توجيهات خارج المرمى والتعب مستمر في مضمار الشريعة والتقاضي في اليمن تظهر مؤشرات بين حين وآخر تؤكد حجم الكارثة والمأساة التي تعتصر أصحاب المظالم والحق حينما يختارون القضاء ملجأ لإنصافهم واستعادة حقوقهم وخيارا وحيدا لإقامة العدل فإذا بهم يقعون في "مطبات" إعاقة مهلكة للروح والجسد معا في آن. وفوضى تغتال أشواقهم وآمالهم وكل أمانيهم الخضر ورجاءاتهم المتبتلة عند أول عتبة قضائية يضعون عليها خطوتهم الأولى في مشوار البحث عن الإنصاف العادل، وفي حال وصولهم إليه يبقى لسان الحال "ما هم ببالغيه إلا بشق الأنفس وبلوغ القلوب الحناجر". في القضية التالية ربما نموذج يسير من هذا العبث الذي نتمنى أن يكون لا إراديا لا يتوفر فيه القصد الجنائي في إرهاق خلق الله. منذ 15/2/2009م والمواطن المحكوم له حمود حسن مثنى البهرمي يطوف بين أجهزة القضاء ذهابا وإيابا باستثناء يومي الخميس والجمعة، طلبا تنفيذ حكم قضائي بعد أن استنزف منه الكثير من الجهد والوقت والمال وتعب لأجله تعبا ثقيلا حتى وصل إليه في ظل بيروقراطية إجرائية لا تأمن فيها على روحك من التلف تعبا وغنائك من الفقر غرامة. إلا أنه وبعد صدور الحكم من لدى القاضي الجزائي بمحكمة غرب الأمانة في القضية الجنائية رقم (134) لسنة 1429ه ضد المحكوم عليه (ع.ع.ع.ح) بالحبس سنة ونصف من تاريخ القبض عليه مع النفاذ إلى جانب إلزامه بدفع مبلغ مليون وأربعمائة وعشرة آلاف وخمسمائة وسبعين ريالاُ للمدعي حمود البهرمي وكذا إلزامه بدفع التعويض وأتعاب التقاضي وأجرة المحاسب القانوني. تفاجأ البهرمي عند متابعته النيابة المختصة لتنفيذ ما قضى به منطوق الحكم بأن وكيل نيابة غرب الأمانة يوجه رسالة إلى عضو التنفيذ عنونها ب"عاجل جدا" تضمنت تفسيراً ل"مع النفاذ" التي وردت في منطوق الحكم بقوله "إن شمولية العقوبة بالنفاذ المعجل يتطلب أن يصدر من القاضي في المنطوق بند خاص بذلك" وخلص في تفسيره في الرسالة -التي تحتفظ الوسط بنسخة منها- إلى أن كلمة النفاذ تعني شمولية العقوبة وليس شمولية النفاذ، وعلى ضوء ذلك وجه عضو التنفيذ بإيقاف إجراءات التنفيذ في صورة يقول عنها البهرمي في شكواه إلى النائب العام إنها مخالفة صريحة لقانون الإجراءات الجزائية وتعليمات النائب العام. وأشار إلى أن وكيل النيابة سعى إلى اختلاق تفسير آخر بحجة أن القاضي لم يورد فقرة مستقلة في منطوق الحكم مع أن كلمة النفاذ الواردة واضحة لا تحتاج إلى تفسير وتوجب على النيابة تنفيذ الجانب المتعلق بالعقوبة السالبة للحرية بحبس المتهم تنفيذا لمنطوق الحكم وتطبيقا للقانون، وبحسب البهرمي فإن قرار تفسير منطوق الحكم الصادر عن القاضي الذي انتهت ولايته في القضية والذي أشار إليه وكيل النيابة في رسالته لا يلتفت إليه لأن وقف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية التي تقترن بالنفاذ لا يكون إلا من اختصاص محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم. العجيب في القضية أن توجيهات عدة صدرت من النائب العام واحد منها صدر بتاريخ 27/5/2009 ثم توجيه إلى رئيس نيابة شمال الأمانة بتنفيذ الأحكام الصادرة في القضية وفقا للقانون وآخر بتاريخ 28/5/2009م إلى المكتب الفني للإطلاع ودراسة ما ورد في مذكرة المجني عليه حمود البهرمي والعرض بالرأي القانوني ليأتي الرأي بالعمل بما جاء في الحكم ووجوب تنفيذه ولو مع حصول استئنافه عملا بنص المادة (475/6) أ.ج كما في مذكرة خاطب فيها المحامي العام الأول رئيس نيابة استئناف شمال الأمانة بتاريخ 30/6/2009م إلى جانب توجيهات أخرى من رئيس نيابة استئناف شمال الأمانة بتنفيذ ما جاء في مذكرة المحامي العام الأول. كل هذه التوجيهات وما سبقها من حكم قضائي واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء ما تزال حبيسة لم تجد طريقها إلى التنفيذ وهو ما جعل المواطن البهرمي يناشد كل رجالات القضاء والقائمين عليه للإطلاع على شكواه وتظلمه، طالبا العمل على تنفيذ حكم القضاء الذي احتكم إليه إحقاقا للحق وانتصارا للعدل والقانون، حتى لا يفقد الناس ثقتهم بالقضاء واستقلاليته والأحكام الصادرة عنه.