حرائق تشعل أسدود المحتلة.. وضربات نوعية للمقاومة في غزة والضفة    محمد الحوثي يعزّي في وفاة العلامة محمد بن حسن الحوثي    سقطرى    مسير مسلح لقوات التعبئة بمديرية الصافية في أمانة العاصمة    اختتام فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة    البحرية البريطانية تحذر الاقتراب من موانئ اليمن    الكابتن عبدالله مكيش في ذمة الله ..    ملخص مباراة برشلونة ضد ريال مدريد بالدوري الاسباني    عندما يصبح النور مطلباً للنضال    البرنامج الوطني لمكافحة التدخين يدشن حملة توعوية في عدن تحت شعار "فضح زيف المغريات"    هدية بمليارات $.. قطر ستهدي ترامب طائرة رئاسية فاخرة    وزير الخارجية الإيراني يشيد بنتائج الجولة الرابعة من المفاوضات مع واشنطن    القنصلية اليمنية تصدر تعليمات هامة للطلاب والمسافرين الى الهند    وزير الشباب يلتقي إدارة نادي شباب الأحمدي الرياضي برداع    اجتماع برئاسة وزير الثقافة يناقش عمل لجنة الرقابة على المنشآت السياحية    وزير النقل: الصعوبات والمعوقات التي يواجهها ميناء الحديدة سيتم تجاوزها    بسبب استمرار الحرب على غزة .. القاهرة ترفض تعيين سفير إسرائيلي جديد    جدلا واسعا ومطالبات بتحرك دبلوماسي عقب اعتقال فتاتين يمنيتين في القاهرة    شركات أمنية رافقت نساء المنظمات والشرعية يوم أمس    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الأحد 11 مايو/آيار 2025    عن خروج حرائر النساء للشارع.    زيارة ترامب للمنطقة ومحطتها الاولى الرياض والملفات الشائكة    توقف مفاوضات النصر السعودي مع كريستيانو رونالدو    وفاة شخص وإصابة آخر إثر انقلاب مركبة وسقوطها في عرض البحر بمدينة المكلا    الريال السعودي في الجنوب عمالة وفي اليمن وطنية    انتشار فيديوهات مفبركة بالذكاء الاصطناعي ل"كوكب الشرق"    دراسة: المصريون القدماء استخدموا "تقنية بركانية" وآلات قديمة عالية التقنية لبناء الأهرامات    نقابة الصحفيين تعلن رفضها محاكمة المليشيا للزميل المياحي وتطالب بإطلاق سراحه    نجل الخائن العليمي يحصل على القطاع اس -5 بشبوة    رسالة مفتوحة إلى وزير الخارجية    تسجيل 17,823 إصابة بالملاريا والأمراض الفيروسية في الحديدة منذ بداية 2025    ثورة النسوان.. تظاهرة لم تشهدها عدن منذ رحيل بريطانيا    بايرن ميونخ يتوج بطلاً للدوري الألماني اثر تغلبه على بوروسيا مونشنجلادباخ    الملك سلمان يرعى نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين    بايرن ميونيخ يحتفل بلقب الدوري للمرة ال 34 ويودع نجمه المخضرم توماس مولر    الموسم المقبل.. 6 أندية إنجليزية في دوري الأبطال    رسالة الحرائر إلى رأس الافعى الذي منع توريد وقود الكهرباء    "صوت النساء يعلو".. احتجاج نسوي واسع يطالب بإنهاء التدهور الخدمي والمعيشي في عدن    مايهزك نبيح ياعدن    مرحلة عصيبة ومعقدة تمر بها عدن    وثيقة عقوبات قبلية تثير استياء واسع في اوساط المثقفين اليمنيين    الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما "طريق إجباري" نموذجًا    المقالح يبدي خشيته من استغلال اتفاق مسقط لتعزيز الكيان الانفصالي    العدالة للداخل قبل الخارج..!    - كيف ينظر وزير الشباب والرياضة في صنعاء لمن يعامل الاخرين بسمعه اهله الغير سوية    يعاقبون لأنهم لم يطابقوا القالب    أميركا والصين تختتمان جولة أولى من المحادثات في جنيف        إصلاح ريمة ينعى الفقيد الوليدي ويثمن أدواره في نشر القيم الدينية والوطنية    تأمين السكن يهدد ربع مليون نازح بمأرب    الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر المنتخب الوطني الداخلي في المكلا    كفى عبثا كفى إذلالا.. أهذه شراكة أم استعمارٌ مقنّع؟    دراسة : عدد ساعات النوم الصحية يختلف باختلاف البلد والثقافة    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    أول النصر صرخة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة التسامح في اليمن.. تقرير عام 2008م
نشر في الوسط يوم 28 - 10 - 2009

الحلقة الأخيرة هذا العمل يأتي في سياق دراسة حالة التسامح في عدد من البلاد الغربية التي عانت وتعاني من الصراعات السياسية والحروب وضمن تقرير اقليمي خاص بهذه البلدان ، ويعد اول عمل على الصعيد العربي يناقش التسامح من منظور الديمقراطية وحقوق الانسان. * أعده أ.قادري احمد حيدر - د.محمد المخلافي خطاب التصالح الجنوبي: لم ينبثق خطاب الدعوة للتصالح والتسامح، في المحافظات الجنوبية نتيجة التجمعات السلمية الجماهيرية، أو الحوار السياسي الاجتماعي الجنوبي، فالدعوة إلى خطاب التسامح والتصالح سبقت التجمعات السلمية، والحراك السياسي في الجنوب، بحوالي سنة، فقد نشأت الدعوة للتسامح والتصالح من قلب مجلس أو منتدى جمعية أبناء ردفان في العام 2006. وبدأت تعلن عن نفسها كدعوة سياسية اجتماعية وطنية جنوبية لتجاوز حالات الصراعات السياسية, ودورات العنف، والحروب التي تشهدها الجنوب منذ قبيل الاستقلال الوطني (الحرب الأهلية المسلحة بين الجبهة القومية، وجبهة التحرير)، حتى تحقيق الاستقلال, وقيام دولة الاستقلال، وما بعده من أحداث وتطورات. وبعد حوالي سنة من ذلك الإعلان والدعوة للتسامح والتصالح جوبه بالقمع والحصار، وبلغ حد إغلاق مبنى جمعية أبناء ردفان واعتقال بعض قياداته، وكانت التجمعات السلمية الجماهيرية المحدودة قد أصبحت من الاتساع والحضور والتواجد في معظم محافظات ومديريات ومناطق الجنوب كله, تكرس معه يوم 13 يناير - نسبة إلى ذكرى حرب أو كارثة13 يناير 1986- يوما للتسامح والتصالح الجنوبي لتجاوز دورات العنف التي جرت في الجنوب قبيل الاستقلال وبعده، وهي الآن دعوة للتسامح والتصالح الجنوبي، دعوة وطنية جنوبية، نشأت كرد فعل سياسي لحالة الظلم والقهر، والإقصاء والتهميش، التي طالت كل الجنوب بعد حرب 1994، وتلعب حالة أو مظاهر العنف غير المبررة، وغير الضرورية التي تواجه به السلطة التجمعات السلمية الجماهيرية، دورا في تأجيج ثقافة الكراهية، والحقد، والتعصب واللاّتسامح ضد السلطة وأبناء الشمال عامة. بعض ملامح وتعبيرات الخطاب السياسي الجنوبي، أنه يخلط بين السلطة القائمة في صنعاء، وبين أبناء الشمال جميعاً، ووضعهم كمواطنين تحت طائلة المسؤولية عن ما جرى للجنوب وأبنائه. ومن هنا، فإن الخطاب السياسي لبعض قوى التجمعات السلمية الجنوبية, أو ما يسمى بالحراك الجنوبي, إنما جاء كرد فعل سياسي، وحالة انفعالية وطنية جنوبية، زائدة عن الحاجة، وتتجاوز سقف الرؤية الوطنية اليمنية الشاملة، والمشروع السياسي الوطني اليمني الديمقراطي التعددي المنشود. إن الدعوة للتسامح والتصالح الجنوبية لم تقف خلفها رؤية معرفية، ثقافية، تؤسس لمعنى التسامح بمعاييره القانونية الدولية, ولذلك هي ردة فعل سياسي مباشر على الحرب ونتائجها، ومن هنا اتسم خطاب بعضها بالطابع السياسي الجهوي، كما أنها في السياق الذي ترد فيه تأتي أخذة معنى التنازل تجاه الأنا، كجنوبيين وليس بمعنى التسامح كرؤية قانونية وإنسانية تجاه الآخر الوطني, شمالاً, جنوباً, ولذلك اسبابه ومبرراته السياسية المباشرة. إن معاناة الناس اليومية ولما يقارب الخمسة عشر سنة، هو السبب لابتعادهم عن ثقافة التسامح في افقها الوطني والإنساني الشامل، وهي السبب في تفسير حدة خطاب البعض تجاه الشمال وخلطهم التلقائي والعفوي بين السلطة القائمة في صنعاء، وبين أبناء الشمال جميعاً وهو قطعاً خطاب خطير على مستقبل ثقافة التسامح، بل وعلى مستقبل الجميع. إذاً الدعوة إلى التسامح الجنوبي ليست إقراراً بحق الآخر، كما انها ليست دعوة نابعة من جذر ثقافة التسامح العميقة كرؤية إنسانية شاملة لمعنى التسامح, بل دعوة إلى عصبية جهوية وكأننا أمام حالة تسامح جزئية محدودة مع بعض الأنا, وليس مع الآخر، كل الآخر الوطني, إنها دعوة إلى عصبية عرقية جغرافية , قبلية, هي في السياق المفهومي التاريخي, ليست أكثر من ردة فعل على شعور التفوق والتميز لدى القائمين على السلطة بفعل غلبة القوة، وعبرت عن نفسها بردة فعل إدعاء تميز مقابل وتفوق من نوع آخر, وهو ما يعكسه ويعبر عنه الخطاب السياسي الصادر عن بعض اتجاهات قوى الحراك السياسي الجنوبي, والذي بدأ يتعاظم ويكبر في تعبيره عن نفسه في هذا الاتجاه. * الفصل الخامس التسامح الاجتماعي: غياب الدولة، أو ضعفها، وعدم إنفاذ سلطة القانون، هو سبب أساسي لظاهرة الانفلات الأمني، وعدم الاستقرار الاجتماعي الذي تعيشه أي بلد، وهو كذلك مدخل لشعور قطاع واسع من المجتمع بعدم المواطنة، ومثل هذا الوضع عامل مساعد في إنتاج ظاهرة عدم التسامح الاجتماعي، وصعود ظاهرة العودة غير المحمودة للاحتماء بالولاءات والانتماءات التقليدية، والهويات ما قبل الوطنية، والتي يتحدد ابرز مظاهرها في انعدام تكافؤ الفرص، وغياب التوزيع العادل للثروة الاجتماعية، واخطر تجليات ذلك على المستوى الاجتماعي والسياسي, غياب حالة المواطنة, وليس التعصب ضد الأقليات: الهاشمية/ الزيدية/ الإسماعيلية، وما تبقى من اليهود الذين لا يتجاوزون المئات، والموقف ضد المرأة، سوى تجليات واقعة لانتعاش ثقافة اللاًتسامح الاجتماعي، الذي نعيشه. هناك اليوم قطاع من المثقفين والسياسيين (قوميين، ويساريين) يعودون القهقرى للبحث عن أصولهم الانثروبولوجية، والجغرافية، والاثنينة، (العرقية/ السلالية)، والقبلية، يحاولون بدأب العودة إلى التاريخ البعيد, بل ولما قبل التاريخ ليؤصلوا لمشجر أنسابهم من جديد على دفتر صفحات هويات بطاقاتهم الشخصية بأثر رجعي، وهي قمة التعبير عن شيوع ثقافة عدم التسامح الاجتماعي، والوطني، حنين لقيم ماضوية، لشعورهم من أن هناك خطراً قادماً، أو عدم تفاؤل بالمستقبل. وحين يجد الناس أنفسهم في واقع الممارسة أن لا حضور لهيئة الدولة، ولا معنى لسلطة القانون وإنفاذه، وأن القوة فوق الحق، وحكم الأعراف والتقاليد، فوق أحكام القانون، وسلطة القضاء، فإنه لا مفر من سيادة وهيمنة ثقافة أخذ الحق والقانون باليد، وبالقوة المادية البحتة، وهو ما يجري اليوم في اليمن. وفي ذلك تعبير عميق عن تراجع المشروع الوطني اليمني الكبير، وغلبة المشاريع السياسية الصغيرة الأسرية والعشائرية, والقبلية, والمناطقية, والجهوية ويصبح معه الولاء، والانتماء للوطن، تاليا أو تابعاً، للولاء والانتماء للهويات الصغيرة ما قبل الوطنية (العائلة،القبيلة، المنطقة، المذهب، الطائفة، الجهة), وهو ما يفسر موضوعيا وسياسياً, عودة المشاريع السياسية الصغيرة من جديد تعبيراً عن أزمة بنيوية سياسية ووطنية شاملة أزمة هوية وطنية . ان الثقافة الاجتماعية السائدة اليوم، هي ثقافة شقاقية، انقسامية، تمييزية، لا تقر بالتعدد، والتنوع الاجتماعي، وتعلن كل منها عن نفسها الأرقى، والأعلى، ولا مكان في إطارها، لتكافؤ الفرص، أو القبول بالآخر الاجتماعي، وللدولة دور مركب في إنتاج هذه الثقافة، خاصة بعد أن تخلت عن دورها الاجتماعي، في الصحة، التعليم، والخدمات الاجتماعية الأساسية، وفي تكريس حالة من انعدام تكافؤ الفرص، وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتراجع دور الطبقة الوسطى التعليمي، والتنويري، ودورها التاريخي في التخفيف من هذه التناقضات الاجتماعية والطبقية، وعنف الصراع في المجتمع، وصار المشروع السياسي للقائمين على السلطة مشروعاً عائلياً لتوارث السلطة والاستحواذ على الثروة وإقصاء كل من يعارض هذه المشاريع الصغيرة - الآتية من صحن السلطة, أو من قاع المعارضة - وكل القوى التي تتبنى مشروعاً وطنياً للتحديث والتغيير والتقدم والتنمية، وتهميش الغالبية العظمى في المجتمع من فقراء ومرآة. إن موقف عدم التسامح مع المرأة في اليمن يمكن مشاهدته بوضوح في صورة واقع المرأة في المحافظات الجنوبية والشرقية، وخاصة في مدينة عدن، رمز الحداثة والتنوير ليس في اليمن ومنطقة الخليج فحسب، بل وفي كل المنطقة العربية، حيث أصبح إمكانية رؤية المرأة بالحجاب الشرعي العادي، غطاء الوجه، هو الحالة النادرة، في ظل هيمنة الحجاب أو الغطاء الإسلامي بنماذجه، السعودية/الخليجية، الذي يغطي جسم المرأة من الرأس حتى أخمص القدمين، حتى داخل حرم جامعة عدن. ويلاحظ بعض الباحثين حول التعليم في الجنوب، وفي عدن، أن الكثير من الأمهات متعلمات، وحاصلات على الشهادة الجامعية، أو الدبلوم، أو الثانوية العامة في أقل تقدير بينما بناتهن شبه متعلمات إن لم يكن أميات، وفي ذلك تفسير عميق لعملية الاستبعاد للمرأة، وعدم التسامح معها، ويشترك في إنتاج هذه الظاهرة ثلاثة أطراف: الأول: الجماعات الدينية الدعوية، والسلفية، والتكفيرية الجهادية، والتي توظف المسجد، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، والمدرسة، والمعسكرات الصيفية، وغيرها، لإنتاج خطاب لا تسامحي في الموقف من المرأة باعتبارها عورة، وناقصة عقل ودين، ومحرومة من الميراث، والثاني: هو خطاب الحكم - السلطة - الذي يسعى في الغالب لمجاراة خطاب الجماعات التكفيرية والمزايدة عليها، وهو في الأصل خطاب تكفيري لا يتناقض في الجوهر مع الخطاب الصادر عن الطرف الأول في الشيء الكثير، والثالث: ضعف حضور قوى المجتمع المدني، والأحزاب المعارضة، على هذا الصعيد، بل وتراجع خطاب بعضها نحو الخطاب الديني لمواجهة حملات تكفيرها من قبل الجماعات الإسلامية التكفيرية، والجهادية المسلحة، كشكل من أشكال حماية الذات، لقد وصل خطاب عدم التسامح مع المرأة إلى أقصى درجاته في وقائع ما يجري في المجتمع اليوم. بعض وقائع العنف ضد المرأة خلال عام 2008 تزويج الطفلة نجود محمد على الأهدل، من مواليد 1/6/1998م مدينة حجة، في شهر فبراير 2008م، وهي لا تعرف معنى الزواج، وحاولت المقاومة والهرب، واستنجدت بأهل زوجها الذين ضربوها، ثم طلبت مساعدة والديها، ورفضا المساعدة، ولجأت إلى خالتها, زوجة والدها، التي أخذتها إلى المحكمة، ويوم الأربعاء 2/4/2008م وصلت المحكمة واستمع القاضي لشكواها، وظلت ثلاثة أيام في منزل القاضي عبد الواحد البخيت، وبتاريخ 9/4/2008م التقت الطفلة بالمحامية شذى محمد ناصر بالصدفة، وقدمت لها العون القضائي، وأوصلت قضيتها إلى الإعلام والمنظمات المحلية والدولية، وبتاريخ 15/4/2008م حصلت نجود على الطلاق ( خلعت زوجها) مقابل خمسين ألف ريال، (250دولاراً) بحكم في دعوى رفعتها المحامية شذى، لتصبح نجود امرأة , وأول مطلقة تبلغ عامها العاشر، وقالت المحامية شذى إن على نجود أن تحتفل كل عام بهذا اليوم لأنه يعتبر عيد ميلادها(1). بدأت فنادق مدينة الحديدة تفرض قيوداً على استقبال المرأة دون محرم، بعد هجمات قامت بها جماعة إسلامية تعمل تحت شعار (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كما فرضت بعض شركات النقل على النساء الراغبات في السفر اصطحاب محرم لسفرهم من ولي الأمر. (13) حالة حمل بالقوة (2) وقائع عامة لحالة عدم التسامح الاجتماعي: مثلت حالة أهالي عزلة العنسيين بالجعاشن محافظة إب الذين هجروا من قراهم، واضطروا إلى النزوح إلى العاصمة، إحدى مظاهر العنف الاجتماعي لمراكز النفوذ المشائخي في عام 2008، بسبب ما تعرضوا له من اضطهاد (بأخذ أموالهم دون وجه حق، وشتم أعراضهم، والتزوير عليهم، وتهديدهم) (3) ، وأشارت العديد من التقارير الصحفية والحقوقية الميدانية أن من هجروا من قراهم وصل عددهم إلى أكثر من (450) أربع مائة وخمسين أسرة، نزحوا أولاً إلى محافظة إب، ومن ثم إلى العاصمة صنعاء، فارين من ظلم وإذلال الشيخ، الذي يمتلك جنوده الخاص به، وتابعين لأسرته، كما يمتلك سجناً خاصاً به، يوضع به من يعارضونه، من الفلاحين وحتى أساتذة المدارس، وهو فوق سلطة الدولة وأجهزتها، وهو من شركاء السلطة باستخدام القوة خارج القانون، إلى جانب النزوح الجماعي يضطر الأفراد إلى النزوح إلى العاصمة طلباً للأمن(4) لأنها في الأصل متعاونة معه، ويشكوا المواطنون في هذه القرى أجهزة الأمن لوقوفها في صف الشيخ، وتحولت قضية منطقة (الجعاشن) إلى قضية رأي عام في اليمن، بعد أن خرج مئات المواطنين المتضررين من الشيخ إلى العاصمة صنعاء، ووصلوا إلى أمام مقر مجلس النواب، وأقاموا مخيماتهم في صنعاء بمساعدة منظمات حقوقية، منها: منظمة صحفيات بلا قيود. ومنذ حرب 1994، تفشت مظاهر تخلي السلطة عن احتكار الدولة لاستخدام القوة إنفاذاً للقانون، وتفشي استخدام القوة في الحروب القبلية، والثأر، وكان أبرز حرب قبلية في عام 2008 هي الحرب التي
بدأت في 14 نوفمبر 2008 شمال محافظة عمران بين قبائل (صابرة) و(ذو محمد) ووصل عدد القتلى حتى 31/12/2008 إلى (58) قتيلاً و(50) جريحاً، ورصدت التقارير الأمنية الرسمية (556) واقعة قطع طريق قبلي، وبلغ إجمالي عدد المجني عليهم (573) شخصاً، منهم (17) قتلاً, ووفاة, و(45) حالة إصابة. (5) * الفصل السادس التسامح الاقتصادي: تنص المادة (7) من الدستور اليمني على أن يقوم الاقتصاد الوطني على أساس حرية النشاط الاقتصادي بما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع ويشمل ذلك العدل الاجتماعي في العلاقات الاقتصادية، والتنافس بين القطاع العام والخاص، والمختلط، وحماية واحترام الملكية الخاصة ما لم تتعارض مع المصلحة العامة. وبموجب المادة (24) تلتزم الدولة بكفالة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين اقتصاديا، وتكفل المادة (42) لكل مواطن حق الإسهام في الحياة الاقتصادية، ويكفل الدستور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة بالحق في العمل والتعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية طبقاً للمواد (32،29،28). مما سبق يتبين أن دستور الجمهورية اليمنية يتيح مساحة كبيرة من الحقوق الاقتصادية ويفسح فضاء واسعا للتسامح، غير أن الخصخصة بالطريقة التي جرت وما تزال تجري تعد واحدة من أسباب التفريط بالحقوق الاقتصادية للناس، ويجري الآن تخلي الدولة عن مسؤولياتها تجاه الحقوق الاقتصادية للفقراء مثل: رفع الدعم عن السلع الأساسية (الغذاء، والدواء، والقمح، والطاقة) وزيادة الضرائب ومن ذلك ضريبة المبيعات التي يتحمل أعبائها المواطن الفقير، إلى جانب تخلي الدولة عن دورها في الرعاية الاجتماعية، والضمان الاجتماعي والتعليم، والرعاية الصحية، والخدمات الأساسية، والبنية التحتية، والتوظيف، وجميعها سياسات تمثل تراجعاً عن الحقوق الاقتصادية للناس والتي ينص عليها دستور البلاد، وتراجع وتخل عن أهداف الثورتين اليمنيتين، سبتمبر، وأكتوبر. ما يجري اليوم على صعيد الممارسة الاقتصادية، يمثل خروجاً عن الدستور، ويمثل ممارسة تعكس حالة من عدم التسامح الاقتصادي مع الفقراء، إذ يعيش تحت خط الفقر ما لا يقل عن 50% من السكان ونسبة البطالة لا تقل عن 35% من القوى العاملة، واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، بصورة مخيفة بسبب انعدام العدالة والمساواة وعدم توجيه التنمية لصالح الفئات الأقل دخلاً والأكثر فقراً، إذ أن الخمس الافقر من السكان لا يحصلون إلاً على نسبة 1.6% من الدخل القومي، بينما يستأثر الخمس الأغنى من السكان على نسبة 67% من الدخل القومي. وبسبب تفشي الفساد الذي جعل تولي السلطة مصدراً للثروة يتم الجمع بين تولي السلطة والتجارة وتتجه سياسات الدولة التمييزية ضد الفقراء، بفاعلية لإفقار كل المجتمع، بما في ذلك الطبقة الوسطى ولصالح الأقلية الصغيرة المحتكرة للسلطة والثروة. بعض وقائع الاستيلاء على الملكية العامة والخاصة: منذ حرب 1994، وما بعدها تم الاستيلاء على الكثير من أراضي الدولة ومؤسساتها في الجنوب، خاصة أراضي الجمعيات التعاونية الزراعية والاقتصادية الإنتاجية، وأراضي المواطنين، وكشف تقرير المرصد اليمني لحقوق الإنسان ، عن بعض تلك الوقائع، وهي * إن ما تم الاستيلاء عليه من أراضي الدولة في محافظة لحج وحدها من خلال وقائع تقدمت بها نيابة الأموال العامة أمام أجهزة القضاء وهي وثيقة رسمية جداً مما طفى على السطح, وهي: *إجمالي المساحة المعتدى عليها بالفرات في محافظة لحج (322713،622) متراً مربعاً. * إجمالي الأراضي الزراعية تعادل (13،204،800) متر مربع، أراضي خاصة ببعض الوحدات الإنتاجية المستغلة في محافظتي لحج، وعدن، تم خلالها حرمان (800) مواطن كانوا أعضاء في الجمعيات ومن ملاك الجمعيات من الاستفادة منها. * أراضي تم صرفها لموظفين عام 1990م مستولى عليها في محافظة لحج: 1- الفيوش 550 فداناً 2- مخطط للرباط الشرقي 650 فداناً. 3- الرباط الغربي 7310 فداين. 4- مخطط الدواجن 150 فداناً. 5- مخطط الحسيني 160 فداناً. ونفس الحالة من الاستيلاء على أراضي الدولة والمملوكة للمواطنين في محافظات عدن وأبين وحضرموت، وتشير التقارير الرسمية (تقرير باصرة) إلى أن (هناك خمسة عشر نافذاً استولوا على مجموع أراضي دولة الجنوب) وأن هناك نافذاً يسيطر على ألفي فدان، فيما مواطن ينظر من النافذة ولا يمتلك قطعة أرض 15م*15م). (6) وإجمالاً، فان الحقوق الاقتصادية للمواطن عرضة للانتهاك الدائم من قبل النافذين في السلطة، وتلعب ظاهرة الجمع بين الاستحواذ على السلطة والثروة، دوراً أساسياً في الاستيلاء على الملكية العامة والخاصة وانتهاك الحقوق الاقتصادية للناس والإقصاء الاقتصادي للغالبية العظمى من السكان، بما في ذلك، إقصاء الطبقة الوسطى ووضعها على حافة الفقر. الخاتمة: مما سبق يتبين أن اليمن قد عرف حالة متقدمة من التسامح عند قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990، ولا يزال الدستور يحتفظ ببعض من قيم التسامح المتمثلة بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية والاعتراف بحقوق الآخر، بالإقرار بالتعددية وحرية الفكر والرأي والتعبير، وفي الممارسة لا يزال الواقع يحتفظ بأحد مظاهر التسامح السياسي المتمثل بتحالف أحزاب متعارضة أيديولوجياً: اشتراكية قومية إسلامية، المتمثلة ب (أحزاب اللقاء المشترك). غير أن استمرار نتائج وآثار حرب 1994، الأهلية والحروب التالية لها قد أوجد حالة قصوى من اللاًتسامح في مختلف المجالات: الديني،السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، الأمر الذي يجعل الكيان الوطني مهدداً بمخاطر المزيد من العنف والحروب، ويتطلب العمل من أجل إيجاد تدابير تشريعية ومؤسسية لإنهاء حالة اللاًتسامح التي مصدرها الأساس احتكار السلطة والثروة. ومن هذا المنطلق ولكي يتجنب اليمن مخاطر الانهيار الأمني يوصي التقرير بما يلي: 1 تحقيق مصالحة وطنية لا تستثني أحداً، لإزالة نتائج وآثار حرب 1994، والحروب اللاًحقة، واتخاذ التدابير التشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية لإزالة التمييز والتهميش والإقصاء والشعور بالغبن من أي نوع كان، وكفال حقوق المواطنة المتساوية وبما يحقق قيم التسامح ويزيل أسباب الكراهية والعنف. 2 إصلاح النظام السياسي دستورياً ومؤسسياً وبما يحقق الشراكة في السلطة والثروة لمختلف طبقات وفئات المجتمع أفقياً ورأسياً وجهوياً كأساس مادي للتمكين من ممارسة الحقوق والتسامح. 3 تشكيل هيئة وطنية مستقلة للمصالحة والإنصاف لجبر ضرر الأفراد وإنهاء حالة الكراهية السياسية أو الجهوية، وتوفير مناخات آمنة لممارسة حقوق الإنسان،ومنها الحق في الاختلاف والتعددية والتجمع السلمي وحرية الفكر والمعتقد والرأي والتعبير وإتخاذ كافة التدابير لإشاعة قيم وثقافة التسامح. 4 وضع إستراتيجية وطنية تشارك فيها مختلف القوى المناهضة للتعصب, والعنف, وعدم التسامح, الى جانب تشكيل لجنة سياسية وطنية عليا لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه، على قاعدة مشروع سياسي, ثقافي, تنموي, انتاجي شامل. ويشمل ذلك إدماج قيم التسامح في مناهج التعليم والمواد الثقافية والإعلامية والاعتذار عن فتاوى التكفير، وأن يشرك المجتمع في مكافحة الإرهاب من خلال نشر ثقافة التسامح عبر التكوين المجتمعي المباشر وغير المباشر، وفك الارتباط بين التنظيمات الإرهابية وعناصرها وأجهزة الدولة ومسؤوليها. 6 إيجاد تنمية موجهة لصالح الفئات والطبقات الأكثر فقراً والأقل دخلاً وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء. * الهوامش: 1- المصدر: مذكرة صادرة عن المحامية. - 2 التقرير السنوي وزارة الداخية لعام 2008م. - 3 صحيفة (الشارع) الصادرة بتاريخ 12/9/2007م العدد رقم (17). 4 مثال ماأوردته صحيفة (المصدر) الصادرة بتاريخ 3/2/2009العددرقم(60) من تقرير تفصيلي عن حياة الحاج أحمد ناجي مرشد الذي إضطر إلى الفرار بنفسه وزوجته وإبنته الصغيرة الى صنعاء، وذلك، هرباً من بطش شيخ الجعاشن. - 5 تقرير أمني منشور في صحيفة (22مايو) الصادرة بتاريخ 29/1/2009م العدد رقم (789). 6- تقرير عن الحق في التجمع السلمي، المصدر السابق ص4 وما بعدها.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.