أكدت دراسة حديثة أعدها عدد من الباحثين حول نظام الابتعاث الدراسي في اليمن أن شحة المنحة المالية وغياب خطط واستراتيجيات الابتعاث قد تصدرتا كافة المشاكل، كما لاحظنا أيضا بعد الاطلاع على آلية عمل الوزارة أن حساب تكاليف المعيشة والزيادة في مستحقات الطلاب التي تمت في السنوات السابقة لم تعتمد على حقائق وتقارير شفافة وإنما اعتمدت على تقديرات وزيادات رمزية لا تمت بصلة لدراسة ممنهجة لما يحتاجه الطالب الدارس في الخارج، ولعلّ خير مثال لذلك اعتماد الوزارة 520 دولاراً لطلبة الدراسات العليا شهرياً في أغلب دول الابتعاث دون مراعاة أي فوارق بين دولة وأخرى، ومن هنا فقد قام فريق الدراسة المكون من ستة طلاب وأكاديميين في الخارج بقيادة الدكتور هلال الأشول بدراسة مفصلة لتكاليف المعيشة في معظم الدول التي يتركز فيها الطلاب اليمنيون الدارسون في الخارج. وأجريت الدراسة على 15 دولة من الدول التي يتركز فيها الطلاب اليمنيون، وقد أظهرت جداول المسح شحة المنحة المالية الحالية، والتي تغطي في بعض الدول فقط نصف أساسيات المعيشة للطالب، وقد أظهرت المقارنة بين المنحة المالية للطالب اليمني والمنحة المالية لطلاب من دول أخرى أن منحة الطالب اليمني تعد الأقل على الإطلاق، كما أن منحة الطالب اليمني ظهرت قليلة بشكل كبير جداً عندما تم مقارنتها بالمبالغ المالية المرجعية التي تحددها الدولة المبتعث إليها كماهو الحال في حالة طلاب المانيا، حيث تقل كثيراً منحة الطالب اليمني (580$ للدراسات الأولية، 520$ للدراسات العليا) عن المبلغ المحدد من قبل الجامعات والسفارة والمنظمات المانحة الألمانية (950 $ للدراسات الأولية، 1350 $ للدراسات العليا). إن هذا الفارق الكبير بين ما يحتاجه الطالب اليمني في دولة الابتعاث وبين ما يحصل عليه من وزارة التعليم العالي يجعل من الطالب اليمني عرضة لهموم توفير لقمة العيش والسكن مما يؤثر سلبا وبقوة على تحصيله العلمي. وقد بينت الدراسة تكلفة المعيشة فقط في جدول مفصل لكل دولة، كما حددت الدراسة قائمة احتياجات ومتطلبات دراسية أخرى يجب أن تغطيها المنحة المالية للطالب بالإضافة للمبلغ الذي يحدده الجدول. لقد خلصت إلى نتائج مهمة تتلخص في ضرورة زيادة المنحة المالية للطلاب بما يتناسب مع متطلبات أساسيات العيش في كل دولة، وقد تراوحت نسبة الزيادة الموصى بها بين 35% لبعض البلدان إلى 150% لبلدان أخرى واعتماد ميزانية سنوية للمراجع الدراسية واعتماد تذكرة سفر لزيارة اليمن كل سنتين وزيادة الراتب بنسبة 30% للمتزوجين من طلاب الدراسات العليا الذين يصطحبوا زوجاتهم في بلد الدراسة واعتماد ميزانية مواد بحث ومؤتمرات وطباعة لطلاب الدراسات العليا، واعتماد ميزانية كورسات تدريب لطلاب الدراسات الأولية. وأشارت الدراسة إلى أنها تقدم فقط حلولاً سريعة لمعالجة مشاكل الطلاب في مختلف دول الابتعاث، ولذا فإن الموافقة على زيادة المنحة المالية بحسب ما تقترحة هذه الدراسة وكذا اعتماد كافة التوصيات فيها سيخفف من على كاهل الطلاب من أعباء مالية معيشية ونفسية لا تحتمل، إلا أننا نرى أن المزيد من الجهود يجب أن تبذل بهذا الشأن لحل المشكلة جذرياً على المدى البعيد، وبهذا فإننا ندعوا الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات الفورية للبدء في تقييم وإعادة هيكلة برنامج الابتعاث الدراسي كلياً وبما يضمن التخلص من كافة المشاكل والعقبات التي تعيق الطلاب. بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب لليمن والذي يمر بالأزمة تلو الأخرى، إلا أن الإنفاق المدروس والممنهج على برنامج الابتعاث وقطاع التعليم بشكل عام هو في الحقيقة أولوية وطنية واستثمار مباشر في صناعة المستقبل والمساهمة الأكثر تأثيراً في حل مشكلات اليمن التعليمية والاقتصادية، وسيرفد الوطن بالكوادر والخبرات الوطنية المطلوبة للنمو والتقدم.. إن إنفاق العديد من الدول على التعليم وبرامج الابتعاث بسخاء يأتي من واقع فهمها لهذه الحقيقة، ولذا فإن الدعوة موجهة من خلال هذه الدراسة إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وكذا الحكومة بكافة مكوناتها إلى تبني مثل هذه الرؤى وبما يعود بالخير على الوطن، كما أن الدعوة موجهة كذلك إلى الجميع للتفاعل مع معطيات ونتائج وتوصيات هذه الدراسة ودعم فكرة النهضة العلمية في اليمن بشكل عام.