كتب/ د. محمد قيس لاشك ان المجتمع اليمني اليوم في حيرة كبيرة مما يدور في صعدة، حيث اننا صحونا على حدث مرعب حقا لم يكن يخطر ببال احد من المراقبين العاديين للازمة منذ بداية اندلاعها في 2004 وظهر جليا حجم الاستعداد الهائل للمتمردين الحوثيين وانه ليس وليد اللحظة بل ثمرة لجهود بذلوها لاكثر من عقدين من الزمان تقريبا من البناء الروحي والتدريب المسلح. وهنا يحق لنا ان نتساءل: اين دور الاجهزة المختلفة للدولة ، سياسية واستخبارية ودبلوماسية وقانونية وقضائية ورقابية ... الخ ؟ لماذا تساهلت الى هذه الدرجة في مسألة حماية الامن القومي ووضع حد للتدخلات الخارجية ومراقبة الدعم الخارجي المشبوه لجماعات في المجتمع تناصب العداء باقي فئات المجتمع اليمني ، وقد تم ذلك تحت سمع وبصر الاجهزة المختلفة المناط بها حماية الامن والقانون والتصدي لاي تهديد داخلي او خارجي ، ظاهراً او كامناً ، لسكينة المجتمع واستقراره. ووظيفة الدبلوماسية الاساسية لاي دولة تتمثل في تعزيز العلاقات مع الدول الاخرى وبما يقي المجتمع شر اي تهديد خارجي يمس امنه ووحدته ومعيشته . ومن الناحية العملية تعتبر الدبلوماسية بأنها فن استخدام العناصر المختلفة لقوة الدولة بصورة سليمة واستغلالها الى اقصى حد ممكن لتحقيق الهدف ، ويقوم بها الجهاز التنفيذي المختص بادارة العلاقات الرسمية مع الدول الاخرى ساعيا الى تحقيق افضل النتائج بالادوات والاساليب المتوفرة لديه ، ويقصد بالجهاز التنفيذي وزراة الخارجية والبعثات الدبلوماسية التابعة للدولة في الخارج. ولكي تنجح الدبلوماسية في عملها فانها تحتاج الى دعم ومساندة أجهزة الدولة الاخرى ذات العلاقة بالقضايا الحيوية المتعلقة بالحفاظ على السيادة الوطنية ورعاية المصالح القومية في الداخل والخارج. وفي العصر الحاضر تقوم الدبلوماسية باعباء اضافية وذلك نظرا لبروز الصراع العقائدي واستخدام الدعاية لتصعيده وهذا اضطر العمل الدبلوماسي في بعض الحالات الى الخروج عن مساره التقليدي والطبيعي بان تحول الدبلوماسي للعمل السري والتجسس ودعم عمليات الارهاب وحبك الدسائس واستمالة بعض الاحزاب السياسية الى غير ذلك من التجاوزات التي تتعارض مع مضامين وقواعد اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسة الموقعة في عام 1961. من ناحية ثانية اذا نظرنا لدور الدبلوماسية اليمنية في ادارة العلاقات مع ايران فاننا نكتشف- بكل سهولة- ضعفاً كبيراً في ادائها لوظائفها، خاصة فيما يتعلق بمعالجة ملف صعدة ووضع حد للتدخل الايراني المذهبي الغريب عن معتقداتنا الوسطية والمعتدلة وذلك باستغلال ظروفنا الاقتصادية السيئة وفساد الادارة، حيث استاطعت طهران تجنيد بعض اليمنيين وغسل ادمغتهم واغراءهم بمختلف الوسائل مما جعلهم يداً طيعة لتنفيذ مخططاتها التوسعية. لقد عملت السفارة الايرانية في صنعاء بحرية تامة في استقطاب عناصر معادية للنظام القائم وكذا للنظام السعودي في حين غاب دور السفارة اليمنية في طهران المفترض في وضع حد للتدخل الايراني السلبي في الشأن اليمني وذلك يعود الى ارسال دبلوماسيين متعاطفين مع افكار النظام الايراني المتطرفة مما جعلهم يغضون الطرف عن تحركات قيادات الحوثيين من والى ايران ، ومما زاد من المشكلة ان اغلب دبلوماسيينا العاملين في ايران لايجيدون التحدث بالفارسية وهذا ادى الى عزلهم عن المجتمع الايراني فلم يستطيعوا اقامة علاقات واسعة مع مختلف شرائح المجتمع الايراني لجمع معلومات تتعلق بسياسة طهران تجاه اليمن. وفي هذا الصدد كان ينبغي ان تقوم وزارة خارجيتنا باستخدام الاساليب الدبلوماسية لافهام ايران بخطورة الاعمال التي تقوم بها على الامن اليمني الداخلي وذلك بالتنبيه والاحتجاج الرسمي وسحب السفير واخيرا قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وهي اساليب دبلوماسية معروفة تستخدمها الدول للضغط على غيرها واجبارها على تحسين سلوكها الضار بامنها واستقرارها. ألم تكن سلطتنا تعلم ان السياسة الخارجية الايرانية تحمل بعدا ايديولوجيا عقائدياً تسعى لتصديره الى الخارج بكل ما اوتيت من قوة ؟ ثم لماذا لم يتم اتخاذ احتياطات مناسبة لافشال الخطط القارسية سلميا وبأقل خسائر ممكنة ؟ فماذا حدث بالضبط ؟ هل تم تضليل وزارة الخارجية بمعلومات خاطئة من اجهزة الدولة في صنعاءوطهران ام العكس بمعنى ان قيادة الدبلوماسية تساهلت او تكاسلت عن توعية رأس الدولة والاجهزة التابعة بما يحدث من تغلغل فكري وسياسي متزمت مدعوم بسخاء من طهران رسميا وشعبيا ؟. لقد ذكر الباحث عادل الاحمدي في كتابه الزهر والحجر امثلة كثيرة للدعم الايراني لفئة محددة من المجتمع اليمني دون سواها اضافة الى كتاب آخرين. وفي مطار صنعاء تم ضبط قادة طائفييون من صعدة قادمين من طهران وبحوزتهم مئات الآلاف من الدولارات، حتى ان رئيس الجمهورية نفسه علم بالامر ولكنه غض الطرف لاسباب غير معروفة، قد يكون من بينها سماحه للجماعات بتلقي دعم خارجي ولكن على شرط عدم الاضرار بالأمن والاستقرار. والآن نحصد نتائج ذلك التساهل السلبي وللاسف بتضحيات جسيمة. علاوة على ذلك يبدو ان المسئولين عن الدبلوماسية نسوا ان طهران مازالت حاقدة على اليمن من عدة مواقف ومن ذلك موقف الرئيس صالح من حرب الخليج الاولى بين العراقوايران ولن يغفر قادة طهران ذلك الحدث ما داموا في السلطة. والموقف الثاني عداؤهم للوحدة بسبب ذكر الخليج العربي بدل الخليج الفارسي في اتفاقية الكويت وطرابلس المتعلقتين بتحقيق الوحدة بين شطري اليمن والموقعة في 1972 حيث قدم نظام الشاه حينذاك احتجاجاً رسمياً. ومن ناحية اخرى يسعى النظام الايراني الى منافسة النفوذ السعودي في اليمن ، ليس المنافسة البناءة ، ولكن لعرقلة اي تقارب يتم بين صنعاءوالرياض لان ذلك يقود الى ظهور قوة اقليمية تهدد المشروع الفارسي التوسعي الذي يستظل بعمائم مزيفة. لذلك يهرع الايرانيون في اليمن كلما سمعوا ان السعودية قدمت مساعدة ما لليمن ، فعندما فتحت السعودية مستشفى في اليمن سارعت ايران لفتح مستشفى ضرار في صنعاء وعندما سمعوا ان الرياض تريد بناء مكتبة عامة في صنعاء هرعوا بتقديم عرض لبناء اكبر مكتبة في اليمن على نفقتهم الخاصة وبشرط ان يشرفوا على ادارتها وتزويدها بالكتب ، طبعا كتب طائفية بالدرجة الاولى ، وفي عالم اليوم الذي يشهد تطورا علميا وتكنولوجيا مذهلا في كل ميادين الحياة يحرص قادة النظام الايراني على الدفاع باستماتة عن بقاء الاضرحة التي يدعون ان بها " اولياء " وهي في الحقيقة ذات بعد سياسي طائفي فقط وتستغل لنشر الشعوذة والخرافات. والحقيقة ان تقييم اداء الدبلوماسية اليمنية يحتاج الى ابحاث كثيرة لوضع النقاط على الحروف وهذا المقال هو محاولة لوضع اليد على السلبيات لدراستها والاستفادة من مؤشراتها ، والنقد البناء يصب في سبيل المصلحة الوطنية ، عامة وخاصة ، وهو ليس تجريحا لاحد او تعريضا بأي كان وانما هو بداية الطريق الصحيح للبناء والتطوير ، ثم ان التركيز على السلبيات لايعني عدم وجود ايجابيات حققتها الدبلوماسية اليمنية تجاه قضايا اخرى ، فالأعتراف بالخطأ ( .... ) فضيلة. ثم اننا اذا لم نستفد من الاخطاء لتدارك وقوعها مرة اخرى فانها قد تحدث في علاقاتنا مع الدول الاخرى ، خاصة في عالم اليوم المفتوح بعضه على البعض الآخر ، وعليه تحتاج الدبلوماسية اليمنية الى تنشيط وجاهزية عالية للتعامل مع متغيرات العصر بكفاءة واقتدار وليس الاقتداء بالنعامة التي تواجه الخطر بدفن رأسها في التراب. وينبغي ان يكون اهتمام الدبلوماسية في علاقتها بالدول الخارجية هو الجانب الاقتصادي اكثر من اي مجال آخر، فنحن دولة متخلفة بكل المقاييس ونحتاج الى تحسين اوضاعنا الاقتصادية وبما ينعكس ايجابيا على مستوى المعيشة لكافة افراد المجتمع. ختاما نذكر القارئ الكريم ان ايران تسعى الى زعزعة الاخوة الاسلامية والوحدة الوطنية بين اليمنيين وقتل بعضهم ببعض وهي تنظر من بعيد ، اي تتحكم بالريموت كنترول ، فدم اليمني وحياته لايعني لها شيئا بقدر خدمته لمصالحها ومشاريعها التوسعية في المنطقة. وما يجدر ذكره هنا ان قيمة الاجنبي لدى الايرانيين اهم بكثير من قيمة اليمني والدليل على ذلك ان الايرانيين قاموا باعتقال جنود بريطانيين وهم داخل المياه الاقليمية الايرانية ومع ذلك تعاملوا معهم بكل احترام وتقدير فافرجوا عنهم بسرعة فائقة واهدوا كل جندي هدية ثمينة من بينها ورود وزهور جميلة وودعوهم سالمين غانمين الى المطار بكل حفاوة واهتمام. وفي المقابل يقوم الايرانيون باهداء اليمنيين المال والسلاح ليس للبناء والسلام ولكن للاقتتال واعلان حرب طائفية ملعونة هي ومن اشعلها ... فهل يعي اليمنيون حجم المأساة التي حلت بهم والمؤامرة التي يضحون بأنفسهم وقودا ليجني ثمارها الآخرون؟.