كتب/د.طارق عبد الله الحروي ما حقيقة المشهد السياسي ببعديه الدولي والإقليمي الذي تدور أحداثه الرئيسة في المنطقة الممتدة بين مضيقي باب المندب وهرمز وما يجاورها ؟ وما علاقته بما يدور من تطورات سياسية- أمنية متسارعة على الساحة اليمنية؟ ومن ثم هل الوحدة اليمنية في خطر حقيقي؟ كيف ولماذا ؟ أسئلة كثيرة تدور في أذهان الجميع تحتاج إلى إجابات وافية, سوف نحاول تناولها في ضوء رؤية تحليلية ذات منظور إستراتيجي نناقش من خلالها مدى خطورة عمليات الحراك السياسية- الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي تعيشها بلادنا منذ نهاية النصف الأول من العقد الحالي، وماهية وطبيعة التوجهات اليمنية ذات الطابع الاستراتيجي المطلوبة إزاء التطورات الحاصلة في المنطقة. من نافلة القول في هذا الأمر أن استمرار تنامي حمى حالات الانفلات السياسي- الأمني في بعض الدول الرئيسة المؤثرة في المعادلة الإقليمية لهذه المنطقة ك(السودان، الصومال، اليمن، باكستان، وأخيرا السعودية) والإرهاصات الدولية والإقليمية بأبعادها العسكرية والسياسية- الأمنية ذات الطابع الإعلامي- الدعائي المصاحبة لأعمال القرصنة البحرية في مياه خليج عدن والبحر العربي بالقرب من الحدود الصومالية- الكينية، تسير في اتجاه احتمالية تبلور معالم أول منظومة إقليمية أمنية جديدة تغطي المنطقة الممتدة بين مضيقي باب المندب وهرمز وما يجاورها، ضمن إستراتيجية المحور الأمريكي-الغربي وحلفائه المتبعة إزاء منطقة (الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا) المقترحة. أما الثابت في هذا الأمر فإن اليمن بما يمتلكه من مقومات إستراتيجية فريدة من نوعها؛ من حيث الموقع والموضع، ومن ثم بقدر ما- أو ما يمكن أن- توظفه من موارد وإمكانات، ثم ما لديها من مصالح قائمة كانت أم منشودة، ومن ثم الإرادة والطموح المتنامي في تأدية دور محوري مؤثر في أتون السياسة الإقليمية ضمن نطاق حدود الحيز الجغرافي الذي تشغله وما يجاوره، سواءً أكان ذلك في اتجاه الشرق ممثلة بالدائرة الأمنية الإقليمية للخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، أو في اتجاه الغرب ممثلة بالدائرة الأمنية الإقليمية للقرن الأفريقي، قد فرض نفسه بقوة على خط سير الأحداث الرئيسة المتوقعة والمحتملة، بصورة لا يمكن تجاوزه أو تجاهله من قبل دول المحور الأمريكي- الغربي وحلفائه عند التخطيط والتنفيذ لقيام مثل هكذا نظام، وهو الأمر الذي يتوقع بموجبه أن تتبوأ اليمن مكانة مرموقة ومهمة في إستراتيجيات القوى الدولية والإقليمية الفاعلة، من باب أن إجماع معظم القوى الدولية والإقليمية صاحبة المصلحة المشتركة في تأمين خطوط الملاحة الدولية العابرة لمياه خليج عدن والبحر الأحمر، لا يتعارض مع وجود أية نية أو إرادة لصانع القرار اليمني لتأدية دور إقليمي محوري ضمن نطاق حدود الإرادة الدولية أو نكرانها. ومما لاشك فيه أن هذا الأمر في خطوطه العامة يتوقع له أن يتعارض نسبيا- جملة وتفصيلا- على المدى القريب-في أقل تقدير- مع توجهات بعض القوى الإقليمية الفاعلة ، يتوقع أن تخضع لها الإرادة الدولية بهدف استكمال مخططاتها المرسومة، لاسيما في ظل وجود احتمالات أن تسعى دول بعينها بقوة في ظل ما تمتلكه من رصيد سياسي وراء تحجيم الدور المحوري المتوقع لليمن، بصورة لا تتناسب مع المميزات الاستراتيجية التي تمتلكها، تحت مبررات كثيرة منها المخاوف التقليدية لبعض دول الجوار العربي والخليجي (السعودي،....) منها- بوجه خاص- من أن بروز أية احتمالية لدور محوري لليمن سيكون- بلا شك- على حسابها من الناحية الاستراتيجية، مضافاً إليها المخاوف المصرية المتأتية من الطموحات الإقليمية وراء محاولة لعب دور محوري على حساب دول المنطقة ومنها اليمن، فبروز هذا الدور- من وجهة نظرها- سيؤثر عليها كثيراً، لأنها سوف تضطر إلى مشاركة اليمن مناصفة في إدارة الممر المائي- ولو بصورة نسبية- وكذا ينطبق هذا الأمر على بعض الدول غير العربية ك(إسرائيل،..) على سبيل المثال لا الحصر؛ جراء مخاوفها الأزلية إزاء تنامي احتمالات قيام أية دور عربي فعلي في منطقة البحر الأحمر حتى لو كان منضبطاً ومسيطراً عليه، تتحول بموجبه المنطقة إلى دائرة عمل عربي مغلقة، تزيد من حجم المعضلات الأمنية التي تعيشها- أولاً- وإيران أثناء سعيها الحثيث وراء تقويض أو تحجيم مرتكزات الدور اليمني في المنطقة في اتجاه إعادة ترويضه ضمن نطاق حدود الدائرة الإقليمية الثانوية المرسومة له في إطار استرتيجية المحور الأمريكي- الغربي وحلفائه المتبعة إزاء منطقة (الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا) المقترحة. وهو الأمر الذي اتضحت بعض أهم معالمه الرئيسة في طبيعة الأدوار المحورية التي لعبتها دول بعينها من قريب أو بعيد في مجمل عمليات الحراك السياسية- الأمنية ومن ثم العسكرية والاقتصادية التي شهدتها الساحة اليمنية في اتجاه استنزاف قدرات النظام اليمني وصولا إلى إضعافه وليس إسقاطه، تمهيدا لاحتوائه، كي يتسنى لها فرض أجندتها الإقليمية عليه بدون مقاومة حقيقية تذكر. وضمن هذا السياق أصبح حريا بنا القول إن مراكز اتخاذ القرار في بلادنا لم تدخر جهداً إلا وبذلته في اتجاه البحث المستمر عن موطئ قدم حقيق لها في هذه الدائرة أو تلك طوال ال19 عاما الماضية، تستطيع من خلاله بناء أو إعادة بلورة بعض أهم المرتكزات الأساسية لقيام دور إقليمي يمني محوري، إلا أنها- في نهاية المطاف- لم تجن السياسة اليمنية سوى النذر القليل من ثمار هذا المجهود، جراء محدودية عدد الخيارات المتاحة أمامها على المستويين الداخلي والخارجي، أما في الوقت الحالي فإن معالم الفرصة التاريخية المنشودة بكل دلالاتها التاريخية وأبعادها المستقبلية، قد أصبحت بعض أهم ملامحها الرئيسة قاب قوسين أو أدنى، في ظل إرهاصات تسليط الأضواء بقوة- مرة واحدة- على البيئة الإقليمية الأمنية الممتدة بين مضيقي باب المندب وهرمز وما يجاورها، فدول المحور الأمريكي- الغربي وحلفاؤه الدوليون والإقليمون قاطبة، وفي مقدمتها الدول العربية- الخليجية- بوجه خاص- واقفة على الأبواب تدقها بلطف تنتظر منها الإذن لها بالدخول وفتح باب الحوار والتفاوض، بدلاً من تحمل عناء الذهاب إليها وطلب ودها، أو الوقوف طويلاً بانتظار ما يمكن أن تسفر عنه الأيام من صفقات سياسية بين تلك القوى مع بعضها البعض دون أن نكون طرفا فيها، حيث يتوقع أنها لن تلبي- في المحصلة النهائية- سوى الحد الأدنى من متطلبات تحقيق المصلحة العليا للبلاد، نظراً لحالات التداخل والتشابك الإقليمية والدولية المعقدة وأبعادها المستقبلية- مستفيدة في ذلك- من إرهاصات تطور الأوضاع الداخلية التي تعيشها اليمن منذ النصف الثاني من العقد الحالي. وهو الأمر الذي يفرض نفسه على مراكز اتخاذ القرار بأهمية أن تولي هذا المتغير اهتماماً محوريا خاصاً يرتقي إلى مستوى المرحلة بمتطلباتها الملحة والتحديات المحيطة بها، لان التهاون أو ضعف إدراك حساسية هذا المتغير الذي نحن بصدده، يعني- في نهاية المطاف- إيذاناً رسمياً عن تنازل فعلي لأهم ميزات الموقع الجغرافي في بعده الاستراتيجي- من جهة- وتنازلاً عن أهم أوراق الضغط الرئيسة المتاحة بيدها، التي تؤهلها لخوض عملية المفاوضات الثنائية ومتعددة الأطراف المتوقعة والمحتملة مع القوى المعنية- من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يعني- في نهاية المطاف- فقدانها لأهم مقوم يتوقع أن يرتكز عليه الدور اليمني المنشود، وبالتالي تحجيم لدور بلادها ومكانتها الاستراتيجية، التي وفرها متغير قيام الوحدة الوطنية، لان مقاليد السيطرة- هذا إن لم نقل الهيمنة- على الموقع البحري- الذي هو مصدر حساسية شديدة للعديد من دول العالم- تكون قد انتقلت بالفعل إلى أيادي القوى الدولية والإقليمية. أما فحوى الرسالة التي يجب إيصالها إلى المعنيين في بلدنا على سدة السلطة وخارجها، هو محورية التركيز في الإدراك والحركة المطلوبين، كي يتسنى لهم إمكانية استحضار هذه المفارقة التاريخية في بعدها الاستراتيجي، بهدف تعظيم حجم المكاسب المتوقعة والمحتملة، وكذا المرغوب فيها، من خلال إرسال إشارات ودلالات ذات مغزى تدركه دوائر صنع القرار الأمريكي- الغربي وحلفاؤه وهي تضع اللمسات الأخيرة لمخططاتها المقترحة إزاء المنطقة- استنادا- لمعطي جيوبوليتكي مهم مفادها "حاجة دول المحور نفسها لقيام دور يمني في هذا الجزء فرضه متغير الموقع؛ تستطيع من خلاله إتمام الجزء الأكبر والمهم من مخططاتها المرسومة.." لكن يبقى مستوى ودرجة، ومن ثم ماهية وطبيعة هذا الدور، هو مثار الجدل الذي يجب على ساسة البلاد أن يسعوا وراءه من أجل إقحام الإرادة اليمنية بقوة في شبكة الترتيبات الإقليمية الأمنية المقبلة، بدلاً من ترك مصالحنا الحيوية مرهونة بإرادة الآخرين، وخاضعة لمعطيات الواقع الداخلي- اليمني والإقليمي (السعودي، المصري، الإسرائيلي، الإيراني، الأثيوبي،..). والله من وراء القصد. باحث في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية [email protected]