كتب/ عبدالعزيز البغدادي قضية الوعي وبنائه قضية أزلية تحكمها البنية المعرفية القائمة على نظرية التراكم المعرفي وأعتقد أن من أسرار استمرارية الحضارة الإسلامية كواحدة من أهم الحضارات التي فتحت آفاقا لا يمكن تجاهلها أمام العقول والرؤى الباحثة عن بقاء حيوية قاعدة (العقل هو مناط التكليف) وإطلاق الاكتشاف واكتساب المعرفة ولهذا كان الاجتهاد المفتوح من أهم خصائص العقيدة الإسلامية الذي حافظ على قدر من حيويتها واستيعابها للجديد من الأفكار والرؤى والأجد من المبتكرات والاختراعات التي صار المسلمون اليوم مع الأسف هم الأبرز بين متلقيها كمستهلكين لها ونوع من عدم الاحترام أحيانا والادعاء أحيانا أخرى أقصد ادعاء أن تلك المنتجات إنما هي بضاعتنا ردت إلينا! وهو ادعاء ناتج عن جهل وغرور لا يورثان سوى مزيد من الخمول والتبلد. إن قضية الاجتهاد وإعمال العقل لا تزال مثار خلاف عند بعض البلدان التي تدعي تطبيقها للشريعة الإسلامية وتزايد عند صياغة دساتيرها للنص على اعتبار أن الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للقانون ليصبح المفهوم الخاطئ لهذا النص وسيلة من وسائل تمييع النصوص القانونية وعدم ضبطها للعلاقات بين الأفراد بما يحفظ الحقوق والواجبات بنصوص لا تقبل تعدد التأويلات واختلاف المعاني وتترك للأمزجة الشخصية فرصة التلاعب وأحيانا لانتهاك الحقوق والحريات بذريعة الحفاظ على المقدس وحماية العقيدة! ومن الغريب جدا أن نكون في بداية القرن الواحد والعشرين ولا نزال نختلف حول قضية هل نعمل العقل وهل نفكر ونجتهد ونبدي آراءنا فيما نفكر فيه أم أن ذلك يقع في منطقة المحرم بل والمعاقب عليه! كما حدث مع الكاتب معاذ الأشهبي الذي كتب مقالا حول التشكيل في القرآن الكريم يتلخص مضمونه في أن القرآن في البداية كان دون تنقيط ودون حركات الضمة والفتحة والشدة والسكون وعندما وضعت الحركات والنقاط على الحروف وجدت بعض الالتباسات والأخطاء التي وقع فيها كثير من المفسرين وأورد في المقال بعض الأمثلة داعيا إلى عدم تقديس آراء المفسرين لكي يبقى النص القرآني حيا وصالحا لكل زمان ومكان ولا يبقى كذلك إلا إذا تركنا للعقل وهو المخاطب في هذا النص القرآني (حمال الأوجه) إذا تركنا للعقل البشري المتطور فسحة من الفهم والتأويل والقراءة الواعية له. لقد تضافرت جهود عدد من الإخوة المنتسبين للهيئة التي أسميت هيئة الفضيلة مع جهود نيابة الصحافة مع الأسف تضافرت جهودهم للاعتداء على حرية الكاتب الأشهبي ولتمس سماة العقيدة الإسلامية مسا مباشرا وملغياً لكثير من نصوص الكتاب والسنة منها قوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقوله عليه الصلاة والسلام من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر). فإذا افترضنا جدلا أن الكاتب أخطأ فإن له أجر ولم يقل حبس!! والمؤسف أن القاضي منصور شايع قد استجاب لقرار الاتهام الباطل فأصدر حكما باطلا كونه اعتمد على شبهة انطباق المادة (300) إجراءات وعطل نصا دستوريا صريحا هو نص المادة (47) من حيث النفاذ المعجل وقبلها تسرع في الحكم بالإدانة على فعل مباح وهو موضوع علمي بحت جرت مناقشته ولا يزال محل مناقشة منذ بداية الإسلام ومكان هذا الموضوع الصحافة والكتب وليس المحاكم وهذه الحقيقة مع الأسف كانت في الماضي محل اعتبار ولم تعد كذلك في عهد الإنترنت وثورة المعلومات كما قررت هذه المحاكمة التي أعطت رسالة تثير الفزع لكل فكر تلك الرسالة هي أن العلم والتفكير العلمي جريمة!! والسؤال للإخوة في هيئة الفضيلة هل مخالفة الكتاب والسنة صارت من الفضيلة؟! وما قولكم -رحمنا الله وإياكم- في قوله تعالى "ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى". وهل من التقوى أن نحرض النيابة والمحكمة على سجن شاب جريمته أنه أراد التفكير وعبر عن فكره؟!