اداولت وسائل إعلامية في الايام الماضية خبراً مةثقاً بالصورة عن لقاء جمع شخصيتين مصريتين من مؤيدي ثورة 25 يناير في مصر هما الدكتور سعد الدين ابراهيم رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية ، والصحفي مصطفى بكري وبين الرئيس السابق على عبدالله صالح الذي منح نفسة لقب الزعيم ، بعد ان اجبر على ترك السلطة في نوفمبر 2011م تحت ضغط ثورة شباب شعبية سلمية قدم فيها اليمنيون رجالاً ونساء واطفالاً، قرابة الفي شهيد والاف الجرحى ، الذين لاتزال جراح بعضهم شاهدة على دمويته وعلى عدم الوفاء الحكومي والمجتمعي نحوهم برغم الاشادة الرسمية بثورتهم والوصول الى نصف السلطة بفضل تضحياتهم ثورة 11 فبراير 2011 الشبابية -الشعبية السلمية هي وحدها، وبدونمبالغة، الثورة اليمنية الحقيقية التي كانت ثورة الشعب ومن إبداعات الشباب الخلاقة.. شباب وشابات الثورة عاشوا مع الخوف من القتل في أية لحظة تقرر فيها نزوة نيرون قتلهم ليلا أو نهارا وتحمّلوا البرد والجوع ودفعوا دماءهم رخيصة من أجل التغيير، ورفضوا - ولا يزالون - أنصاف الحلول.ولكن!. هذه الثورة النبيلة والفريدة غير معترف بها. البعض لا يزال يصفها بالأزمة كما كان صالح يسميها. وزير « يقوده » الإعلام الحكومي الذي رابط في ساحة التغيير أياما بلياليها، وكان من ثوارها ومحسوبا عليهم لا يزال يستخدم لغة صالح وخطابه الإعلامي كما لو كان صالح لا يزال هو الذي يديره. هل هي ثورة نكرة؟. هل حدثت في بلد آخر؟ أم أن هناك من يتعمد نكران حدوثها وتسول له نفسه وأدها، ولو ببطء، بعد فشل خياره العسكري؟. أم أن النكران وقتيا وتفرضه موازين القوى؟.. ثورات الربيع العربي لها تاريخ معلوم معترف به ويحتفى بها شعبيا ورسميا وتعطل الأعمال في ذكراها، ثورتنا هي الاستثناء. في اليمن لا تزال عادة المراوغة والتحايل والخسف بأي عمل وطني هي السائدة.. بعضنا يشيد بثورة الشباب والآخر يتحدث عن التغيير فقط وعن تأييده له ومن الفريق الأخير ويا للسخرية صالح نفسه الذي زعم أنه مع التغيير بهدف احتواء ثورة الشباب عن طريق حوار مع ضحاياه. في صراع الوجود يفهم عدم اعتراف صالح وفريق الممانعة الذي لا يزال يرى في الاعتراف بالثورة خطا أحمر. من الجائز القول: إن الاعتراف الإقليمي والدولي بثورة فبراير أعلن في مؤتمر الحوار الوطني عندما تم اختيار 18 مارس كيوم لبداية الحوار وربط جمال بن عمر - مبعوث الأممالمتحدة وممثلها السياسي في اليمن - بين الحدثين التاريخيين. فريق الممانعة الذي يأبى الاعتراف بالثورة لم يعترض على بدء الحوار في 18 مارس (يوم مجزرة جمعة الكرامة)، وهذا موقف جيد ويبقى أن يفصح الرئيس هادي عن موقفه من الثورة، وهو الذي كرر القول بأن عجلة التغيير بدأت في الدوران ولن تعود إلى الوراء، وهذه العجلة حركها دينامو الثورة وروتها دماء الشهداء والشهيدات، وانطلاقا من ذلك لا يصح أن نتعامل مع الثورة بالقطعة أوبالتقسيط. في مصر ثورة 25 يناير معترف بها، وثورة 17 فبراير في ليبيا معترف بها، وقبلهما ثورة تونس. ثورتنا وحدها يتيمة الاعتراف الرسمي الكامل بها.. إن ما يبرر هذا الاعتراف هو الإشادة العربية والدولية بتفرد الثورة اليمنية بسلميتها، من جانب واحد، وتعاملها بتسامح غير مسبوق في تاريخ الثورات الشعبية مع القتلة وناهبي المال العام ونظام كان الأكثر جيفة في الوطن العربي. هذا الموقف غير مقدر من صالح وفريقه الذي لا يزال يحلم بعودة الماضي بكل رموزه وتفاصيله. ولا نستطيع القول: إن بعض هؤلاء لا يعنونا؛ لأننا نريد استمرار دورهم وفق قواعد نظيفة وجديدة للعبة السياسية خالية من تركة صالح العفنة. وليس كثيرا الاعتراف بالثورة التي وإن كانت في حالة تناقض مع المنافع الضيقة للبعض فهي في صالح أولادهم وأحفادهم وكل اليمنيين.. الواجب الوطني والأخلاقي والسياسي يحتم حدوث الاعتراف بدون إبطاء. وأنا أعجب من التهاني التي تدبج للرئيس هادي بمناسبة قراراته بإعادة هيكلة القوات المسلحة التي يتجاهل مرسلوها جذر التغيير وأصله، ولا يأتون على ذكر الثورة الشبابية أبدا.. الهيكلة تمت وفق توزان محسوب ومدروس وليس وفق مصلحة وطنية عليا بحتة ومجردة من المصالح الخاصة ومن تأثير رموز الماضي العسكرية.. هل العقل اليمني بطيء في تحديد المواقف والاعتراف بالواقع وبالجميل لشباب وشابات الثورة أم أنه مقاوم للجديد بحكم التخلف أو بسبب المصالح أو في أحسن الأحوال محافظ؟.. قبول البعض بثورة سبتمبر كان قبولا بأمر واقع وليس عن قناعة صادقة لأن بعض المناطق ومنها سنحان ظلت متمردة على الجمهورية إلى ما بعد سنوات من صيغة جدة التصالحية عام 1970 .، أما ثورة اكتوبر فقد صعب على البعض الاعتراف بها رغم الاحتفال الشكلي بها كل عام لأنها لم تكن وفق قياسات البعض ومتعارضة مع حساباتهم ومصالحهم. أيهما الأجدر بالتخليد والتكريم 18 مارس أو 21 مارس؟ يمكن استعارة عبارة الأصل والفرع هنا في الحديث عن مجزرة 18 مارس كأصل و 21 مارس يوم إعلان تأييد اللواء علي محسن صالح الأحمر للثورة ووقوفه معها كفرع. . تماما كما كان يحلو للبعض تسمية ثورة سبتمبر الخالدة! بالأصل وأكتوبر المجيدة! بالفرع. وقوف اللواء الأحمر مع الثورة سبقه إليه الأستاذ حمود الهتار - وزير الأوقاف الأسبق - الذي أعلن انشقاقه عن النظام قبل مجزرة جمعة الكرامة بأسبوع وقبله استقالة عشرين نائبا من كتلة الأحرار » المؤتمر وتشكيلهم « حزب » وإعلان قيادات من « للإنقاذ الوطني المؤتمر استقالاتها تضامنا مع الثورة. صالح لكي يتجنب الأسوأ قرر استباق الأحداث! وأعلن عن نية ارتكابه للمجزرة في 14 مارس عندما حذر مصدر أمني المعتصمين من أن أعمالهم الخارجة على القانون! ستجبر المواطنين على الأخذ بزمام الأمر بأيديهم للدفاع عن أموالهم وأعراضهم!.. مؤكدا أن السلطات المختصة لن تتردد في تحمل مسؤولياتها الدستورية والقانونية لمواجهة العناصر الخارجة على القانون!.. علامات التعجب من عندي. هذا التدبير الشرير عن سبق عمد وإصرار لم يكن بكل تفاصيله بعيدا في تقديري عن علم اللواء الذي لم يحاول منع حدوثه أو إشعار ثوار الساحة وعلى الأقل رفاقه بما يضمره صالح لهم من فعل يرقى إلى جرائم الحرب وآثر في الوقت المناسب تغليب الإيديولوجية على ولائه العسكري لقائده وللقوات المسلحة، وهذا قد يتكرر مستقبلا لأن طموحه لا حدود له لأنه - كما تقول مصادر رصينة - إنه سيرشح نفسه لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة. حماية متبادلة: أود هنا لفت انتباه أولئك الذين لم تؤثر فيهم الثورة وثقافتها ولا يرون قبل وبعد 18 مارس سوى موقف اللواء في 21 مارس الذي أشيد بموقفه وبأهميته وأشير في نفس الوقت إلى حقيقة مهمة، وهي أن الثوار واللواء أسديا لبعضهما البعض خدمات متبادلة وأن الحماية كانت متبادلة ولم تكن من طرف واحد. فاللواء وفرقته كانا محميين أيضا من قبل شباب وشابات ساحة التغيير التي حمت صنعاء كلها من جريمة حرب جديدة لم يكن صالح ليتورع عن ارتكابها لولا هذه الحماية المتبادلة. صالح كانت تهمه السلطة وليس صنعاء وأهلها، وجرائمه الحربية في مايو 2011 في الحصبة وحي صوفان لم تبارح ذاكرة سكانهما لأنه ارتكب فيهما جرائم ضد الإنسانية واستهدف عمدا مدنيين وكرر مآسي سكان صعدة في حروبه الستة ضد المدنيين الذين اضطر عشرات الآلاف منهم للنزوح منها. صالح لم يكن ليجرؤ على تكرار جريمته في نفس المكان ولهذا السبب قرر أن يروي تعطشه للدم والانتقام من ثورة فبراير في تعز بارتكابه مجزرة 11 ابريل بهدف كسر ظهر الثورة في عقر دارها. هذه الخدمة المتبادلة ينبغي أن تكون في الحسبان وأن يدونها تاريخ الثورة لكي تستقيم الأمور ولا يتم التركيز فقط على بعد واحد فيها هو دور اللواء وتجاهل دور الثوار الذي عانى بعضهم من ممارسات لا تمت للثورة بصلة من عناصر في فرقته. وأخلص مما سبق إلى أن الحديقة التي ستكون في مقر الفرقة كان يجب أن تسمى باسم 18 مارس وليس 21 مارس لأن التاريخ الأخير يذكر بجزء من انحراف استوطن لعقود في القوات المسلحة وبموقف مهما كان الترحيب به في حينه ما كان سيحدث لو أن القوات المسلحة كانت قوات خالية من وباء القروية، وكان ولاؤها للوطن وللشعب وللدستور وتملك ثقافة دستورية وتحترم الدستور وملتزمة بالمادة 40 منه التي أفرغها صالح والدستور كله من أية قيمة يحظر » : ومضمون. هذه المادة تنص على تسخير القوات المسلحة والأمن والشرطة وأية قوات أخرى لصالح حزب أو فرد أو جماعة ويجب صيانتها عن (الأصح من ) كل صور التفرقة الحزبية والعنصرية والمناطقية والقبلية وذلك ضمانا لحيادها وقيامها بمهمامها الوطنية على الوجه الأمثل ويحظر الانتماء والنشاط وإذا كان ، .« الحزبي فيها وفقا للقانون الحديث قد كثر عن هيمنة صالح وأسرته على القوات المسلحة والأمن فإن هيمنة اللواء على الفرقة الأولى مدرع طوال 34 عاما كانت جزءا من هذا الانحراف والخلل المهني والمخالفة الدستورية التي أضعفت وزيّفت القوات المسلحة وعمقت الفساد والمالي والإداري فيها. إن تسمية الحديقة بحديقة 21 مارس 2011 يجب أن يعاد النظر فيه في الوقت المناسب احتراما لشهداء جمعة الكرامة الذين ترقد أرواحهم الطاهرة بالقرب من مقر الفرقة السابق، وأن يسمى شارع ب 21 مارس. الهيكلة: برغم أن هناك شبه إجماع على الترحيب بها، وأنها تسببت في اسوداد وجوه فإنها ليست سوى إعادة لهيكلة التوازن السنحاني في القوات المسلحة الذي أنهى حالة من صراع قروي مكتوم ظهر إلى العلن بفضل ثورة الشباب بين طرفين ضعفا نسبيا، ويدركان حقيقة المشاعر الشعبية نحوهما ولا يزالان يحظيان بنصيب الأسد فيها ولهما امتدادات وشبكات عديدة عسكرية ومدنية ونفوذ لا يزال مؤثرا وأموال يستطيعان بها شراء الذمم وعرقلة مرحلة الانتقال والتأثير على الانتخابات الرئاسية في ، 2014 وما بعدها، وبرغم كل ما حدث بينهما فقد يصطلحا ن في ظروف متغيرة. إن الجدير حقيقة بالترحيب هو إعادتها للتوازن النسبي بين الشمال والجنوب بعد أن أطاح به صالح بعد . حربه الغشوم عام 1994 الحل: من واجبنا أن نعمل على الحفاظ على سلامة ونقاء جسد القوات المسلحة لأنها هي التي عانت من تعييلها في عهد صالح ولم تكن كلها متورط في الفساد فالأغلبية فيها نظيفة اليد وقلة هي التي أساءت إليها ومرغت سمعتها في الوحل. ولكي تبرأ من أدرانها ومن مراكز القوى يجب تطبيق قانون التقاعد فيها في أسرع وقت ممكن لنعيش بأمان ودون خوف من عودة الماضي وهيمنة رموز الصراع والفساد فيها. وإلى جانب ذلك يجب أن ينص الدستور الجديد على أن لا يزيد سن من يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية على 60 عاما، وإذا كان المرشح عسكريا ينص على أن يكون قد مر على تركه الخدمة العسكرية عشرة أعوام، ولم يكن قد تورط في فساد أو ارتكب جرائم حرب أو ساعد على ارتكاب جريمة جنائية أو ساعد الجاني على الإفلات من العقاب ولا تشوب سمعته شائبة ويعلن عن ذمته المالية وثروته في اليمن و خا ر جه . وبهذا نضع بعض أسس الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة.