(الشعب يريد إسقاط الحكومة).. شعار يُسمع منذ أسابيع من قبل الحوثيين ومن بعض الراغبين بالحصول على نصيب أكبر في السلطة، يتكرر هذا الخطاب دون تفكير بالمعاني والنتائج.. كالعادة أغلب البشر يفكر بعقل غيره، ولا يعطي لعقله الفرصة ليفكر بما يسمع. الدفاع عن الحكومة وأخطائها لم يكن ولن يكون أبداً عملي.. كلا؛ فما أهدف إليه من هذا المقال هو توضيح ما الذي يحدث حولنا، وأي فراغ قانوني يمكن أن يصيب اليمن في حال تم إسقاط الحكومة بالطريقة ((الهادوية)). لا يخفى على الجميع أنه ومنذ توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية نهاية 2011م تم تجاوز ومخالفة نصوص دستورية متعددة في الدستور النافذ، وكان أهم ما خولف طريقة اختيار رئيس الجمهورية، حيث نص الدستور على وجوب اختيار شخصين على الأقل للترشح أمام الشعب، وهو ما لم يتم، بل تم انتخاب الرئيس بطريقة أشبه بالتصويت الاستفتائي (نعم أو لا)، كذلك تم تجاوز مدة مجلس النواب والشورى المنصوص عليهما دستورياً، ولم يتم إجراء الانتخابات في موعدها، كذلك طريقة تشكيل الحكومة من حزب الأغلبية في البرلمان وحده. دخل اليمن بالتالي في مأزق قانوني شديد حين تم التوقيع على المبادرة وآليتها دون اعتبارها إعلاناً دستورياً مكملاً، واستفتاء الشعب عليها لتصبح شرعية وفقاً للمتفق عليه من أن الشعب مصدر السلطات ومانح الشرعية، ولا يكون الشعب موافقاً على شيء إلا عبر صناديق الاقتراع وحدها المعيار الشكلي والموضوعي للتيقن من قبوله أو عدمه وبمعيار الأغلبية، وخلاف ذلك لا يكون للشرعية معنى والاستثناء الوحيد محل جدل، كما سيأتي.. المأزق بدأ حين استفتى الشعب على هادي المنتخب طبقاً لنصوص المبادرة الخليجية وليس نصوص الدستور الحالي، ولم يعترض من يعتد بهم من الشعب على المبادرة، وبالتالي صار الظاهر أن الأغلبية وليس الإجماع يوافقون عليها وعلى رأي بعض فقهاء القانون الدستوري فإن ما حدث يمكن أن يطلق عليه العرف المعطل للدستور، تم تنفيذ نصوص المبادرة الخليجية، ولم يصدر أي قرار جمهوري بعدها إلا بديباجة (بعد الاطلاع على الدستور والمبادرة الخليجية ونصوصها التنفيذية) تم تشكيل الحكومة الحالية المقسومة نصفين بين (السلطة السابقة والقوى المعارضة لها آنداك)، ونصت الآلية لكل متأمل على ما يمكن اعتباره صلاحيات مقسومة بين الرئيس الانتقالي ورئيس الحكومة الانتقالية، وأن أي قرار يصدر يتم بالتشاور بينهما ويتحملان بالتساوي تماماً مسؤولية أي قرار يتخذ في البلد. بعد ذلك كان أهم التزامات الآلية التنفيذية للمبادرة الدعوة لمؤتمر الحوار، وكان قرار تشكيل تحضيرية المؤتمر مستنداً على آلية المبادرة وبعده قرار اللائحة المنظمة لمؤتمر الحوار، وبعدها بدء مؤتمر الحوار، والذي استطاع مراهقو السلطة الجدد أن يمرروا فيه دون تصويت الأعضاء بحسب اللائحة مقترحات غريبة، أهمها تغيير الحكومة الحالية، رغم أنها لا تنتهي مدتها ومدة الرئيس وفقاً لآلية المبادرة إلا بانتخابات جديدة بعد سنتين من التوقيع على المبادرة. سكت الكثيرون على مخالفة مرجعية مؤتمر الحوار التي لا يجوز تجاوزها؛ كونها من أتت بمؤتمر الحوار، وبدونها لم يكن ليعقد أصلاً، وأعني آلية المبادرة، ليصبح الوضع القانوني أنه طالما لم يأتِ عبدربه للرئاسة ومعه الحكومة وبعدهما مخرجات الحوار الموفمبيكي إلا استناداً للمبادرة وآليتها فإن أية مطالبة بإسقاط جزء من الآلية إسقاط لها كلها، وبالتالي فإن مطالبة الحوثيين وبما يتوافق مع رغبة الرئيس هادي كما قال عبدالملك الحوثي في أحد خطاباته بإسقاط الحكومة يجعل وجوباً إسقاط مقررات مؤتمر الحوار. إن من ترف القول التأكيد على أن نقض العهود بشكل متكرر لا يجعل للعهود أية قيمة قانونية، ونقض أي جزء من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية من قبل من وجدوا تحت مرجعية المبادرة سيجعل كل شيء في اليمن يعود إلى نقطة الصفر ويعيد العملية السياسية إلى الفراغ، فما الذي سيحكم مرحلة ما بعد إسقاط حكومة المبادرة، بالتأكيد الفوضى، فلم يتم حتى اليوم استفتاء الشعب على دستور مقررات الموفمبيك، والتي تصبح بالتالي غير ذات قيمة قانونية لحين وضعها في دستور مقبول باستفتاء شعبي. حذارِ من استمرار مخالفة العهود حتى الخاطئة منها، فمن لا عهد له لا دولة له.