نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    العاصمة عدن تشهد فعالية الذكرى ال7 لاعلان مايو التاريخي    الحرب القادمة في اليمن    نص كلمة الرئيس الزُبيدي في ذكرى إعلان عدن التاريخي    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    من هي المصرية "نعمت شفيق" التي أشعلت انتفاضة الغضب في 67 بجامعة أمريكية؟    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    أبطال المغرب يعلنون التحدي: ألقاب بطولة المقاتلين المحترفين لنا    تحديث جديد لأسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    خبير اقتصادي بارز يطالب الحكومة الشرعية " بإعادة النظر في هذا القرار !    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    منظمة: الصحافة باليمن تمر بمرحلة حرجة والصحفيون يعملون في ظروف بالغة الخطورة    وفاة فتاة وأمها وإصابة فتيات أخرى في حادث مروري بشع في صنعاء    ماذا يجرى داخل المراكز الصيفية الحوثية الطائفية - المغلقة ؟ الممولة بالمليارات (الحلقة الأولى)    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    مارب تغرق في ظلام دامس.. ومصدر يكشف السبب    الحوثيون يعتقلون فنان شعبي وأعضاء فرقته في عمران بتهمة تجريم الغناء    ترتيبات الداخل وإشارات الخارج ترعب الحوثي.. حرب أم تكهنات؟    مأرب قلب الشرعية النابض    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    الكشف بالصور عن تحركات عسكرية خطيرة للحوثيين على الحدود مع السعودية    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    بعد منع الامارات استخدام أراضيها: الولايات المتحدة تنقل أصولها الجوية إلى قطر وجيبوتي    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    الخميني والتصوف    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية تحليلية نقدية للأزمة السياسية والوطنية الراهنة(6)
نشر في الوسط يوم 18 - 08 - 2010

كتب/قادري أحمد حيدر إن مشكلتنا في اليمن اليوم، هي غياب الدولة الوطنية المؤسسية الحديثة، وكلنا يعلم أنه حين تغيب الدولة القوية، القادرة، والعادلة، والمؤسسية، دولة لكل مواطنيها، وتستبدل بدولة لحكم عصبوي، فردي، مركزي متخلف، توظف كل معطيات الدولة ومقدرات المجتمع خارج شروط تأكيد دولة المواطنة ووجودها، ولصالح حكم عصبوي، فردي، فإن الوضع كله، الحكم، والسياسات، تصبحان محل مساءلة، ونقد. فحين لا يجد المواطن العادي ملاذاً آمناً في الدولة، وملجأً يأوي إليه ويحمي مصالحه، ويدافع عنه، فإنه قطعاً يلجأ إلى تكوينات ما قبل الدولة، وما قبل الوطن، والشعب، وهو ما يفسر، وخصوصاً من بعد كارثة حرب 1994م ، عودة البعض للبحث، والحفر في انثروبولوجيا أعراقهم، ومشجرات أنسابهم، والعودة الكبيرة للبعض للاحتماء بقبائلهم، ومناطقهم، وعروقهم الجغرافية الأولى، وهو أحد وجوه تفسير غياب الدولة الوطنية المؤسسية الحديثة، ولا تفسير لتوسل الاختطاف للحصول على بعض الحقوق، أو التحول إلى عصابة منظمة مسلحة للتقطع، وحتى حمل السلاح لمواجهة الحكم سوى انها تعبيرات اجتماعية، سياسية عملية عن واقع غياب الدولة الوطنية في البلاد. وكما تؤكد الرؤية على قضية الحوار ، فإنها بالقدر نفسه تؤكد وقوفها وموقفها ضد فكرة التمرد على الدولة، ودستورها بالسلاح، وهو أمر مرفوض ومحظور. وعلى الحكم اليوم أن يقبل بمشروع وفكرة وجود وقيام الدولة الوطنية المؤسسية الحديثة، عوضاً عن الممانعة ضد وجودها كدولة راعية وحامية لمصالح جميع مواطنيها. وفي المستوى الأول من حرب صعدة الممتدة منذ المعارك الأولى سنة 2004م والتي قتل فيها القائد السياسي للحركة حسين بدرالدين الحوثي، وحتى المعارك أو الحرب الثالثة 2006م، يمكن القول أن البعد الديني المذهبي كان طاغياً في الصراع بين السلطة والحوثيين، وان الخطاب السياسي المباشر تراجع لصالح صراع ايديولوجي مذهبي، وتهم مذهبية متبادلة بين الطرفين (صراع سني وهابي، وشيعي زيدي) كان فيها ميزان القوة العسكري والسياسي، والإعلامي، لصالح الحكم، وكانت الجماعة الحوثية المسلحة في حالة مقاومة دفاعية كر، وفر، حرب عصابات محدودة، وبقي خطاب الحكم يردد ان الحوثيين جماعة صغيرة محدودة، لا وجود فعلي لها في المنطقة وأن الأمور كلها تحت السيطرة، ولم يعترف بوجود مشكلة، وبقي ينكر وجود أزمة سياسية ووطنية تلف البلاد كلها، حتى وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه أمام اتفاقية الدوحة في 16 يونيو 2007م، وهي بداية المرحلة الثانية، أو المستوى الثاني من مستويي حرب صعدة، وهي بداية الأقلمة للصراع، والحرب، عبر البوابة العربية/القطرية. ب - المستوى الثاني من حرب صعدة: بدأت هذه المرحلة أو المستوى من تطورات حرب صعدة في 2007-2009م والتي أُعلن عنها رسمياً مع بداية الحرب السادسة في 11 أغسطس 2009م، والتي استمرت حتى فبراير 2010م لحظة توقيع اتفاق إيقاف المعارك بين الطرفين في شكل حرب عسكرية ضارية، اشتركت فيها جميع وحدات القوات المسلحة (الجيش والأمن)، دبابات، مدفعية، صواريخ، وطيران. وكانت اتفاقية الدوحة (16 يونيو 2007م) هي بداية الإعلان عن حالة الاقلمة للحرب عبر البوابة العربية القطرية، وهي كذلك بداية التأسيس لرسوخ واستقرار هذا الشكل العسكري والسياسي، والإعلامي من الحرب، بين طرفي الصراع والقتال، الحكم، والحوثيين. لقد أشرت شخصياً وفي العديد من الكتابات والدراسات ، أن قضية حرب صعدة، وقبلها القضية الجنوبية، لا يمكن أن يتحقق حلها ومعالجاتها إلا في إطار مشروع سياسي وطني، ديمقراطي، تعددي، وعلى قاعدة وجود دولة وطنية مؤسسية حديثة، وضمن سياسة استراتيجية شاملة لحل الصراعات، والتناقضات السياسية والوطنية القائمة. وأن الحلول الفردية، والمجزوءة، والترقيعية، هنا أو هناك، لا تحل المشكلة، بل تراكمها، وتعقدها أكثر، وان التدخل الخارجي مهما حسنت نواياه غير مؤهل وليس بمقدوره أن يكون طرفاً وحيداً في الحل، ناهيك أن الأطراف الخارجية دائماً لها حساباتها الخاصة، وغالباً ما تكون هذه المصالح الوطنية أو القومية الخاصة بها متعارضة مع الحلول السياسية العميقة والجذرية لبلد الصراع والحرب، أو البلد صاحب القضية والمشكلة، ناهيك عن أن التدخلات الخارجية تستدعي مثيلاتها، لأسباب ليس لها علاقة بجوهر الأزمة القائمة، وإنما بأطرافها المتدخلة، والحالة اللبنانية نموذج صارخ على ذلك، والسودان، والصومال نموذجان في الطريق أمامنا. ومن هنا رؤيتنا مع الحلول السياسية الوطنية، وحذرنا من استمرار الحرب وتطوراتها التراجيدية، في واقع صراع عربي، اقليمي، دولي، شديد الحساسية، والتوتر، والخطورة، خاصة في واقع ضعف السلطة اليمنية، وغياب حقيقي لمؤسسات الدولة. مالم يتنبه الحكم لخطورة ما صنعته يداه ، بعد أن انقلب السحر على الساحر، ومن هنا الحديث الجاري عن الدور الايراني / السعودي، وليست الحرب الإعلامية كما نقرأ ونسمع سوى أحد أبرز وجوه التدخل على مستوى الحرب الإعلامية، بدأت معه اليمن، وحرب صعدة، وكأنها مشكلة خاصة بالطرفين، الايراني / السعودي، ولن يتوقف حديث التدخلات المختلفة، حتى يدخل اليمن كله، وليست مشكلة حرب صعدة وحدها، دائرة الصراع الاقليمي، والدولي. حينها من الممكن ان تتحول الساحة اليمنية إلى جغرافيا، أو مكان لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية. ومن هنا دعوتنا لايقاف الحرب، واصرارنا على ذلك، ودعوة الجميع إلى تحكيم العقل، ودعوة النظام خاصة للعمل مع جميع أطراف المعادلة السياسية الوطنية في البلاد، للوصول إلى تسوية سياسية وطنية تاريخية، وإلى عقد اجتماعي جديد للوحدة، يصونها، ويحفظ أمن واستقرار البلاد.، ولا يمكننا هنا إنكار ان للأزمة في صورة حرب صعدة بعداً آخر يتمثل في تراجع هامش الحريات، والديمقراطية، وخاصة حرية الرأي، والفكر والتعبير، وحرية المعتقد، وهو الذي يفسر حالة الضيق بالحرية الاجتماعية، والدينية/المذهبية، الظاهرة سياسياً في هيمنة ثقافة إقصاء الآخر، وعدم القبول به، والاعتراف بحقه في الوجود، وفي أن يكون ما يريد، وليس خطاب العنف، والتطرف، والكراهية ضد الآخر المعارض (السياسي، والديني، والمذهبي)، سوى أحد أوجه أزمة تعاطي الحكم مع الآخر. إن المجتمع بكل فئاته وشرائحه وطبقاته، ومناطقه، ومذاهبه، هو من يتحمل وزر القرارات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، الخاطئة، وهو من ينوء كاهله بثقل الحروب التي يشنها الحكم باسم الوحدة، وكأن الوحدة هي الوجه الآخر للحرب، وليست: القضية الجنوبية، وحرب صعدة، في أحد جونبها سوى افراز للخطايا السياسية، والوطنية، وللاجراءات العسكرية والأمنية، ولغياب المعالجات الاقتصادية التنموية الانتاجية. وحين يتجه الحكم العصبوي، الفردي، المركزي إلى تعريف وتفسير أزمته الداخلية (التناقضات الوطنية التي انتجتها سياسات الحكم خلال نيف وعقد من الزمن، وتناقضات الحكم الداخلية، ومنها التوريث) بأنها فقاعة، وفئة ضالة، وعصابة، وان الاحتجاجات الجماهيرية السلمية الواسعة في الجنوب، بأنها جماعة لا تتجاوز أصابع اليد، فإنه لا يؤكد بذلك سوى أنه لا يرى في المرآة سوى وجهه، ولا يرى من المعالجات والحلول سوى مايراه هو، ومن هنا الاستمرار في الاصرار على تقديم حلول ومعالجات مجزوءة، وعبثية، لا معنى لها، سوى مضاعفة مراكمة شروط استمرار الأزمة، وتجديد انتاجها دورياً، وهو ما يدفع بالتفاعلات الاجتماعية والسياسية الوطنية نحو التصعيد والتعقيد، ويرشح ثقافة العنف والكراهية والحقد، وهو ما يتفق مع توجهات سياسات الحكم العصبوي، الفردي، الذي ما يزال يصر على رفض الحلول السياسية الوطنية ذات الطابع الاستراتيجي. إن غياب الإدراك الصحيح، والفهم السياسي الواقعي للأزمة، وخطورتها، هو الذي يفسر عدم قدرة الحكم العصبوي، الفردي، على الذهاب إلى جذر المشكلة، لأنه في الأساس صانعها ومنتجها، والرافض في الوقت نفسه الاعتراف بها، وهو ما يفسر غياب القدرة على إدراك أين يكون الحل، وبمن؟!. ومن هنا تأتي عبثية ولا جدوى كافة الحلول الفردية، والجزئية، والشكلية، وهو الذي أوصل خطاب ومواقف الحكم إلى قناعة بأن لا خيار ولا حل سوى الحسم العسكري، متجاهلاً أن الحسم العسكري في حد ذاته ليس حلاً، بل هو إعداد للمسرح السياسي والاجتماعي من جديد لحروب أقسى، وأوسع، وأخطر، ولم يصل الحكم إلى قناعة جزئية بعبثية الحلول العسكرية ، إلا بعد أن وصل عدد ضحايا حرب صعدة إلى الآلاف ، والجرحى إلى عشرات الآلاف والمشردين والنازحين إلى مئات الآلاف . ومع ذلك فإن الحرب العسكرية ما تزال حتى اللحظة مستمرة في صنعاء ، وما تم الاتفاق عليه هو اتفاق إيقاف المعارك أو العمليات العسكرية ، وليس الحرب .إن غياب الرؤية العميقة للأزمة، وانعدام التشخيص لها، هو ما يجعل الأفق السياسي مسدوداً، ويفتح باب المواجهات المسلحة إلى ما لا نهاية، وهو ما لا يدركه الحكم فاقد البصر والبصيرة. إن الرؤية تؤكد أن حرب صعدة هي في الأساس قضية يمنية/يمنية، مشكلة سياسية داخلية وطنية. والمستوى الأول من الحرب الذي جرى بحثه وتحليله يؤكد ذلك، وعدم إدراك الطرفين: الحوثيين، والسلطة بدرجة أساسية لخطورة تداعيات الحرب، قد يفتح ملف تحول حرب صعدة إلى مشكلة وقضية اقليمية وحتى دولية، بحكم حساسية وأهمية الموقع الاستراتيجي لليمن، الذي تتقاطع عند بواباته البرية، وممراته المائية العالمية مصالح عالمية كبرى. وليس دخول السعودية طرفاً في الحرب اليمنية الداخلية واشتراكها الفعلي في الحرب ، بحكم تداخل الحدود، والسكان، سوى أحد أبعاد خطر تحول حرب صعدة، إلى أزمة اقليمية، ودولية، ما لم يتم تدارك الأمر، والموقف. إن حرب صعدة ماتزال مرشحة لأن تدخل في أي لحظة في دائرة ودوامة حرب عبثية جهنمية، وهي قد تتدحرج مثل كرة الثلج ولا أفق سياسي ممكن للحل في واقع هيمنة خطاب الحسم العسكري، الذي ما يزال يبحث عن صفقات سلاح جديدة ، البلد في غنى عنها . لأننا بحاجة إلى تنمية اقتصادية إنتاجية وتنمية إنسانية وليس مراكمة الأسلحة المدمرة للجميع . ولا مفر أمام اليمنيين جميعاً اليوم سوى الاسراع نحو الحلول والخيارات السياسية الوطنية الجدية والشاملة، فذلك خير من التسويف والمماطلة..، أو انتظار ما ستأتي به الأيام، فما هو ممكن اليوم، قد يصبح متعذراً ومستحيلاً غداً، وهكذا. إن حرب صعدة في مستواها الثاني الراهن، تختلف جذرياً عن حالها في المستوى الأول من الحرب 2004-2006م، هي اليوم في حالة تمدد اقليمي، وقد تصبح غداً في حالة استرخاء دولي، مستعصية على الحلول الداخلية، وتغدو معه جميع أوراق اللعبة السياسية اليمنية بيد الخارج (القضية الجنوبية، وحرب صعدة معاً)، لقد غزت وطغت على الحياة السياسية والاجتماعية، والعسكرية، والأمنية، مفاهيم ومصطلحات جديدة لم يعرفها المستوى الأول من الحرب، مثل مصطلحات ومفاهيم: النازحين، المشردين، مخيمات اللجوء، منظمة الغوث الدولية، منظمات الأمم المتحدة الإنسانية، الصليب الأحمر، الوضع الإنساني لحرب صعدة، جرائم حرب، جرائم إبادة، منظمة الغذاء العالمي، مصطلحات الأرض المحروقة، الحسم العسكري، صراع ايراني، سعودي، حتى دخول الطيران طرفاً مشاركاً في استراتيجية القتال والحرب، انتقل معها الصراع في صعدة من حالة معارك وحروب صغيرة محدودة، إلى حالة حرب عسكرية مفتوحة وشاملة، استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة الخفيفة الفردية، والمتوسطة، والثقيلة، تصدرت معه أخبار الحرب الفضائيات المحلية، والعربية، والاقليمية، والدولية، وظهرت مناشدات سياسية وإنسانية اقليمية ودولية لايقاف الحرب الدائرة لأسباب إنسانية، وهو كلام جد خطير، وقد ينذر بعواقب لا تحمد عقباها. إن المستوى الثاني من الحرب الدائرة في صعدة التي تخاض تحت شعار وسعار الحسم العسكري للتمرد الحوثي لن يقود سوى إلى كارثة اجتماعية ووطنية وانسانية، هي مرجل حربي سياسي، يختلط فيه الديني/المذهبي، الطائفي، في امتداداته الاقليمية، بما قد يستولد حروباً جديدة مفتوحة على المجهول. إن حرب صعدة التي انطلقت في 11 أغسطس 2009م باسم الحرب السادسة، كانت حرب شاملة على الداخل في صعدة وما جاورها، وهي حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أول ضحاياها ما تبقى من هيبة الدولة، والجيش والأمن، وكذا ما تبقى من وحدة المجتمع، وكرامته، وأمنه، واستقراره، ومن سمات هذا
المستوى من الحرب انها مغطاة إعلامياً بصورة كبيرة وكثيفة. وهي حرب دمرت البنية الاقتصادية لمنطقة صعدة وما جاورها من مناطق ومحافظات، كما دمرت الكثير من مؤسسات وأبنية الدولة المتهالكة، إضافة إلى مزارع الفلاحين، ومنازل السكان، وأفرغت الأسواق، والتجارة، والمتاجر، من الحياة نهائياً، توقفت معها المدارس، وتعطلت بالمطلق مؤسسات الخدمات الاجتماعية المحدودة عن أداء دورها وخدماتها، ووظائفها للناس، الواقعين تحت الجوع، والحصار، والقصف، ووصل عدد النازحين إلى أكثر من 375 ألف نازح، ومشرد، في مخيمات خصصت للنازحين، من منظمات الأمم المتحدة ذات الصلة، ومن جمعيات وهيئات دولية إنسانية مختلفة، أي أن قضية حرب صعدة دخلت طور التدويل من باب الحماية والمساعدات الإنسانية، وغالبية النازحين والمشردين هم من الأطفال، والنساء، والعجزة (كبار السن)، وفي بعض مديريات صعدة وصل حال الضرر المادي فيها إلى حالة ضرر شبه كامل 70-80%، ونسبة النازحين في بعض المديريات تصل إلى أكثر من 75% من السكان، حتى صار تدخل المنظمات الإنسانية الدولية ضرورة أخلاقية، ووطنية، وإنسانية. وتشير التقارير الدولية إلى أن هناك أكثر من عشرين ألف يتيم، وعشرة آلاف أسرة فقدت عائلها، - هذا قبل ستة أشهر -، وان مناطق الحرب جميعها واقعة تحت حصار اقتصادي وعسكري وأمني وإعلامي، فأخبار صعدة كانت مغلقة على داخلها، ولم يفتحها طرفا الحرب إلا لحالة النزوح الكبير الذي كانت تشهده مناطق القتال، أو لتمرير مساعدات إنسانية ضرورية، وتحت ضغوط ومطالبات دولية إنسانية. ومن سمات وخصائص هذا المستوى من حرب صعدة في مرحلته الثانية، ظاهرة تجييش القبائل على أسس عرقية، وقبلية، ومذهبية، وهو دليل على غياب الدولة، ويؤكد ضعف الجيش والأمن، وتدهور مؤسساتهما، وضعف حالة الولاء للمؤسسة العسكرية والأمنية قياساً بالولاء للهويات القبلية والمناطقية، والمذهبية، والطائفية، وكذا ضعف الانتماء للمعنى الوطني الكبير، الذي تراجع معنى حضوره بصورة خطيرة خلال العقد والنيف المنصرمين، وهي عملياً حرب اذا ما أتيح لها الاستمرار مجدداً ، فإنها ستكون مقدمة لحروب أهلية عديدة. إن تجييش القبائل ضد بعضها بعضاً، وضد الآخر عموماً، هي ظاهرة إمامية تاريخية، والتجييش القبلي بالصورة التي شهدناها، ليس سوى تحشيد عصبوي لا صلة له بالسياسة، ولا ينتمي لسلوك الدول، التي تحترم نفسها، أو التي لها علاقة أو صلة بفكرة، سلطة القانون، هو تجييش وتحشيد مدمر للممارسة السياسية، ولمعنى الوطن، والوطنية، ويصب في خانة إعادة الاعتبار للبنى الاجتماعية التقليدية، في شروط الألفية الثالثة، وفي واقع أزمة سياسية ووطنية شاملة، والأمر الخطير في كل ذلك هو صعوبة، بل واستحالة امكانية القدرة على الضبط والتحكم في مسار هذه الاصطفافات المتخلفة، وحصيلتها النهائية، تدمير وحدة المجتمع، وتفكيك نسيجه الاجتماعي، والوطني، وهو ما آلت إليه الأوضاع في النتائج الأخيرة لحرب صعدة، في صورة التحشيد القبلي الجاري الذي تم في حرف سفيان، وفي محافظة عمران، في شكل احتشاد عصبوي قبلي (حاشدي، بكيلي، وكذا عدناني، قحطاني)، إن استمرار القتال والحرب في صعدة على هذه الخلفية والقاعدة قد أدخل أو أقحم البعد القبلي طرفاً في الصراع، كما إن استمراره بهذه القوة والوحشية والمآسي الإنسانية المرافقة لها، قد يدفع بالحرب، وبالأمور كلها حد التدويل، خاصة وأن هناك 375 ألف نازح ومشرد، ولاجىء، أصبح معه حضور الجهات والمنظمات الدولية الإنسانية محسوماً، ولأسباب إنسانية كما تقول التقارير الدولية، بما فيها مناشدات مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، في مراحل جريان الحرب ، لقد أكدت حرب صعدة بالملموس فقدان الحكم لوجود الدولة، وعدم قدرة الحكم العصبوي، الفردي، على فرض سيادته على البلاد، وان الحكم في طريق فقدانه لما تبقى من قراره السياسي ، والسيادي، المستقل نهائياً خاصة بعد أن دخلت السعودية طرفاً شريكاً وممولاً للحرب في صعدة . نظام يستقوي على جزء من شعبه بدولة خارجية ، وهو قمة التعبير عن الأزمة السياسية والوطنية الراهنة . إن استمرار الحرب دون حل - رغم توقفها المؤقت والجزئي - قد يشجع على انعاش واستيلاد مشاريع حروب صغيرة عديدة، وقد يؤدي إلى تفجير أوضاع وتعقيدات أكبر من قدرة الحكم، والمجتمع، على احتماله، أو السيطرة عليها، وفائضة عن قدرة المجتمع والحكم معاً، على تحمل تكاليف وتبعات اعبائها، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والوطنية، بما فيها توسيع حضور القاعدة، والجماعات المتطرفة المسلحة، يتحول معه اليمن إلى بؤرة انطلاق عنيفة ضد نفسه، وضد دول الجوار (الخليج)، وضد المصالح العالمية التي تمر عبر المواقع والمداخل البحرية الاستراتيجية اليمنية ذات الطبيعة والوظيفة العالمية خاصة وأنه لم تجر حتى اللحظة القيام بمعالجات جدية لمآسي وكوارث الحرب التي ما تزال عملياً مستمرة بهذا الشكل أو ذاك ، في صورة حروب قبلية ، ومذهبية ، وعرقية ، تأتي على ما تبقى من بنية المجتمع في صعدة ، وما حولها . لقد أكد الخيار العسكري فشله، وان لا سبيل أمام الجميع سوى العودة إلى الحلول السياسية السلمية، ومائدة الحوار، وكان اتفاق الدوحة 16 يونيو 2007م والوساطة القطرية مرة ثانية في 2008م بداية لامكانية تجاوز حالة الاقلمة، والعودة إلى يمننة المشكلة والصراع، ولكن اصرار البعض على خيار الحرب أعادنا إلى المربع الأول، وتشير بعض الكتابات والتحاليل السياسية أن بعض الدول العربية لعبت دوراً في افشال اتفاق الدوحة، - المقصود السعودية - وتكمن الخطورة هنا في أن تدخل قضية حرب صعدة دائرة أو حلقة الصراع المباشر بين دول الاعتدال، ودول الممانعة والمقاومة، تتحول معه اليمن إلى مسرح تديره وتحركه إدارة الصراع الاقليمي، والدولي، ومرتبط تدريجياً بما يجري في لبنان، أو الملف النووي الايراني، أو بما تقرره إدارة البيت الأبيض في واشنطن، تتحول معه حرب صعدة، بل والقضية اليمنية كلها، إلى معطى اقليمي ودولي، وكلنا يعلم أن الجذر العميق للأزمة سياسي وطني داخلي، وان أحد أبعاده السياسية والوطنية الراهنة، إلى جانب ما سبق الإشارة إليه، هو الصراع من أجل توريث الحكم، ومحاولة ايجاد مخارج سياسية سلسة لانتقاله إلى من يعدون لذلك. كما ان حرب صعدة من أحد أهم جوانبها أو أبعادها، أنها حرب استثمار مالي وتجارة، لجماعة المصالح الضيقة، عبر الحروب، وصفقات السلاح، التي غدت تجارة مربحة، ومريحة في نفس الوقت ، وفضائحها منشورة في العديد من الصحف اليمنية ، والأجنبية . ان تمدد حرب صعدة جغرافياً، واشتمالها حربياً وعسكرياً جميع مديريات صعدة، ووصولها إلى محافظة عمران، والجوف، وحجة، ووصولها إلى حدود السعودية، والداخل السعودي، في صورة معارك حربية بين الحوثيين، والجيش السعودي، ليس سوى دليل على غياب المشروع السياسي الوطني، وعلى غياب الأهداف السياسية الوطنية لدى الطرفين، الحكم، والحوثيين، وأن الطرفان من الناحية السياسية، والواقعية، والوطنية، لا يمتلكان مشروعاً سياسياً وطنياً لبناء الدولة المؤسسية الحديثة، ويتفقان في ان مساحة حضور الآخر في عقلهما محدود، وان وجد فهو لأسباب وأغراض تكتيكية، ولا وجود حقيقي لفكرة المواطنة في منطق تفكيرهما، وممارستهما، وكذا لا دليل على قضية احترامهما لقضية تداول السلطة سلمياً، وفي هذا السياق من الرؤية والقراءة التحليلية النقدية، لا تجد هذه الرؤية نفسها متفقة مع الطروحات المعرفية، والفكرية والسياسية للطرفين، بقدر ما أنها كذلك لا تتفق مع الطروحات السياسية التحريضية والتعبوية التي تحاول الزعم أن هناك علاقة فيما بين الحوثيين والقاعدة، وكذا بين الحراك الجماهيري السلمي الجنوبي، والقاعدة، على أن ذلك لا ينفي امكانية استفادة القاعدة من الأزمة السياسية والوطنية الشاملة، واستثمارها لخدمة مصالحها وأهدافها الاستراتيجية، ولا يكف الخطاب الإعلامي الرسمي عن محاولة الربط القسري بين حرب صعدة، والحراك الجماهيري السلمي الجنوبي، وبين القاعدة لأهداف سياسية تكتيكية، في محاولة لربط الأول بشعار مكافحة الإرهاب العالمي، أو ادماجها في الصراع الاقليمي والدولي الجاري في المنطقة، وفي الثانية لايجاد مدخل عملي سياسي لضرب الحراك الجماهيري السلمي، تمهيداً لتصفية أو تشويه القضية الجنوبية، مع عدم انكارنا أو تجاهلنا لمحاولة بعض رموز القاعدة اختراق الحراك السياسي الجماهيري السلمي، لأسباب ذاتية مصالحية صغيرة، وكذا لدواعي تصفية حسابات سياسية تاريخية مع التاريخ السياسي والاجتماعي والوطني للجنوب كله ، وخاصة مع تاريخ دولة الاستقلال الوطني . إن الخطاب الإعلامي للحكم، والحزب الحاكم، ساهما في تعبيد أرضية سياسية وإعلامية لأقلمة وتدويل حرب صعدة، دون وعي، وبدون إدراك لخطورة هذا المنحى من السياسة، والإعلام، وذلك حين سمحا لنفسيهما ومن بداية المستوى الثاني من المعارك، والحرب، باقحام أطراف عربية واقليمية بالتدخل في الحرب إعلامياً، وسياسياً، وخاصة منذ الحربين الخامسة، والسادسة، والجميع يعلم أن احتلال العراق عام 2003م فجر براكين اضطرابات وتوترات تصاعدت معها حالة احتقانات دينية، مذهبية، واثنية، وقبلية ومناطقية، وحدودية، وصلت انعكاساتها السلبية إلى كل المنطقة، كان حظ السعودية منها وافراً، وقوياً، حيث ارتفعت حدة نغمة الصراع المذهبي/الطائفي، واشتدت حدة الاستقطاب على قاعدة سني، شيعي، وفتح صندوق باندورا الفتاوى الدينية المذهبية، من قبل الرموز الدينية الوهابية في المؤسسة الدينية السعودية، ضد الشيعة، باعتبارهم رافضة، وكفرة، وعملاء لايران،. وكان لذلك ارتباط بالتطورات والتحركات السياسية الشعبية المذهبية في المنطقة الشرقية من المملكة السعودية، وهي مناطق تحتوي مخزون النفط الاستراتيجي للمملكة، وللعالم، وظهر الصراع السني، الشيعي في أجلى صوره في لبنان وخصوصاً من بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري عام 2005م، حيث انعكس الحال على المقاومة، والموقف منها، ومن شرعيتها، وتجسد ذلك على اثر العدوان الاسرائيلي على لبنان يونيو/حزيران 2006م، ووصف المقاومة بالمغامرة غير المحسوبة النتائج، وبدأ الترويج أمريكياً وفي خضم الحرب لمصطلح ومفهوم دول "الاعتدال"، ودول "المغامرة"، أو المقاومة، المساوية في الخطاب الأمريكي للعنف والتطرف والإرهاب، ومحاولة حصر المقاومة في البعد الشيعي، وتصويرها بأنها دفاع استراتيجي عن ايران، وتجلى ذلك في خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية في قولها أن مشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير سيولد من مخاض رحم حرب لبنان 2006م، وبدأنا معها نسمع من خطاب دول الاعتدال عن «الهلال الشيعي»، «والخطر الشيعي»، على لسان ملك الاردن عبدالله، ورددت أصداءه صحافة دول الاعتدال، خاصة بعد حضور وتوسع النفوذ الايراني في العراق، ودخولها طرفاً فاعلاً ومؤثراً في تقرير السياسة الداخلية للعراق، عبر الأطراف السياسية العراقية الملحقة بايران مذهبياً، والذي جاء مترافقاً مع تصاعد الدور الاقليمي لايران في المنطقة وتأثيرها على مجريات الأحداث والصراع فيها، خاصة في اعقاب حرب الخليج الثانية، والثالثة، وإن كان التأثير قد بدأ تدريجياً بعد حرب عاصفة الصحراء على العراق 1991م، وصار مكشوفاً بعد غزو امريكا لافغانستان، ودور ايران السياسي، واللوجستي في تسهيل ذلك الغزو والاحتلال لافغانستان، وصار ذلك الدور الايراني أكبر وأوسع بعد اجتياح أمريكا للعراق واحتلاله، أبريل/نيسان 2003م، وهو الذي ادخل ايران لاعباً وشريكاً أساسياً في لعبة الحكم العراقية القائمة به، وقضية إعدام الرئيس العراقي صدام حسين واحدة من تجليات ذلك الدور القومي الايراني في العراق.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.