يكتفي الجميع بعدم الحوار الى وقت الحوار، وتظهر الأطراف السياسية الفاعلة بالمؤمنة بمشروعه الأوحد في فض أزمات اليمن من شرقه إلى غربه، غير أن التوطئة التي بدت على تلك الأطراف سابقاَ منتظمة في أولوياتها، غير أنها متعددة المشارب، وتقف على رأس هذه الأطراف الحراك الجنوبي الذي أعطت المبادرات الداخلية والإقليمية له الأولية. في حين ما زال بن عمر متصلباً في مشروعه لإيجاد توافق بين شتات سياسي غير منسجم، وما زال ينسج من بصيص الأمل خيوطا عله يجد في يوم 18 مارس فرجاً لنور قادم يتسع ضوؤه لجميع اليمنيين، فاكتفى بيوم الأحد الماضي للوسائل الإعلامية بعد خروجه من لقاء دبي، بقوله إن اللقاء كان "مثمراً". تلك آخر محاولة منه لتقريب الحراك الداعي للانفصال للحوار الوطني، إلا أنها بحد ذاتها كلمة مطاطية توحي بخيارات مفتوحة حدثت في ثنايا اللقاء، وهو ما أفصح عنه البيان الذي خرجت به يوم 9 مارس، حيث وضعت لحل القضية الجنوبية بأنها لا تكون الا في إطار سلمي وعن طريق الحوار، وهو الحديث ذاته الذي يتوافق مع هذا الطرح بما فيهم الانفصاليون، فعلي سالم البيض وضع في رسالته لجمال بن عمر السبت الماضي خيار فك الارتباط وبالطريقة التي أنتهجها الحراك السلمي كما ورد في الرسالة. ما الذي قدمه بيان دبي إذاً سوى حوار يسعى لتقريب رموز الحركة الانفصالية للحوار دون أن يناقش قضية الانفصال أو فك الارتباط، هذه المسافة التي تفصل المطالبين بالانفصال وبقية القوى السياسية وبين الحوار الوطني هي مسافة حبس النفس ليتم إفراغه في 10 مارس، فمنهم من سينفجر بنفسه، ومنهم من يحوله إعصاراَ تصحبه الفوضى، ومن هم من سيتدرج في إخراجه، وطرف سيتحمل عبء ذلك كله. الجنوب قبل الحوار بما أن القضية الجنوبية تتصدر المحور الأول في نقاش الداخل والخارج، فقد أكدت يوم السبت 25 شخصية من قادة الحراك الجنوبي للمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن جمال بن عمر في دبي، أن الحوار هو السبيل الوحيد للتوصل إلى تسوية للمسألة الجنوبية، غير أن الاجتماع لم يحدد رسميا بالمشاركة في الحوار الوطني المقرر يوم 18 مارس. حيث أصدر قادة الحراك الجنوبي بياناَ عقب الاجتماع أن القضية الجنوبية لا يمكن أن تحل بشكل مناسب إلا في إطار سلمي، وقال البيان "ونحن نعلن جميعنا التزامنا بنبذ العنف وبذل كامل جهودنا للحيلولة دون حدوث أي أعمال عنف". وأعربوا عن اقتناعهم "بإمكانية البناء على روح الحوار التي سادت خلال هذا الاجتماع التشاوري، وتطلعهم إلى عقد لقاءات مستقبلية بإشراك جميع المكونات السياسية والحراكية المؤمنة بالقضية الجنوبية". أما جمال بن عمر فقد وصف الاجتماع بأنه "مهم"، وأنه كان يضم شخصيات تاريخية وأن ما دار من نقاش بنّاء ومسؤول أدى إلى اتفاق حول نبذ العنف والتأكيد على سلمية الحراك ومبدأ الحوار لمعالجة قضية الجنوب، وأن هذا الاجتماع هو أول اجتماع يلتقي بها في هذا العدد من القيادات، ومن المشاركين في اجتماع دبي الرئيس اليمني السابق علي ناصر محمد ورئيس الوزراء السابق عبدالرحمن الجفري ورئيس الوزراء الأسبق حيدر أبو بكر العطاس. أما مشاركة المجتمعين في الحوار الوطني فقال بن عمر: إن كل شيء سيحسم خلال الأيام القادمة القليلة ولا شيء مستبعد، غير أن ما تفاءل به بن عمر أن كل شيء وارد؛ قد وضع حساباً لذلك قياسا بموقف الجناح الحراكي المتصلب بالانفصال، فقد لا يتم الحوار بحضور القادة الانفصاليين بزعامة علي سالم البيض نائب الرئيس اليمني السابق، فعدم حضوره في لقاء دبي يلقي بظلاله على عدم حضوره الحوار الوطني، وإن كان الحراك الجنوبي ليس له ممثل إلا أن البيض يبقى صاحب شعبية في الجنوب، ويلعب دوراً سياسياً في المناطق الجنوبية. في المقابل، حضر الوفد الذي يمثل علي سالم البيض افتتاح الاجتماع وسلم بن عمر رسالة تتضمن مطالبه، وطالب البيض مجلس الأمن بتوفير حماية دولية لشعب الجنوب بهدف خلق مناخ سياسي للحوار في البلاد، واستبدال جميع "الوحدات العسكرية والمليشيات التابعة للقوات الشمالية" بقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، وإطلاق جميع الأسرى وإلغاء الأحكام ضد السياسيين والصحفيين، إضافة الى دعوة مجلس الأمن بوضع خطة ناجعة للأزمة بين "كياني جنوب اليمن وشماله" وإقامة نظام سياسي يجمعهما مع دول مجلس التعاون الخليجي. ويبدو أن الحوار الذي أراده البيض هو أن يكون ندا بين دولتين، دولة اليمن الشمالية وجنوب اليمن حسب ما صرح به محمد السقاف ممثل تيار البيض -حيث قال: "نحن مع الحوار، ولكن مع حوار ندّي بين صنعاءوجنوب اليمن.. إننا لا نقبل بفيدرالية ونطالب باستفتاء شعبي". ومع ذلك، فإن الجنوبيين بشكل عام لا يتفقون على قضيتين أساسيتين -حسب الباحث السياسي إبراهيم شريقة، وهي: ما هو بالضبط الحل الذي سوف يعتبر عادلاً للجنوب، ومن له الحق في تمثيل الجنوبيين في أية عملية مصالحة وطنية، إذ لا يوجد اتفاق على تمثيل الحركة الانفصالية الجنوبية المعروفة باسم "الحراك" أو "الحراك الجنوبي" بعد إزاحة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأمام اليمن ثلاث إجابات محتملة لطرح السؤال الجنوبي، الأول، يدعو إلى انفصال كلي عن الشمال ويمثله أساساً الرئيس الأخير لما قبل الوحدة، علي سالم البيض، ويدعم الثاني - ويمثله علي ناصر محمد وحيدر أبو بكر العطاس" الفيدرالية مع الشمال، ويطالب الاختيار الثالث - من دون مؤيدين بارزين - بمعالجة مظالم الجنوب والاستمرار في الوحدة مع الشمال، ولن يستلزم ذلك توسيع الفيدرالية للحكم الذاتي الجنوبي. قضية شمال الشمال (صعدة) لم تُعط مدينة صعدة في قائمة الأزمات في اليمن لأنها تعاني من تدني البنية التحتية، ولا لأن أغلب السكان يعيشون تحت خط الفقر كبقية المدن، ولكن لأنها ذات بعد سياسي تعلقت بالحركة "الحوثية" التي بدأت أزمتهم مع الدولة منذ الحرب الأولى عام 2002م، ومع أن مدينة صعدة خرجت على سيطرة الدولة منذ اندلاع الثورة اليمنية في فبراير عام 2011م إلا أن الدولة لم تحاول الاصطدام مع "الحوثيين" ممثله بحكومة الوفاق، بل أقرت اللجنة الفنية رفع ورقه للرئيس هادي بالاعتراف بعبثية الحروب الستة، وأنها مشكلة تدخل في إطار النقاش في الحوار الوطني، على أن يتم الاعتذار عن تلك الحرب ووصف القتلى منهم بالشهداء. وما يمكن أن تقدمه الحكومة في الحوار الوطني لحل أزمة صعدة؛ الاعتراف بالحركة الحوثية ككيان له مذهبه وله توجهه السياسي، وهو الذي كانت تطالب الحركة الحوثية منذ دخولهم في الحرب مع الحكومة اليمنية، على الرغم من حساسية حزب الإصلاح والتيار السلفي منهم، وليس كما قال القيادي في حزب الإصلاح ورئيس الدائرة السياسية ل"الشرق الأوسط": إنه لا يوجد أي خلاف بين الحزب والحوثيين، فالحرب التي دارت في محافظة الجوف عام 2011م، بين الإصلاح ومجاميع من الحوثيين لا تزال دائرة، وإن تغيرت من ميدانية الى إعلامية. وبشكل أعم يسعى حزب الإصلاح الى احتواء العلاقة الموتورة بينه وبين الحوثيين، حتى يتم استرجاع محافظة صعدة، وأجزاء من محافظة الجوفوحجة، ولمّ الشتات الذي خرج على سيطرة الحكومة، ويمكن أن تتعاطى الدولة نفسها مع أزمة صعدة، فيما إذا شكل الحوثيون حزباً سياسياً، يسهل التعامل معهم في إطار القانون، لكن ثمة تخوفاً من نية الحوثيين عن تخليهم لمدينة صعدة ومناطق في الجوفوحجة التي تمت السيطرة عليها وانخراطهم في العمل المدني والسياسي، فالمؤشرات التي سبق وأن اتهمت الحكومة "الحوثيين" في تعاطيهم مع إيران واستقبالهم لدعم لوجيستي كما في سفينة "جيهان" في شهر يناير فلن تكون على المدى القريب حلاً للقضية في صعدة وسيكون الحوار الوطني خطوة للدخول مع الحركة الحوثية في الحوار من أجل الحوار وليس لحل الأزمة. قضايا أخرى تشكل القضايا السياسية أهم محور سيتطرق إليه مؤتمر الحوار الوطني، ويأخذ الجانب الإنساني والتنموي أقل أهمية بالمقارنة، على الرغم أن الجانب التنموي هو القاعدة التي يمكن أن تحل بها جميع الأزمات في اليمن فالانسداد السياسي الذي توصلت إليها اليمن بعد 2006م، هي في الأصل مشكلة اقتصادية، كما قال الرئيس هادي في أكثر من مرة: إن الأزمة اليمنية أصلها مشكلة اقتصادية أدت إلى أزمة سياسية، وقد يصل الأمر إلى أزمة إنسانية في المستقبل، ومن بين القضايا الإنسانية التي تواجه تحدي الحوار الوطني ومستقبل اليمن هي كالتالي: أولاَ- قضية النازحين في كل من محافظة أبين بعد الحرب بين تنظيم القاعدة والحكومة إضافة إلى نازحي صعدة، حيث بلغ عدد النازحين حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن "خمس مئة ألف" لاجئ، أما مدينة أبين حسب "نفيد حسين" باعتباره ممثلاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة في اليمن لشؤون اللاجئين في اليمن فيقدر أن ثلاث مئة ألف نازح من صعدة ما زالوا في مدينة حجةوالجوف. ثانيا- استرداد الأراضي المنهوبة والأموال في الداخل والخارج، حيث يتهم الحراك الجنوبي بنهب أراض بعد حرب 94م من قبل الحكومة اليمنية السابقة، وتعد الأراضي وتسريح الضباط من الجيش الجنوبي السابق أحد الأزمات الرئيسة في نشوء الأزمة الجنوبية عام 2007م، إلا أن الرئيس هادي شكل في الأشهر الماضية لجنة تسعى لرصد الأراضي التي تم السطو عليها وتمليك الضباط والعاملين في الحكومة من الجنوبيين منازل وأراض في المناطق الجنوبية لاسيما في مدينة عدن. ثالثاَ- المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وتتضمن الصراعات السياسية السابقة والانتهاكات الحقوقية المرتبطة بها وقضية المخفيين قسرا وانتهاك حقوق الانسان التي حصلت في عام 2011م. وإجمالاَ للقضايا التي يمكن أن يحلها الحوار الوطني بشكل عام، هي كالتالي: أولا- بناء الدولة وتتمثل في: هوية الدولة، وشكل الدولة، ونظام الحكم في الدولة، النظام الانتخابي، السلطة التشريعية، و السلطة القضائية، والنظام الاداري. ثانيا- الحكم الرشيد وتتمثل في سيادة القانون، وتوازن السلطة، وتطبيق المساءلة والمحاسبة والشفافية، وتحقيق العدل والمساواة، ومحاربة ظاهرة الفساد، وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وتوسيع المشاركة الشعبية، و كفاءة الإدارة العامة، ودور منظمات المجتمع المدني، ودور الأحزاب، وأسس السياسة الخارجية. ثالثا- أسس بناء الجيش والأمن، وتتحدد في أسس بناء الجيش وطنياً ومهنياً، وتوافق وإعادة هيكلة الجيش مع الأسس، ودور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، ومؤسسة الأمن، كهيئة مدنيه خدمية. رابعاَ- استقلالية الهيئات ذات الخصوصية، وهي: الخدمة المدنية، الإعلام، الأوقاف، والواجبات الزكوية. خامساَ- الحقوق والحريات: وهي حقوق وحريات عامة (السياسية - المدنية - الاقتصادية- الاجتماعية- الثقافية -الفكرية)، إضافة الى حقوق وحريات خاصة ك(المرأة- الشباب- الطفل- المهمشين- ذوي الاحتياجات الخاصة- المغتربين-الأقليات-النازحين واللاجئين). القاعدة خارج السرب كل شيء يمكن أن يدرج في قائمة الحوار، إلا تنظيم القاعدة لا يزال مدرجاً في قائمة الإرهاب، ولا تزال وتيرة الحرب على أشدها بينهما - أي الحكومة والقاعدة- فلم تنفع المبادرة التي لم يكن هادي أن يتصورها من التنظيم أثناء قبول زعيم القاعدة ناصر الوحيشي على التوقيع للهدنة في شهر يناير 2013م في ورقة الصلح، ولأنها أول مرة يبادر التنظيم أو يوافق على الهدنة للمصالحة منذ أن أسس التنظيم في جزيرة العرب في يناير 2009م، لم يكن يتصور هادي أن القاعدة سترضى بالصلح حين تقدم بها، أو يمكن أن يتوصل معها لصلح على الأقل، فكانت العادة أن تجير هذا الملف السفارة الأمريكية من قبل السيد جيراد فيرسيان على أن لا صلح مع القاعدة، فتم نقض الهدنة وباشرت الضربات الأمريكية بعد توقيع الوحيشي بالطائرات على مدينة مأرب بشكل مكثف. مر أكثر من شهر ولم تستأنف الطائرات الأمريكية تحليقها وضربها للمدن الجنوبية، هذا التوقف الأمني المطرد يمكن أن يحسب لصالح الحكومة اليمنية بشكل أولا وخيرات أخرى أدت الى توقف الحرب بين الحكومة اليمنية والقاعدة، ومن بينها: أولا- توقف الحرب مع القاعدة كتهيئة للحوار الوطني وانشغال الأجهزة الأمنية بأمن مؤتمرات الحوار. ثانيا- بعد أن كشفت الصحافة الأمريكية على وجود قاعدة أمريكية في المملكة العربية السعودية تقلع منها الطائرات بدون طيار في ضرب عناصر القاعدة في اليمن، ستكون إحراجاً للمملكة أمنيا وسياسياَ، بما أن الرأي العام صار له المعرفة بمكان إقلاع الطائرات الأمريكية. إذن الحرب مع القاعدة في قاموس الحوار الوطني مفردة نكرة تحتاج الى تحرير معناها وكيفية التعامل معها من القوى الإقليمية والغربية أولا فليس قرار التعاطي معها قراراً محلياً، لذا سيمر الحوار الوطني دون حلها إلا بطريقة الحرب اللامتناهية على المدى البعيد، غير أن الحوار الوطني سيجبر الحكومة الى هدنة غير متفق عليها وسيستغل عناصر القاعدة هذا الفراغ لترتيب شتاتهم التنظيمي بعد أن أنهكتهم الظهور في مايو 2011م الى مايو 2012م. احتواء التفكيك لن يكون الحوار على المدى القريب حلا لكل أزمات اليمن وإنما اتفاق للقبول بالحوار بين الطيف السياسي اليمني الواسع، فالقطيعة الحاصلة بين الأطراف السياسية هي العائق الأوحد في البلد، وأما حل بقية القضايا فهي نتاج لثمرات التصالح. فهناك تجاذبات مسبقة بين التيار الإسلامي أو الأصولي والأطراف السياسية الليبرالية والإسلامية المتعلمنة، حول مرجعية الحوار التي تستند عليها كل قضية تطرح للنقاش، وما زال هذا الطرف والذي يمثله تيار عبدالمجيد الزنداني والتيار السلفي متصلباً في الدعوة لوضع الحوار تحت سقف الشريعة الإسلامية والوحدة اليمنية، ويرى هذا التيار أن الحوار بدون هذه المحددات سيكون مؤشراً لتفكك اليمن وتمزق الطيف اليمني الواسع، لأنه يترك مجالاً مفتوحاً لخيار حل القضية الجنوبية بما فيها فك الإرباط، وإذا ما تم مشروع الانفصال فستستقوي الحركة الحوثية في سيطرتها على محافظة صعدة، بما أن البلد يسير في مشروع التفكيك وهذا ما يدلل استماتة الحوثيين في دعمهم لخيار الانفصال. في المقابل تواجه تيارات الأحزاب المتمدنة والليبرالية هذا الطرح وتسعى لتحييد هذا الصوت من العلماء، وقد دعم هذا التوجه السفير الامريكي في حواره مع الشرق الأوسط بأن دخول الزنداني لا يخدم مشروع الحوار الوطني، وبين هذه التوجهات حول احتواء تفكيك أجزاء اليمن تبقى الخيارات مطروحة في الحوار الوطني فلا إجماع على ضلالة.