رغم اكتشاف النفط منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي إلا أن نعيم الثروة النفطية ظل طريقه في طواحين الفساد وتدثر المواطن اليمني بأحلام الثروة علَّه يجد بعضاً منها بعد طول عناء من الانتظار، وأمل يتوسده ليرفع عن كاهله بعض مع علق من بؤس وشظف عيش طال من استيطانه في حياته المعيشية، لتبدده صفقة سياسية عاد منها من حمل مشعل الثورة الشبابية بخفي حنين ..!! ليحمل الفساد بحصانته حصيلة عمر لمجتمع أكل الفاسدون الأخضر واليابس من قوته، وليتركوه على عتبات التسول الإقليمي والدولي بعد أن أهدروا رصيد ثرواته مقابل وهم حملوه إلى أسواق الغباء والتجهيل وعلقوه على شماعة حقن دماء اليمنيين المهدرة مسبقاً ..!! وليعززوا من عبودية الجوع والعوز وليتسولوا فتاتاً للإبقاء على عبوديتنا من كرم اللئام وحقد الجبناء وليهدروا ما تبقى من كرامه لفقرائنا ..!! ما زالت احتياجاتنا تتجاوز إمكاناتنا المتاحة وقدراتنا المغيبة وما زالت مؤشرات تنميتنا البشرية عند مستوياتها الدنيا ومؤشرات فقرنا في تزايد ونماء، وما زال المشوار التنموي طويلاً أمام المواطن اليمني، ويحدوه الأمل في أن يصل إلى حقيقة ثرواته الطبيعية وما تكتنزه الأرض الطيبة (أرض السعيدة) بالخير من ثروات النفط والذهب والفضة والنحاس وغيرها، وما زال الأمل قائماً يبحث لمعرفة ثرواتنا الطبيعية المغيبة عن قواميس المعرفة والإحصاءات الرسمية وخفايا السلطة، بل في أجندات للسرية ضمنتها اتفاقيات الاستغلال، رغم عجز المنجمين أيضاً في قصور السلطة عن معرفة خبايا ثرواتنا، ورغم المعرفة النسبية في اتجاهات عائداتها بانسياب إلى الحسابات المفتوحة للفاسدين في مشارق الأرض ومغاربها، وسنتناول تباعاً جوانب سياسات استغلال النفط على وجه الخصوص ونتلمس موقع المصلحة العامة والقصور الذي يضع الثروة في موضع الإهدار والضياع..!!! سياسات الاستكشاف والتنقيب: في الجوانب النظرية تتضح بعض معالم السياسة للاستكشافات النفطية، والتي يمكنها أن تعمل على الارتفاع بمستوى الاحتياطيات النفطية، من خلال التوسع في عمليات الاستكشافات والتنقيب في القطاعات الاستكشافية، وإعادة تقييم إمكانية القطاعات والتركيز على استكشاف الجديد في الطبقات الصخرية للأساس، وهي طبقات جديدة لم يسبق الاستكشاف فيها ويمكنها أن تمنح الأمل فرصة لوجود حاضنات للثروة النفطية، كما عملت على تنفيذ مسوحات زلزالية ثلاثية الأبعاد واستخدام تكنولوجيات حديثة تمكن من الحصول على صور دقيقة لتراكيب الصخور وتحديد نوعياتها وتوفر فرص أفضل للتعرف على الصخور الخازنة لخامات النفط والغاز.(1) إلا أن تحقيق ذلك يتطلب توجيه المزيد من الاستثمارات نحو قطاع الاستكشاف والتنقيب، واستقطاب المزيد من الشركات الأجنبية - في حالة العجز المستأنس للموارد - للعمل في القطاعات النفطية الاستكشافية، أو بالشراكة بينهما والتي تتطلب كثافة رأسمالية عالية نسبياً في عمليات البحث والتنقيب واستكشاف مساحات ومواقع جديدة لم يتم البحث فيها من قبل وخاصة القطاعات البحرية، وما تتطلبه هذه المرحلة من القيام بمختلف المسوحات الزلزالية والدراسات الحقلية وغيرها من العمليات الفنية، وحفر العديد من الآبار الأولية الاستكشافية والآبار التأكيدية. وبدايةً عملت وزارة النفط والمعادن في سبيل ذلك على تقسيم الجمهورية إلى قطاعات أو بلوكات ومساحات جغرافية محددة كعملية تنظيمية لعرضها أمام الشركات الاستثمارية للاستغلال، وسمي هذا التقسيم بالخارطة النفطية، حيث تم تطويرها مرحلياً منذ المراحل الأولى للاستكشافات بإضافة المزيد من القطاعات وتغيرها النسبي من سنة إلى أخرى. وقد احتوت الخارطة النفطية في عام 1996 على 56 قطاعاً، وفي عام 2003 وصلت عدد القطاعات إلى 78 قطاعاً منها 9 قطاعات منتجة و26 قطاعاً استكشافياً و37 قطاعاً مفتوحة للمنافسة، منها 10 قطاعات بحرية و6 قطاعات بحرية/برية، ثم بلغت 84 قطاعاً في عام 2004.(2) وارتفع عدد القطاعات النفطية إلى 100 قطاع في عام 2008 منها 12 قطاعاً منتجاً و31 قطاعاً استكشافياً و57 قطاعاً مفتوحاً، وفي عام 2010 ظلت قطاعات الإنتاج كما هي دون تغيير عند 12 قطاعاً، بينما ارتفعت قليلاً قطاعات الاستكشاف إلى 37 قطاعاً بدخول قطاعات جديدة إليها وانخفاض القطاعات المفتوحة إلى 45 قطاعاً، و8 قطاعات قيد المصادقة على اتفاقيات المشاركة (PSA)، وكما يتضح من الجدول رقم (1). جدول رقم (1) تطور الخارطة النفطية اليمنية موزعة حسب نوع القطاع (مكان الجدول ) المصدر: الجمهورية اليمنية، وزارة النفط والمعادن، هيئة استكشاف وإنتاج النفط النشرة الإحصائية، النفط والغاز والمعادن 2008، العدد (8)، ص12، بالنسبة للسنوات 2004-2008 المؤتمر نت، النفط والمعادن.. من الحلم إلى الحقيقة والطموح، , 20-مايو-2004، www.almotamar.net/news/10314.htm، بالنسبة لسنتي 1996، 2003 - الجمهورية اليمنية، وزارة النفط والمعادن، النشرة الإحصائية، النفط والغاز والمعادن 2009، العدد (9)، ص14 بالنسبة لعام 2009، Pdf، العدد (غير معروف نسخة إلكترونية Pdf)، ص10 بالنسبة لعام 2010 * ملحق خاص لصحيفة 26 سبتمبر بمناسبة المؤتمر اليمني الثاني للنفط والغاز 24-25 يونيو 2002، ص15،27 *** متضمنة 6 قطاعات بحرية/برية، و 10 قطاعات بحرية هذا التطور للخارطة النفطية خلال سنوات المقارنة يعكس السرعة النسبية في عرض المزيد من القطاعات أمام الشركات الأجنبية وخاصة مع بداية الألفية الثالثة، ويعكس التطور الهيكلي بدخول حقول بحرية، وبحرية/ برية في الخارطة النفطية بعد أن كانت مقصورة على القطاعات البرية، كما تعكس الحاجة الملحة للحكومة إلى البحث عن زيادة في الاكتشافات النفطية وبالتالي الإنتاج، ويعكس أيضاً محدودية القطاعات الإنتاجية التي لم تتجاوز 12 قطاعاً حتى العام 2010 مقارنة، فضلاً عن ثبات الخارطة النفطية بالقطاعات المحددة ب100 قطاع، وما زالت القطاعات الاستكشافية في المراحل الأولى من عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط. ويأتي ثبات الخارطة النفطية ليضع قيداً أمام الدولة في توسيع هذه الخارطة، والتي يمكن أن يستنتج منها شمولها لحوالى أكثر من 90% من المساحات الجغرافية الممكنة للاستكشافات النفطية في الجمهورية، وقد يرجع ذلك إلى تسرُّعْ الحكومات المتتابعة في عمليات التقسيم الجغرافي وليكون الاختيار الأسهل في كبر المساحة للقطاعات الاستكشافية واعتباره أحد المميزات المشجعة للاستثمار أمام الشركات للدخول في عمليات التنافس للحصول على أحد القطاعات، ويتضمن الجدول رقم (2) بعض القطاعات ومساحاتها الجغرافية وموقعها في التقسيم الإداري للجمهورية. وتتفاوت هذه القطاعات في مساحتها من منطقة إلى أخرى، وتتوزع على امتداد مساحة الجمهورية تقريباً، بين قطاعات دخلت مرحلة الإنتاج، وقطاعات ما زالت في مرحلة أعمال الاستكشاف والتنقيب، وقطاعات مفتوحة لم يتم بعد عرضها للمنافسة على الشركات النفطية للاستثمار، وهي النسبة العظمى من الخارطة النفطية لليمن والبالغ عدد قطاعاتها 51 قطاعاً في عام 2009 وتراجعت قليلاً عام 2010 إلى 45 قطاعاً بدخول 8 قطاعات مرحلة المصادقة في الشراكة، وكما يتضح من الجدول رقم (1)، وتقدر المساحة التي لم يتم العمل على استكشافها بحوالى 80% من إجمالي مساحة الخارطة النفطية.(3) وتأتي هذه التطورات نتيجة لعمليات الترويج المستمر وعرض القطاعات على الشركات الأجنبية، عبر عمليات عرض تنافسية للقطاعات النفطية نظمتها وزارة النفط للمفاضلة بين الشركات المتقدمة وفقاً للعديد من الشروط والمعايير الفنية والمهنية والخبرات العملية وغيرها من المعايير التي تتبع في هذه العملية والتي يفترض توفرها في الشركات المتقدمة للعمل في هذه القطاعات. الهوامش 1) هيئة استكشاف وإنتاج النفط، وزارة النفط والمعادن، 20 عاماً من المهام والإنجازات، صنعاء، سبتمبر 2010، ص19 2) المؤتمر نت، النفط والمعادن.. من الحلم إلى الحقيقة والطموح، , 20-مايو-2004، www.almotamar.net/news/10314.htm 3) الجمهورية اليمنية، وزارة النفط والمعادن، مجلة النفط والمعادن، مجلة متخصصة تصدر كل شهرين، العدد (40) أكتوبر 2010، ص18