كثر الحديث و الجدل بين أهل العلم وأهل الصحافة وأهل السياسة وأهل الثقافة في شان تأسيس هيئه الفضيلة أو ما أطلق عليه مؤخرا ب (هيئه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، بل لقد تعدى البعض ذلك الجدل لينتقل للأسف الشديد إلى دائرة الاتهامات المتبادلة التي وسعت الفجوة وزادت من حدة الشكوك وسوء الظن بين الطرف المؤيد والطرف المعارض لإنشاء هذه الهيئة. وقد تناولت بعض الصحافة بنوعيها وبعض الكتاب في بلدنا هذا الموضوع بشئ من المبالغة والهجوم غير المبرر المبني في معظمه على سوء الظن وتسييس الموضوع واستباق الأحداث والخوض في النوايا وبالمقابل رد بعض العلماء على المعارضون بشئ من العلم وأشياء أخرى من الاتهامات الظنية والهجوم الغير مبرر أيضا والذي اخرج الجميع من فقه الحوار وإعمال العقل والحكمة في طرح القضايا الوطنية والمعالجات الاجتماعية والأخلاقية التي اعتقد إنها تهم الجميع. العلماء ورثة الأنبياء وهذا شئ لا يجهله إلا جاهل ودور العلماء في المجتمع بحسب نصوص القران الكريم والسنة الشريفة دور محوري وهام بل ومساند لدور الحكام في كل زمان ومكان ولا نخرج عن الحقيقة التاريخية إذا قلنا ان فترات ازدهار الحضارة الإسلامية عبر التاريخ هي الفترات التي كان فيها ذلك الترابط القوي بين الحكام العدل والقضاة العدل والعلماء المعتدلين. والإسلام كما نعلم جميعا هو دين الوسطية وبالتالي هو دين الاعتدال, وهذا لا يعني ان المجتمع الإسلامي عبر تاريخه الطويل والحديث لم يخلوا من المتطرفين أو المتعصبين أو المغالون في الدين أو المتشددون في الفكر والسلوك ونحن هنا لا نتهم أيا من الطرفين بما سبق حاشا والله لأننا والحمد لله كمجتمع يمني مسلم نمتاز عن غيرنا من المجتمعات الأخرى بالكثير من المزايا منها الاعتدال الديني والوسطية في فهم الشرع والنصوص والأحكام بصرف النظرعن القلة القليلة من المتعصبين والمتشددين أو المتطرفين هنا أو هناك لأنهم لا يمثلون رقما يخشى منه على الغالبية المعتدلة. ما نريد تأكيده هنا من هذه القضية الخلافية على الساحة الوطنية هو ان الأطراف كلها سواء من أيدّ من وجهة نظره الخاصة إنشاء هيئه للفضيلة أو من عارض من وجهة نظره الخاصة أيضا ان أحسنا الظن ببعضنا نصل إلى نتيجة بناءة مفادها ان الجميع يريد الخير والصلاح للمجتمع اليمني ولكن كلا بحسب نظرته الخاصة التي يجب ان تحترم إذا أردنا الوصول جميعا إلى الغايات التي نرجوها من هذا الجدل أو الاختلاف والتي لابد ان تصب في النهاية لما فيه مصلحه البلاد والعباد. إذن لابد هنا من إثراء الفكر وإعمال العقل والمنطق والحكمة في طرح الأشياء وهو ما يجب ان نمتاز به نحن اليمنيون اليوم كما امتاز به آبائنا وأجدادنا من قبل و بشهادة من لا ينطق عن الهوى نبينا عليه الصلاة والسلام عندما امتدح أهل اليمن في حديثه المشهور ( الإيمان يمان والحكمة يمانيه والفقه يمان). نعم الحكمة التي اعتقد من وجهه نظري إنها غابت عن الطرفين في تناول هذه المسالة أي الطرف المؤيد لإنشاء هذه الهيئة والطرف المعارض لها وهو ما سنقوم بتوضيحه بشكل مفصل في المحور الآخر من موضوعنا هذا ان شاء الله. وقبل ذلك لابد من التأكيد هنا إلى ان العلماء كما أسلفنا ورثة الأنبياء ولكنهم في النهاية بشر يصيبون ويخطئون ولا اعتقد ان(عالم ما ) من العلماء صرح يوما انه معصوم من الخطأ وان كلامه أو اجتهاده في مسالة ما لا تقبل النقاش أو الرد أو الاجتهاد المقابل لأننا نؤمن جميعا بالحديث الشريف الذي يقول (اختلاف أمتي رحمه) وبالتالي من يتمسك بموقفه أو برأيه أو باجتهاده ويرفض مجرد النقاش أو الحوار في هذا الرأي أو الموقف أو الاجتهاد فانه قطعا دخل دائرة التشدد والغلو أو الجمود الذي لا يقره دين أو شرع. وإنشاء هيئه خاصة بمتابعه الظواهر السلبية واللاخلاقية في المجتمع مسالة ايجابية من حيث المبدأ وتهم الجميع حتى وان اختلفنا في النظرة أو الوسيلة بل لابد هنا من الدعوة الصادقة من قبل الجميع لتفعيل دور العلماء و دور الدولة بمؤسساتها المختلفة ذات العلاقة من هذه الناحية, واللبس الذي حدث وسوء الظن أو الاتهامات المتبادلة التي وقعت اعتقد أنها لا تخدم احد وبالتالي اعتقد أننا هنا لا نخرج عن الحقيقة إذا قلنا ان هذه الحالة الخلافية الغير صحية في هذه المسالة سببها الطرفان معا أي الطرف المؤيد الذي يمثله بعض العلماء والمشائخ والطرف المعارض الذي يمثله بعض المتخوفين إذا صح التوصيف من بعض المثقفين أو الصحفيين أو الساسة وهو ما سنقوم في موضوعنا القادم ان شاء الله بتوضيحه وبالأحرى تشخيص هذه المسالة بشئ من الكلام الموضوعي الذي سنجتهد من خلاله قدر المستطاع وبحسب فهمي المتواضع الذي لا يضاهي قامات مشهود لها على الساحة وقد أصيب أو اخطأ في التقدير. فان أصبت فاسأل الله ان يصل اجتهادي هذا إلى المعنيين من هذه المسالة لنساهم حتى بالكلمة في التقريب وردم الفجوة التي نشأت وان أخطأت فاعتذاري هنا يسبق موضوعي الموجه إلى الطرفين معا والى القراء الأعزاء الذين قد يختلفون معي فيما سأذهب إليه وارجوا ان أكون ممن شملتهم هذه القاعدة ( من اجتهد وأصاب فله عند الله أجران ومن اجتهد واخطأ فله اجر )... والله من وراء القصد .....