المسئولية حول نشاطات القاعدة ، حيث أُعلن وقف الرحلات البريطانية من والى اليمن وأوقفت فرنسا رحلاتها التجارية لليمن، وصعد الرئيس اوباما من خطابه السياسي، حيث أعلن أن اليمن هو الخطر الأبرز والتحدي الأمني الأكبر الذي يواجه أمريكا، متعهداً بخوض حرب شرسة للقضاء على تنظيم القاعدة في اليمن ، وهو ما فهم على انه تصريح بتنفيذ ضربات جوية وصاروخية أمريكية ضد أهداف للقاعدة في اليمن. وقالت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية جانيت نابوليتانو إن الطردين المفخخين اللذين أرسلا من اليمن وكانا متجهين إلى الولاياتالمتحدة، يحملان بصمات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب " وأضافت أن التحقيق جار، مؤكدة استمرار العمل على الوصول إلى المصدر والتأكد من حل هذه المشكلة، لأنه يوجد ما وصفته بعدو يواصل اختبار النظام الأمني لبلادها ويحاول تنفيذ مؤامرة. وفي ذات السياق ذكر البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي باراك أوباما حادث العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون هاتفيا بشأن "مؤامرة الطرود الناسفة". وأضاف أن أوباما شكر الملك عبد الله على "الدور الحيوي" للسلطات السعودية في إحباط مؤامرة الطرود الناسفة. وكانت الصحافة الأمريكية قد أشادت بدور الاستخبارات السعودية في التنبيه للمخطط وتقديم الرقمين المتسلسلين للطردين ما ساعد في سرعة رصدهما في دبيوبريطانيا. -تحدثت مصادر سعودية ان المعلومات التي حصلت عليها المملكة حول الطرود المفخخة حصلت عليها من احد عناصر القاعدة السعوديين في اليمن الذين سلموا أنفسهم للمملكة مؤخرا ويدعى جابر الفيفي. هذا الشكر أثار كثيراً من التساؤلات عن مدى القدرات الأمنية للمملكة في اختراق قاعدة شبه الجزيرة والذي يصفه الغرب بأنه أخطر فرع لتنظيم القاعدة حالياً. كما أنه عد ضوءاً أخضر من أمريكا للسعودية بوضع اليد على ملف اليمن . و كانت السلطات الرسمية نفت الخبر من كون عدم إقلاع أي طائرة من اليمن تابعة لشركة الشحن المذكورة ، ليخرج فيما بعد رئيس الجمهورية عبر مؤتمر صحفي مؤكداً الواقعة . وقال الرئيس إنه تلقى اتصالاً من مساعد الرئيس الأمريكي لشئون مكافحة الإرهاب مساء الجمعة الماضية تضمن معلومات بشأن الطردين الذين تم ضبطهما وكانا قد نقلا على متن طائرة قطرية من صنعاء عبر الدوحة إلى دبي . واضاف: "ما كان عندنا أي معلومات وأخبرني عن وجود طردين تم القبض عليهما في المملكة المتحدة البريطانية وفي دبي وتصريحات آخرى تقول إنه تم إلقاء القبض على الطردين في الولاياتالمتحدةالأمريكية حسب ما جاء على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما " . موضحاً أن أجهزة الأمن باشرت في اتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة وبدأت باتصالاتها مع مكتب وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA في السفارة الأمريكيةبصنعاء وقال : " لم يكن لديهم معلومات جاءت المعلومات من واشنطن ثم بعد ذلك جاءت رسالة إلى الأمن القومي أن هناك بنت هي التي قامت بإرسال الطردين من وكالتي الشحن ". وفي ضوء المعلومات التي تلقتها اليمن قال الرئيس : " إنه اتفق مع رئيس الوزراء البريطاني أن يرسل فريقاً أمنياً إلى اليمن لبحث أوجه التعاون مع الأجهزة الأمنية اليمنية ". وتعمد الرئيس في حديثه الإشارة إلى وجود تعاون أمني قائم بين اليمن وكل من المملكة المتحدةودبيوالولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية وذلك في إظهار غير مباشر لضيقه من تعامل السعودية في هذا الموضوع، كونها هي من قامت بتزويد أمريكاوبريطانيا بالمعلومات الاستخباراتية وأرقام الطردين ولم يتم إبلاغ الحكومة اليمنية بتلك المعلومات قائلاً: "عندما سألنا البريطانيين والأمريكان، من أين جاءتكم هذه المعلومات، قالوا جاءت لنا هذه المعلومات من المملكة العربية السعودية".. هذا الموقف السعودي في إخفاء المعلومات عن اليمن بدا مناقضا ومغايرا لما يتم التأكيد عليه بخصوص وجود تنسيق أمني بين البلدين في مجال الحرب على الإرهاب وتنظيم القاعدة المشكل من عناصر تنتمي للبلدين. وجدد رئيس الجمهورية التأكيد على التزام اليمن بمحاربة الإرهاب وقال : " لن تتراجع الجمهورية اليمنية عن مكافحة الإرهاب ، وقدمت خلال الأسابيع الأربعة الماضية أكثر من سبعين شهيداً من قوات الأمن والقوات المسلحة، الذين هاجمهم تنظيم القاعدة وهم في نقاط أداء الواجب ". وأضاف: "نحن نعترف أن هناك قاعدة وإرهاب في اليمن ونحن ندفع الثمن ، دفعنا الثمن في مجال الاستثمار والسياحة وغيرهما ولذلك اليمن مصممة مع شركائها في الأسرة الدولية على مكافحة الإرهاب، سواءً تعاونوا معها بمعلومات أم لا " مؤكداً رفض اليمن تدخلا خارجياً أياً كان في شئونها الداخلية . وفي العاصمة صنعاء كان هناك ارتباك واضح المعالم ظهر جليا في تأخر ردة الفعل وعدم وجود معلومة واضحة لدى صانع القرار السياسي ، والذي بدأ بنفي تام لكل ما ذكر واستغراب من الزج باسم اليمن في هذه الحادثة، لكن وبعد تراجع اثر الصدمة قليلا لجأت الأجهزة الأمنية إلى اتخاذ عدة إجراءات في محاولة للحصول على أية معلومات في هذه القضية، فتمت مداهمة مقرات شركتي الشحن الامريكيتين في صنعاء والتحقيق مع موظفي الشركتين واعتقال بعضهما. كما كثفت السلطات الأمنية من انتشارها في الشوارع وقامت قوة أمنية خاصة برفقة شرطة نسائية باقتحام أحد المنازل في منطقة مذبح بالعاصمة مساء السبت الفائت واعتقلت فتاة ووالدتها بعد تفتيش المنزل، وأشارت المصادر إلى ان قوات الأمن أغلقت المنطقة بالكامل قبل عملية الاقتحام وذلك إثر الاشتباه بأن الفتاة (حنان السماوي)التي تدرس الهندسة في جامعة صنعاء وراء الطرود المفخخة. غير أنه وبعد 24 ساعة اعلن الافراج عنها بضمانة حضورية بعدما تبين أنه تم استخدام اسمها من قبل فتاة مشبوهة أخرى. من جهتها استنكرت صحيفة "نيويورك تايمز" على صدر صفحتها الرئيسية محاولة تنظيم القاعدة في اليمن إرسال متفجرات على متن طائرتى شحن في دبى وإنجلترا كانا متجهتين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، بهدف تفجير معبد يهودى في شيكاغو ، في حين لم يصدر عن القاعدة حتى الآن ما يؤكد أو ينفي تبنيها للعملية. وقالت إن معظم الأمريكيين لم يكونوا قد سمعوا عن اليمن، هذه الدولة الصغيرة التي تقع في الركن الجنوبى من شبه الجزيرة العربية، قبل بعض الوقت، ولكنها أصبحت أولوية عظمى لهم بعدما أصبحت قاعدة جديدة لشن هجمات إرهابية على الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقالت الصحيفة الأمريكية، إن اليمن استحوذ على اهتمام العالم أجمع هذه المرة، إذ تمكنت القاعدة من خلاله شن محاولة ثانية في أقل من عام ضد الولاياتالمتحدة، ففى ديسمبر 25 من العام الماضي، حاول نيجيرى تلقى تدريبا في اليمن تفجير قنبلة على متن طائرة تجارية فى طريقها إلى ديترويت، وأعلنت القاعدة مسئوليتها عن المحاولة الفاشلة. ورأت "نيويورك تايمز" أن تهديد اليمن بات أكثر خطورة ولا يمكن إغفاله أكثر من ذلك، خاصة مع مساعدة المواطنين الأمريكيين، من أصول إسلامية، لفرع القاعدة في اليمن. أما " صحيفة "الجارديان" البريطانية فقد رأت أن اكتشاف الطرود على متن طائرات بمنطقة الشرق الأوسط والمملكة المتحدة يمثل تغيرا واضحا في تكتيكات تنظيم القاعدة والتي كان هدفها المعابد اليهودية في شيكاغو . كما أوضحت الصحيفة أن هذه العمليات أثارت انتباه دول القارات الثلاث إزاء تحرك عناصر الإرهاب الدولي بعد إبلاغ المخابرات البريطانية الولاياتالمتحدة بالواقعة. وكانت الحكومة البريطانية علقت الرحلات الجوية المباشرة بين اليمنوبريطانيا منذ يناير الماضي بعد محاولة شاب نيجيري تنفيذ اعتداء في نيويورك يوم عيد الميلاد. واثار اكتشاف الطردين على طائرتي شحن في طريقهما الى الولاياتالمتحدة استنفارا امنيا على المستوى الدولي. وتم تفتيش طائرات اخرى في مطارات اميركية بعد الاشتباه بوجود مواد قادمة من اليمن فيها. وأعلن وزير الداخلية الالماني توماس دي مايزيير أن برلين تمنع -اعتباراً من الأحد الماضي- إدخال الطرود المرسلة من اليمن إلى الأراضي الألمانية، وذلك بعد اكتشاف طردين مفخخين كانا موجهين إلى الولاياتالمتحدة انطلاقاً من الأراضي اليمنية. ومن جهتها أعلنت وزارة النقل الألمانية في بيان أن "الإدارة الألمانية للطيران أمرت كل شركات الطيران وشركات البريد السريع ومجموعات أخرى بالمراقبة الكاملة حتى إشعار آخر للطرود الموجودة والمودعة المرسلة من اليمن". وأضاف البيان أن هذه المراقبة تسري بشكل خاص على الطرود التي تتوقف في ألمانيا للعبور إلى وجهات أخرى كما على الطرود التي تكمل طريقها براً أو عبر سكك الحديد. وكانت الشركتان الأمريكيتان للبريد السريع "يو بي إس" و"فيديكس" أعلنتا الجمعة أنهما علقتا شحن البريد المرسل من اليمن. وأعلنت الإدارة العامة للطيران المدني في فرنسا السبت تعليق خدمات الشحن الجوي انطلاقاً من اليمن، في حين طالبت بلجيكا ب"مزيد من اليقظة" للرحلات من اليمن وإليها، ولتلك المتجهة إلى الولاياتالمتحدة.