حيثما وليت وجهك أو ناقشت مع أناس من مختلف الاتجاهات السياسية والحزبية، الجغرافية والمهنية بما في ذلك المواطن العادي وحتى بعض من وزراء في هذه الحكومة ذاتها، الكل يتفق أن حكومة الوفاق الوطني هي أكثر الحكومات عجزا وفشلا في أداء المهام الملقاة على عاتقها. وقد صنفها عدد من المانحين الدوليين بأنها حكومة "القدرة الصفرية". هذا المستوى البائس من الأداء لهذه الحكومة في ظل هذه الظروف العصيبة، يمثلان سببا ذاتيا مدمرا إضافة إلى الاسباب الموضوعية الماثلة التي من شأنها تقويض مسار العملية الانتقالية السلمية ودفعها نحو الفشل. هل يوجد مبرر مقنع لحكومة الوفاق تقنع به المواطن اليمني أينما حل وذهب عن أسباب عجزها الفاضح في معالجة الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وعدم معاقبة المعتدين المعروفين على خطوط نقل الطاقة، والبترول، ومنع التردي المستمر للخدمات التعليمية والصحية والخدمات العامة الأخري بعد مضي أكثر من سنتين من توليها شئون إدارة البلاد؟ وهي التي تُسْمعِنا عبر وسائطها الإعلامية معرفتها العميقة بمشكلات البلاد الكبيرة والعميقة والساخنة. ينبطق على هذه الحكومة قول الشاعر مع بعض التعديل: فإن كنت (لا) تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم. ليس المقصود بهذا المدخل النيل من شخصيات هذه الحكومة الذين يتمتع العديد منهم بقدرات وخبرات متراكمة وإحساس رفيع بالواجب الوطني والتحلي بالنزاهة والشرف، ولكن النقد يتوجه إلى المنظومة والآلية المشغلة لهذه الحكومة. فهي منظومة أيدلوجية متنافرة وآلية عمل غير متوافقة بامتياز. معظم الوزراء الشاغلين للمناصب في حكومة الوفاق وغيرها من المؤسسات والمصالح الحكومية الموكل إليها مهام إنجاح المرحلة الانتقالية قد وضعوا في أماكنهم طبقا لاعتبارات مصالح وإستراتيجيات الاحزاب السياسية التي تدير المرحلة الانتقالية، وكل فريق له أهدافه الواضحة والخفية، الآنية والبعيدة التي كثيرا ما لا تتوافق فيما بينها، والتي تعلو عند بعضها على المصلحة الوطنية العليا، وبهذا يسعى كل طرف للتمدد والتوسع على حساب الأطراف الأخرى وتقويض مصادر قوته وإضعافه بالاضافة إلى تقديم معايير الولاء على معايير الكفاءة والنزاهة عند اختيار الاشخاص. فهي حكومة اتفاق على الفشل أكثر منها حكومة وفاق على إنجاح المرحلة الانتقالية وإخراج البلد من أزمته. كان من المنتظر أن تتشكل حكومة كفاءات لإدارة الأزمة الساخنة والعميقة التي تفتك بهذا الوطن الغالي المثخن بالجراح ، تتحدد أولوياتها طبقا لاعتبارات وضرورات المرحلة الانتقالية التي تتمركز مقتضيات الملايين من اليمنيين في بؤرتها، وهي اعتبارات أمنية وأقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى. وليس في ذلك عبقرية في القول إن تحسين الخدمات الأساسية وعلى رأسها الكهرباء والصحة والتعليم وتوفير المياه النقية، وتأمين الأمن يفترض أن تكون الحكومة قد حققت اختراقا كبيرا ونجاحا ملموسا تكسب بها ثقة المجتمع والمواطن في مسار العملية الانتقالية بما يتوافق مع أهداف الثورة الشبابية الشعبية. لكن الذي نشهده بأنه وبعد نحو 500 اجتماع لهذه الحكومة، والبيانات والقرارات الصادرة عنها، أن مشكله الكهرباء لم تتحسن، والخدمات الصحية تسوء والتعليم يتدهور والفقراء والعاطلون يتكاثرون، والأمن الشخصي للمواطن ينهار في المدن والأرياف حتى على مستوى شوارع العواصم الكبرى للمحافظات. لقد وقع وزراء هذه الحكومة رهينة لغلبة المنطق والتكتيك الايدلوجي للأحزاب السياسية التي ينتمون إليها ومزقت عقولهم وقلوبهم المنكافات الحزبية والسياسية المستدامة، وذلك لأنهم في الأصل رهائن لها. إما إذا ما تذكرنا أن معظم هذه الأحزاب التي تدير العملية الانتقالية قد حكمت أو شاركت في الحكم بنسب متفاوتة خلال الخمسين عاما الماضية هي التي أوصلت اليمن إلى هذا المأزق الكارثي، وهي الأحزاب التي لم نلحظ منها مراجعة نقدية حقيقية وصريحة وشفافة لأخطائها وفشلها والاعتراف بما اقترفته بحق هذا الوطن وتصحيحها إلا فيما ندر منها، وانها ما برحت تعزف نفس السمفونيات السابقة عبر التقاسم والاقصاء ، فإنه من غير المتوقع أن تقدم لنا هذه الاحزاب مخرجا آمنا وواثقا لأزمة اليمن السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة. لقد بات هذا اليمن الحبيب ليس أكثر من مجرد بقالة لهذه الأحزاب تؤخذ منه ما يغدي شهيتها التي لا تكف عن الشبع. إن المفتاح لحكومة أجدر هو وجود حكومة طوارئ يديرها تكنوقراط ذو كفاءة ومعرفة وخبرة ، ومتحللون من النزعة الايدلوجية الفضة ، ويتمتعون بالاستقلالية عن النزعات والمصالح الحزبية ضيقة الأفق، تلك النزعات التي تغلّب عادة الولاءات الحزبية والسياسية والاجتماعية والعصبيات الأيدلوجية على المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص والإدماج، على أن يكون مشهودا لهم بالنزاهة والمسئولية، وسعة الأفق مما يمنحهم العمل برؤية وطنية إستراتيجية قابلة للتحقق والنفاذ على مستوى الأجلين القريب والبعيد. وأهم ما في الأمر هو قدرة هذه الحكومة على العمل بتناغم وتضامن من أجل تأمين نجاح مسار العملية الانتقالية من خلال توفير متطلبات المواطن اليمني من تلك الخدمات الأساسية العامة بمستوى شامل ومقبول يرضى عنه المواطن الذي من شأن رضاه أن يساند بقوة العملية الانتقالية في اليمن ويدافع عنها، بدلا من أن ينقلب ويثور ضدها.