استطلاع/رشيد الحداد يكتسب القضاء التجاري في جميع دول العالم -المتقدمة والنامية- أهمية قصوى ليس لكونه المرجعية الأساسية لفض المنازعات والخلافات التجارية وحسب بل لكونه صمام أمان الاستثمارات المحلية والاجنبية وأحد أهم معايير الحكم الجيد التي تحددها مخرجات القضاء التجاري الذي يقتضي الحكمة في التشخيص والمرونة في البت وقلما ترتجل أحكامه وكثيرا ما يقوم بتحديد أولوياتها ذوو اختصاص في كافة المجالات كما لا يكتفي بالتعامل مع الأوراق المستندية بل يعود إلى أرض الواقع لتحديد الخطأ والصواب، القضاء التجاري اليمني رغم صغر حجمه وقدم عمره إلا أن الكثير من الكبوات تلازم مساره يقابله الكثير من الخطوات الجيدة فهو جيد بحد ذاته كقضاء نوعي لا يخلو من الخطأ ولكن حالما يجسد الخطأ بالخطيئة يتحول القضاء التجاري إلى إحدى معوقات الاستثمار في اليمن، فحالما يقدم المستثمر المحلي للاستثمار في اليمن لا يضع في حسبانه أنه قد يزور قسم الشرطة والبحث الجنائي والنيابات والمحاكم التجارية ولا يتوقع أنه سيتحول إلى مطلوب أمنيا ومطارد بأمر قبض قهري، كما حدث لمستثمر رأس ماله مليار ونصف ريال.. إلى التفاصيل. يعود القضاء التجاري في اليمن إلى العام 1986م حيث أنشئت أول ثلاث محاكم تجارية قبل الوحدة في كل من تعزوصنعاء والحديدة وبعد الوحدة أنشئت محكمتان في عدن وحضرموت أضيف إلى ذلك إنشاء 5 شعب متخصصة في القضاء التجاري في محاكم الاستئناف إلا أن عدد المحاكم لا تساوي حجم الخلافات والمنازعات التي وصلت حسب ما تشير التقارير الواردة من القضاء الأعلى 7 آلاف و146 قضية في عموم المحافظات خلال العام الماضي فصلت المحاكم التجارية منها العام الماضي في ثلاثة آلاف و776 قضية منها ثلاثة آلاف و205 قضية تجارية رحلت من الأعوام الماضية وثلاثة آلاف و941 قضية وردت في العام نفسه. الحراك القضائي خلال نزولنا الميداني إلى المحكمة التجارية في أمانة العاصمة التي حصلت على المرتبة الأولى العام الماضي بالإضافة إلى أنها تخدم 8 محافظات الأمانة ومحافظة صنعاء ومحافظة عمران والجوف ومأرب والبيضاء وذمار وصعدة، لاحظنا ازدحاما شديدا وضغط عمل كبير، وفي المحكمة تباينت القضايا الواردة والمنظورة بين استرجاع ودعاوى فرعية وسعاية وفسخ عقد وتنفيذ عقد ومطالبة بحقوق وفض شراكة وتسديد قيمة شيكات وتصفية شركات ومديونية وتسليم باقي الإيجار وإخلاء عين مؤجرة وتظلم من أمر أداء وتمكين من انتفاع ووكالة وإفلاس وفي أروقة المحكمة حاولنا معرفة حجم القضايا ونوعيتها فكان هناك تباين في الردود فالجميع مشددون نحو الدور الثالث الذي تعقد فيه الجلسات، إلا أننا لاحظنا ارتياحاً يقابله استياء من تطويل فترة التقاضي وتعقيد الإجراءات حسب تأكيد عدد ممن التقينا ومنهم مستثمرون من الوزن الثقيل منهم مستثمر منع من دخول المحكمة. ماراثون الاستثمار جسد الدكتور/ رفيق مدهش حزام الشرعبي المثل الشعبي القائل "الاستثمار في غير بلدك لا لك ولا لولدك" ورغم حماسه الكبير للاستثمار في المجال الطبي في العاصمة صنعاء بدلا عن العاصمة الألمانية برلين التي كان يعمل فيها إلا أنه وجد نفسه محاطا بأسوأ ما في الاستثمار في هذا البلد، فالدكتور رفيق صاحب مشروع المستشفى الاستشاري اليمني الواقع بجانب مستشفى آزال الحالي في الستين الغربي حصل على ترخيص من الهيئة العامة للاستثمار رقم (343 م/ خ) صادر من إدارة السجل التجاري برأس مال مليار ونصف ريال يمني وفي تاريخ 8/10/2008م قام الدكتور الشرعبي باستئجار المبنى من المواطن عبدالله يحيى المدعي المؤجر واتفق الجانبان بموجب عقد الإيجار على تشطيب المبنى وفقا للمواصفات التي حددها العقد بين المؤجر والمستأجر والموقع عليها من قبل الطرفين وحددت مدة تسليم المؤجر للمستأجر للمبنى بشهر 9/2009م إلا أن المدة انتهت دون وفاء المؤجر بالتزاماته فتم تمديد الفترة إلى نهاية شهر 12/2009م على أن يتم استلام المبنى بداية العام الحالي، إلا أن المستأجر فوجئ بأن المؤجر تخلى عن الالتزام واعتبر المبنى جاهزاً وهو ما رفضه المستأجر ليتم اللجوء إلى محكمين فوضهما الجانبان للنظر في الخلاف بخصوص العين المؤجرة بتاريخ 12/1/2010م وبناء على ملاحظة المحكمين فقد منحت المؤجر شهراً و10 أيام لاستكمال التشطيب وتسليم المبنى للمستأجر إلا أن الفترة انتهت دون تنفيذ حكم المحكمين ليبدأ ماراثون الاستثمار في أروقة المحاكم. مشكلة واستشكال اتجهت القضية نحو المحكمة التجارية في أمانة العاصمة منذ مارس الماضي فأصدرت محكمة الاستئناف بإنابة المحكمة الابتدائية حكما بالتنفيذ الجبري لحكم التحكيم ثم تقدم المؤجر باستشكال إلى المحكمة الابتدائية فرفض الاستشكال وأصدر القاضي قرارا بإجراء التنفيذ الجبري عبر معاون التنفيذ ليتم بعد ذلك إصدار قرار بإلقاء القبض القهري على المؤجر الذي لم يلق القبض عليه بل تقدم عبر محاميه باستشكال إلى المحكمة فوافقت المحكمة تكليف مهندسين اثنين ومعاون تنفيذ إلا أن الخطوة التي قيل إنها الاتجاه الصحيح أوقفت دون مبرر من قبل قاضي المحكمة وهو ما أعاق مجريات التقاضي وما أفقد المستثمر الثقة بالقضاء التجاري الذي يعول عليه تهيئة البيئة الاستثمارية وتقديم الحماية القانونية للمستثمرين. د/ الشرعبي قضيتنا مع المحكمة صحيفة الوسط نزلت إلى المستشفى الاستشاري تحت التأسيس ووجدت المبنى خارج الجاهزية، فالمصاعد والأجهزة الطبية مكدسة في الدور الأول أما الدور الثاني فلا زال دون أي ترميم بل إن نسبة الإصلاحات الداخلية لا تزيد عن 30% فجميع الأعمال متعثرة ولم يصبح جاهزا سوى البدروم الذي تتواجد فيه عدد من الأجهزة الطبية الحديثة والتي تكلف 750 ألف دولار حسب تأكيد المعنيين وفي المبنى قيل لنا إن الكهرباء لم تكن رسمية بل كهرباء مصنع البلك الذي كان في أرضية العمارة قبل إنشائها والماء لا زال منعدماً. الدكتور/ رفيق الشرعبي صاحب المشروع الطبي أكد أن قضيته لم تعد مع المؤجر عبده المدعي الذي قال إنه معترف بحكم المحكمين بل مع المحكمة التجارية التي كان يفترض بها أن تنزل إلى أرض الواقع وإذا لاحظت التنفيذ لا شيء على المؤجر ودون ذلك تلزم المؤجر بتنفيذ التقرير الهندسي، وهدد الشرعبي بتصعيد المشكلة إلى أعلى المستويات إذا لم يجد العدالة من القضاء، مؤكدا تمسكه بالقوانين اليمنية للبت في القضية وأضاف قائلا أطالب اليوم بتطبيق القانون ولكني منعت من الدخول إلى المحكمة وتم الاعتداء على المحامي بحضور لجنة تحكيم المحكمة التجارية من قبل عصابة تتبع المؤجر عبده المدعي وشقيقه بتاريخ 17/5/2010م متسائلا عن مصير الضمانات التي قدمتها الهيئة العامة للاستثمار للمستثمر المحلي وفي ختام تصريحه أكد أن خسارته تعدت 350 ألف دولار كأجور للطاقم الطبي والإداري وإيجارات لمخازن الاجهزة التي بعضها في مخازن خارجية وأخرى لا زالت في المطار منذ بداية مارس الماضي وأشار إلى أن عددا من الجهات الأمنية والنيابة والمحكمة أصدرت عدة أوامر لإلقاء القبض القهري عليه حين كان مسافرا خارج البلاد وحين عاد لم يجد أي مبرر لذلك. طه: لا يملك القاضي إلغاء قراره المحامي/ طه محمد خالد اعتبر ما حدث في قضية المستثمر من بطء ومماطلة أمراً لا يشجع المستثمرين على الاستثمار في البلاد، مشيرا إلى أن المحكمة التجارية أصدرت قرارات تنفيذية في القضية تراجعت عنها بين عشية وضحاها فأوقفت إجراءات التنفيذ ثم أصدرت قرارها خارج مجلس القضاء وهو ما عدها مخالفة للقانون، فحسب قوله المحكمة الابتدائية لا تملك الحق في إيقاف التنفيذ وذلك من اختصاص محكمة الاستئناف بناء على طلب مقدم إليها وبشرط وقوع الخشية من ضرر يجب تداركه وأضاف: من المعلوم ان القاضي إذا أصدر حكما أو قرارا لا يملك حق إلغائه ولكن ما حدث ان القاضي استبدل قراره بقرار مبني على إجراءات وصفها بالباطلة، ونوه المحامي طه أن قاضي التنفيذ في المحكمة التجارية ابتدع أكثر من بادرة خطيرة الأولى إلغاء قراره وطلب أن يكون التنفيذ عبر المحكمين والثانية إصداره قراره بأن المحامي طالب التنفيذ ليس له صفة بعد عشر جلسات، مشيرا إلى أن الوكالة التي سبق للقاضي قبولها عاد ليقرر عدم صفتها واعتبر طه ذلك القرار ليس سوى تعسف جديد ومحاولة لتطويل القضية حتى إشعار آخر، وفي ختام تصريحه دعا المحامي طه محمد خالد من يهمه أمر هذا البلد إلى إدراك القضاء التجاري رحمة بالاستثمار الذي يفتقد الحماية القضائية والذي حول اليمن إلى بيئة طاردة للاستثمارات. العزي: الدولة لا تقبل أحكام القضاء المحكمة الابتدائية شبه مكتملة وتم تزويدها بقضاة شباب وتقوم بدورها بشكل جيد إلا أنها تعاني من ضغط عمل، هذا ما أدلى به المحامي/ عبدالله العزي حول المحاكم التجارية، مشيرا إلى أن أصعب القضايا التي تصل القضاء التجاري هي القضايا التي تكون الدولة طرفا فيها كمدعى عليه فتكون هناك صعوبة كبيرة في تنفيذ الأحكام، خصوصا الأحكام التي تلزم الدولة الامتناع عن إجراء كقضية جامعة العلوم التطبيقية ووزارة التعليم العالي التي لا زال ملفها مفتوحاً رغم أن المحكمة التجارية أصدرت حكما لصالح الجامعة بالتنفيذ الجبري كون الإجراءات التي اتخذت بحق الجامعة مخالفة للقانون الذي لم يحق الوزارة سحب الترخيص أو إيقاف الجامعة إلا بحكم قضائي وحول قضية رفيق الشرعبي وعبده المدعي اعتبر العزي محامي المؤجر أنها قضية تنفيذية وقدمنا استشكالاً بان المحكمين هم المرجعية ولم يبق سوى التأكد من المحكمين، فالمهندسون رفعوا تقريرا وملاحظات عامة دون تحديد ويتم تنفيذها وهناك أشياء تم الاتفاق على تعديلها مع المستأجر والقاضي يريد حضور المحكم صادق سرحان والمحكم الآخر للفصل في القضية. الجدير ذكره أننا علمنا في المحكمة أن المستثمر الشرعبي سيواجه في الأسابيع القادمة دعوة إخلاء المبنى رغم أن المستأجر دفع 165 ألف دولار إيجار عام. المدعي: ليست لدي مطالب أما المؤجر عبده عبدالله المدعي الذي أفاد بأنه أنجز التشطيبات التي عليه للمبنى الذي كلفه حسب قوله 7 ملايين دولار ولم يسبق له أن وصل المحكمة، لأن المستثمر حسب قوله ما يطالبش بالمحكمة، مؤكدا عدم وجود أي مطالبة له، متهما الطرف الآخر باستغلال عقد الإيجار للحصول على قروض من البنوك. الشبوطي: هناك تجاوزات وقصور المحامي رافع الشبوطي من جانبه أشار إلى أن ثمة قصوراً في أحكام القانون وأحيانا تجاوزات في عملية تسجيل العلامات التجارية التي احتلت المرتبة الأولى في المنازعات التجارية وعزا الشبوطي ذلك القصور إلى عدم دقة الجهات الرسمية في تسجيل العلامات التجارية وعدم مراعاة الأسبقية وأضاف أن القضاء التجاري قضاء نوعي وله سمات معينة وفقا للقانون، منها السرعة والنظام والتميز عن القضاء العادي وهذه السمات فيها قصور حيث يتم تطويل الأحكام والتطويل في المنازعات أكثر من اللازم كقضايا الشيكات التي لا تحتاج إلى أكثر من جلستين ويحول حولها الحول، مشيرا إلى أن قضايا الشيكات والإيجارات والشركات والشراكة بشكل عام من أكثر القضايا التي يتسلمها المحامي في المحكمة التجارية. سلام: هناك قصور مشترك بقدر ما للقضاء التجاري من إيجابيات له سلبيات، فقد لا يكون المنفذ ضده مواطنا واحداً بل تطال التداعيات عشرات المواطنين الذين يجدون أنفسهم ضحايا لحكم المحكمة التجارية لم يراع نوعية المحل الخدمي المنفذ ضده خصوصا المغاسل والفنادق واللوكندات ومكاتب الصرافة ومكاتب الخدمات الأخرى التي يترتب على إغلاقها معاناة عشرات إن لم تصل المئات من المواطنين الذين يجدون حقوقهم في كفة الإشارات الحمراء التي تضعها المحكمة على واجهات تلك المنشآت الخدمية ذات التردد الشعبي، المحامي في المحكمة الابتدائية التجارية في أمانة العاصمة يوسف سلام عزا ما يترتب على تلك الأحكام إلى قصور قانوني في الجوانب الموضوعية للتنفيذ بما يخص الجوانب التجارية، منوها إلى أن التنفيذ يكون في مواجهة المنفذ ضده ولا يتم الأخذ بالاعتبار الجوانب المترتبة عليها، مشيرا إلى أن هناك أناساً كثر يتضررون من إجراء التنفيذ على العين المنفذ ضدها ولا يلتفت إليهم وهو ما عده إشكال من إشكالات التنفيذ للأحكام التجارية التي تكون مشمولة بالنفاذ بمجرد صدورها ولكنه حمل المنفذ ضده المسئولية عن مصالح الآخرين، خصوصا وأن مدة التنفيذ 7 أيام وهنا يكون التقصير من المنفذ ضده المحكم في ترتيب مصالح الآخرين. حق الحصول على المعلومة من أجل استسقاء المعلومة من مصدرها ذهبنا يوم الأربعاء إلى المحكمة التجارية وتقدمنا بطلب حق الحصول على المعلومة إلا أن سيادة القاضي/ نبيل النقيب وجه مدير المحكمة الذي تعاون معنا بعدم تزويدنا بأي معلومة، موجها تهديداً استباقياً لكل من سيدلي بأي معلومات بأنه سيحال للتحقيق. وفي يوم السبت ألقت الشرطة القضائية في المحكمة القبض على كاميرا الصحيفة وصادرتها لمدة نصف ساعة. بدورنا نشكر القاضي النقيب رئيس المحكمة الابتدائية على سعة صدره الذي نتمنى أن يتسع لكل من يسعى وراء الحقيقة.