*صالح مكحل البجيري قبوة كاذي إن أرادت.. نبتة عليقية شيطانية في أغلب أحوالها، عثرت فيها كائنات كثيرة، لينين، ماركس، بن لادن، عبدالفتاح إسماعيل، علي ناصر محمد، جملهم الثورية.. شطحاتهم الرومانسية، وزخات بنادقهم، وشظايا داناتهم لا زال صداها يتعالى من حين لآخر، غير أن أسوأ من عثر فيها هو انسانها.. قاطنها المحاصر بضجيج الشعارات صباحا ولعلعة الرصاص ورجفة المدافع مساء!. يوما ومنذ أربعمائة عام كانت الأدر أي الظلمة لأنها توسدت الأحراش، ومنذ أن وجدت بدأ الترحال إليها ومنها إلى الأحضان المتاخمة لها.. سوق للتبادل التجاري. عرفت اتحاداً قبليا قائماً على الحمى سمي بالعواذل وما كان لها أن تكون إلا لأنها هشة الجغرافيا لموقعها المتوسط، هكذا عاشت لأربعة قرون سلطوية قائمة على عرف قبلي يوفر الحد الأدنى من الأمان والعيش والدفاع عن الحمى، ثوابت فقدها العوذلي في أواخر أيام المستعمر في نهاية ستينيات القرن العشرين. لم يكتف عهد الاستقلال بخروج السلاطين، واستهدفت رموزه بالتنكيل، وممثلي الدين الشعبيين وعلى بساطتهم لم يسلموا هكذا عبث العهد الجديد بثابتين وجدانيين لدى اليمني أمضى سلاحين لإسقاطه في منتصف السبعينيات، وهذا يثبت أن السلطة وأي سلطة يترتب على حكمها ثأر ستدفعه مرغمة طال الوقت أم قصر.. وهو الأمر الذي تعامت عنه الأيديولوجيا لتدفعه صاغرة بعد أربعين عاما وأكثر. ولم يكد العام 95م يكتمل حتى اختمر تاريخ من الأسى، فلم تخل قرية و"الأدق" أسرة في حياض مديرية لودر إلا وكان لها فقيد أو جريح، أو من يعتصر ألم السنوات التي قضاها في المعتقل أو المنفى، أو مع اكتمال العام كان ربع رجال المديرية قد نزح إلى الشمال. استفاقة الثأر عام الوحدة.. عام استفاقة لم تدم سوى لأشهر وانقشع الغبار فإذا بها استفاقة المتغطرس الذي يطلب ثأرا.. وانتقل الكثيرون من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وبدا وكأن الناس لأول مرة يتعرفون على دينهم، وظهر ارتصاص عقدي جديد مقابل ارتصاص عقد يضمحل ويتهاوى، وعلى كثرة ما بني من مساجد ودور وعظ ووعاظ لم يلعبوا دورا تنويريا، يدعو إلى التسامح وعدم الاقتراب من مطمور الماضي بل زاد الأمر تشظيا سياسيا واجتماعيا. وتجلت ثقافة الفيد في كل الممارسات والسلوكيات، فما كان متعافيا من مؤسسات البنية التحتية وقع في أيدي المتنفذين. وأفرغت الساحات من المكائن والبلدوزرات، وبدأ العبث بمقدرات المديرية، والجميع فاغرو الأفواه مسلوبو الإرادة ينظرون بسلبية ودهشة، وهكذا توالت على المديرية إدارات هزيلة، ومجلس محلي في عهده الأول حافظ بقدر ما على القليل مما بقي، وفي عهده الثاني كان وبالا على المديرية ووجدت لوبيات الفساد السياسي لنفسها موطئ قدم وسعت في صراعها مع بعضها إلى جعل لودر بؤرة موات من الحياة المدنية والدستورية وساحة يستفحل فيها الاحتقان السياسي، وبالتزامن مع كل ذلك تهدم كل يوم لبنة من بنيتها التحتية. فكهرباؤها تهترئ ماكناتها وتتوقف وشركة تبيعها الطاقة بأغلى من تكلفتها ولا تقدم من الإنارة سوى ساعات قليلة. ومشروع للمياه، وهو أهم مشروع حيوي تحتاجه مدينة لودر، أنفقت عليه أرقام فلكية من الأموال، أسفنجة لا ترتوي فلا آبار مؤهلة تغطي احتياجات السكان وشبكة معرضة للسلب. وخدمات صحية لا تقدم الحد الأدنى من العافية بعد الله لمحتاجيها بل تزيدهم ضنكا مضافاً لآلامهم. أما التربية والتعليم وهي ثالثة الأثافي: يجعل المرء يتحسر على أيام الكتاتيب والمعلامات والإدارة فيها عمياء وكسيحة وكادرها نهم لا تشبعه الريالات التي لا يعمل ثمنها والضحية الطالب المسكين الذي وجد في القات وأشياء أخرى مستكناً له من كل هذا الشجن!!. الحراك: كثيرون يذهبون إلى اعتبار 94م عام الأزمة الجنوبية. مع أنها أقدم بكثير وتعود إلى بدايات تشكل الوعي المدني الحقوقي في نهايات القرن التاسع عشر، وبدايات تنظيم الناس أنفسهم في اتحادات ومنظمات مجتمع مدني، وبشرت بظهور تشكيلات نقابية، ومضت هذه الأزمة في دوران حلقاتها لتزداد عنفا في منتصف الخمسينيات وبدايات الستينيات بظهور التنظيمات السياسية لتبلغ الأوج في 1986م وظلت في دورات تأزمها تنز دما. "وكل ما فعلته الوحدة هي أنها رفعت عنها ورقة التوت لتظهر لأصحابها أي درجة من الإسفاف بلغوه في التعاطي مع الواقع وأي شطط ذهبوا إليه وأثبت أنهم لم يكونوا سياسيين، والتصالح والتسامح كان في مد النظر، والخيارات في خلق جنوب مدني متعدد الخيارات كان أقرب إليهم من أرنبة الأنوف". والحراك في لودر اليوم يمتلئ حماسا ولمه لسماع الخطابات والأشعار ملفوعا بضبابية الرؤيا وغياب لمشروع واقعي للانعتاق من سلطة الفيد، فهم لا يقبلون النضال في إطار مشروع وطني لليمن باكمله، ووقعوا أسرى عصمة القديم بترهلاته والآني بواقعه المر وهو ما شكل لديهم ما يشبه الصدمة التي توصل إلى صراع ما وراء الكواليس لجميع المكونات الحراكية، وأعمال العنف التي تطال كادحي العيش من الإخوة الشماليين تنذر بتكون بارونات حرب ستأكل الجنوب قبل الوحدة. "لودر كثر عشاقها، وجروحها شاهدة على صدق تولههم بها.. وكل يوم يغدر بها الذين يرتشفون معها القهوة صباحا ويديرون لها ظهورهم وهم يرتشفون معها الشاي مساء وفي هلع!". غير أن لها عشاقاً أدمنوا حبها وفي كل حال.. فهل يفزُّون؟!