لماذا نستغرب أن يوظف الدين الإسلامي بهذا الشكل الصادم والمفجع لخدمة السياسة بالقرن الحادي والعشرين وقد وظف كثيرا منذ قرون سابقة وجعل الدين تحت امرة السياسة ورهن إشارتها؟. غزوة 1994 م على الجنوب التي شنتها قوى الإسلام السياسي مدعمة بالقوة العسقبيلة التقليدية اليمنية ومسلحة بلسان ( بروباجندا) تكفيري سليق، لم تكن مضت هذه الغزوة إلا نسخه من أرشيف هذآ التوظيف المدمر والخلط العمد إلى حد التماهي بين حق الخالق والمخلوق بجعل الدين جسر مرور إلى ضفة السياسة والمصالح الدنيوية. شيطنة مخططي غزوة الجنوب نهاية (تسعينات القرن العشرين) تكاد تكون مستوحاة، بل قل هي (نسخ - لصق) من فكرة القائد الفرنسي الشهير (نابليون بونابرت) التي أعدها لغزو مصر في (تسعينيات القرن الثامن عشر) وتحديدا 1798 م. فقد أتقن هذا القائد بدهاء كيف يتعاطى حيال مشاعر المصريين المرهف تجاه دينهم، وأدرك فرط حساسية معنى العامل الديني عند شعب متدين حتى النخاع، وطفق - أي نابليون - يعزف على هذا الوتر الحساس مستغل نسبة الجهل المرتفعة بين العوام من الناس في فترة زمنية تتقاذفهم فيها أطراف النفوذ والهيمنة والتنافس الاستعماري الأوربي المستعر. أطرف ما بالأمر أن يعلن (نابليون بونابرت) وهو على عتبات ميناء الإسكندرية أنه قد غير اسمه إلى (علي بونابرت) بل وأعلن أن فرنسا كلها قد أسلمت، أتي هذآ فى طي رساله مطولة بعث بها إلى السلطان الحاكم بمصر حينها يؤيد جلالته ويمتدح فيها الإسلام بكل عبارات المدح والإطراء، ويلعن فيها خصوم السلطان (المماليك)، قائلا: ( "بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله وحده ولا شريك له في ملكه ... أيها المشايخ والأئمة ... قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله يطلب منهم مقاتلة المسلمين، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني .. أدام الله ملكه ... أدام الله إجلال السلطان العثماني أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك وأصلح حال الأمة).! فكم تتشابه الصورة إلى حد التطابق بين علي عفاش بونابرت وعلي كاتوشا وبينها كبيرهم الذي علمهم كيف يكون الدين طيع ورهن إشارة السياسة وإن صبغت له كل اللحى بلون شديد الحمرة. - حكمة: الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء؛ إذ الغباء في ديننا معصية .!