بدا تخبط السياسة الأميركية واضحًا تجاه الأزمة في اليمن، وبالذات تجاه جماعة "أنصار الله" والقاعدة، الذين تأكد للمسؤولين - متأخرين - من أن ما كانوا يفاخرون به عن نجاحهم في حربهم عليها وتحجيم خطرها يفتقر إلى الدقة، وهو ما جعل محللين وسياسيين يجاهرون بانتقاد أوباما وحكومته. وتضاعف ارتباك الموقف الأميركي بعد أن قدم الرئيس والحكومة استقالتيهما في ال 22 من يناير الماضي، والذي بدا مفاجئًا لهم، إذ لم يتمكن المسؤولون الأميركيون من اعتماد موقف واضح ومحدد من جماعة "أنصار الله"، فضلاً عن عدم قدرتهم توصيف إرغام الرئيس على تقديم استقالته إنْ كان انقلابًا أم أن ما حصل ليس أكثر من قرار له علاقة بفشل الرئيس والحكومة، وبالذات وقد خلت استقالة هادي من ذكر ما يشير إلى أنه قد أُرغم عليها. وتفاوتت نظرة المسؤولين الأميركيين لما حدث، وهو ما يؤكد عدم وجود موقف موحد تجاه الحوثيين، وكذا عن مدى علاقة ما يجري في اليمن بالمنطقة وإيران بحسب اتهامات المملكة السعودية والخليج. وأكد موقع "WND" الأميركي، أن سياسة الولاياتالمتحدة الأميركية تجاه اليمن تتسبب في المزيد من الفوضى بالمنطقة، وذلك بهدف زعزعة استقرار الشرق الأوسط. وقال الموقع: إن إشاعة الفوضى باليمن تحقق مزيدًا من اضطراب الشرق الأوسط، وتثبت فشل سياسة البيت الأبيض الخارجية حسب ما رأى الكابتن تشاك ناش - ضابط البحرية الأميركية المتقاعد. وأكد ناش أن توجيه ضربات للإرهابيين في اليمن لا يزيد الأمر سوى المزيد من عدم الاستقرار الشامل والفوضى التي يعاني منها الشرق الأوسط منذ اندلاع ثورات الربيع العربي. وشدد على أن أوباما يلعب لعبة شديدة الخطورة، موضحًا أن أميركا بلد الحريات، وأنها كانت تحاول تصدير تلك الحريات للدول الأخرى، ولكن تحويل الدول للديمقراطية ليس أمرًا سهلاً. ولفت إلى أن تنظيمي القاعدة وداعش يمثلان خطرًا بالغًا على الإنسانية، مطالبًا بالتعامل معهم بصرامة، مؤكدًا أن الضعف ينتج المزيد من المشكلات. وفي هذا السياق، الذي يكشف تضارب تصريحات المسؤولين عن مدى الخلل الحاصل الذي ضاعف من المشكلة في اليمن، وفيما قال الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الأدميرال جون كيربي: إنّ الولاياتالمتحدة ليست لديها أي أدلة، على تلقي حركة "أنصار الله" الحوثية في اليمن، دعمًا من إيران. مستدركا بالتوضيحً: "أنا لا أنفي التقارير التي تتحدث عن دعم إيراني للحوثيين، ولكني أقول: إننا لم نرَ - حتى الآن - أي أدلة للدعم أو أي نوعٍ من التواصل أو التواطؤ".. قال رودس - نائب مستشارة الأمن القومي الأميركي، أثناء حديث للصحافيين قبل توجهه إلى الرياض: "إننا على علم أن إيران، ومنذ أشهر، ومنذ سنوات، تقدّم - أحيانًا - دعمًا ماديًّا للحوثيين في اليمن".. مضيفًا: "إذن، بينهم علاقة". وعلى ذات السياق من الإرباك كانت التصريحات الأمريكية حول المستجدات الحاصلة في اليمن ومدى علاقة الأميركيين مع الحوثيين، في ظل الشعار الحوثي المرفوع ضد أميركا، وفي وجهها، وبالذات بعد أن تم استهداف سيارات تابعة للسفارة الأميركية وللسفير نفسه، وعلى هذا الاتجاه، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جوشوا بيكر وجود محادثات مباشرة مع الحوثيين في اليمن أو تنسيق معهم، مشيرًا إلى تعاون مسبق بين المؤسسات الأمنية اليمنية والأميركية. وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية «الپنتاغون» جون كيربي قد قال في وقت سابق: إن مسؤولين أميركيين يشاركون في محادثات مع ممثلين عن الحوثيين، مشيرًا إلى أن هذه المحادثات لا تتعلق باتفاق لتقاسم المعلومات الاستخبارية حول تنظيم «القاعدة» في اليمن.. لا يوجد اتفاق رسمي للقيام بذلك، ونحن بحاجة لهذه الاتفاقات الرسمية كي نكون قادرين على فعل ذلك". وأضاف ل"فرانس برس": «نظرًا إلى الفوضى السياسية، من الصواب القول: إن مسؤولين حكوميين أميركيين هم على اتصال مع مختلف الأطراف في اليمن، حيث الوضع السياسي متحرك جدا ومعقد جدا».. وتابع: «من الصحيح القول - أيضًا - إن الحوثيين سيكون لهم بالتأكيد أسباب للتحدث مع الشركاء الدوليين ومع الأسرة الدولية عن نواياهم، والطريقة التي ستتم فيها العملية». ويربط أوباما وحكومته بين العملية السياسية وقوة الحوثيين على الأرض، وبين الحرب على القاعدة، وهو ما فرض عليهما التوازن. ويتضح من تصريحات الرئيس الأميركي أنه ينظر إلى الأطراف السياسية بعين واحدة، كما تجنب الحديث عن انقلاب.. وقال - خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أثناء زيارته للهند - إنه "يجب احترام العملية السياسية في اليمن من أجل حل الوضع سلميًّا".. مضيفًا: أن "على كل الأطراف التحاور بدلاً من اللجوء إلى العمل العسكري". وأضاف: أن بلاده تعمل مع دول الخليج بشأن التطورات في اليمن، لكنه أردف قائلاً: إن الأولوية القصوى - حاليًّا - هي التأكد من سلامة المواطنين الأميركيين في اليمن. ونظر أوباما إلى تنظيم القاعدة في اليمن، باعتباره أولوية.. مؤكدًا أن الأولوية هي مواصلة الضغط من أجل مكافحة إرهاب التنظيم. من جهته اوضح رئيس موظفي البيت الأبيض، دنيس ماكدونو، من أن قادة أميركا "لم يتفاجأوا" بانهيار الحكومة اليمنية.. وأضاف: أن هذا لن يعيق الجهود الرامية لمحاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وقال ماكدونو، في مقابلة مع برنامج "واجه الأمة" على شبكة "سي بي إس": سنواصل كذلك التأكد من أن لدينا استخبارات قادرة على رؤية التهديدات فور ظهورها.. وأيضًا سنواصل العمل على الوضع السياسي؛ لأننا نعرف أن القاعدة تستفيد من حالات الاضطراب". وأضاف ماكدونو: "سنحتاج إلى الشركاء في المنطقة لمساعدتنا في تنظيف تلك الأماكن.. وأفضل طريقة لذلك هي إيجاد قيادة قوية وشفافة، وهذا ما سوف نستمر في البحث عنه". وقال ماكدونو: "أعتقد أنه من المهم جدًا أن ندرك أن الحكم في اليمن كان صعبًا دائمًا.. سنواصل الضغط على الجهات الفاعلة على الأرض لاتخاذ قرارات تؤدي إلى اتفاق سياسي يتسم بالشفافية، حتى نتمكن من العمل معهم للحفاظ على الهجوم ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وكان الرئيس أوباما يعتبر اليمن أنموذجًا للجهود الأميركية في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الجهود التي تركّز على القضاء على التهديدات التي يتعرض لها الوطن الأميركي. وقال أوباما، خلال رحلته إلى الهند: "لم يكن اليمن يومًا ديمقراطية مثالية أو جزيرة من الاستقرار".. وأضاف: "سيكون البديل بالنسبة لنا هو نشر القوات الأميركية في كل مرة يظهر فيها الإرهاب داخل أي بلد من البلدان، وهذه ليست استراتيجية مستدامة". وقال ماكدونو: إنه في هذه المرحلة، يجب على الولاياتالمتحدة الضغط من أجل حلّ سياسي في اليمن، وأن تساعد في جعل قوات الأمن في المنطقة أكثر فعالية من خلال استمرار برنامج التدريب والتجهيز، وأن يكون لديها معلومات استخبارية جيدة حول متى يظهر تهديد المتعصبين. وعلى غير ما وصلا إليه، وفي مقابلة منفصلة مع برنامج "واجه الأمة"، قال رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، جون ماكين: إن ماكدونو والرئيس "فقدا الاتصال مع الواقع". وفي تقرير ل "إريك شميت" - نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، تحت عنوان: "بوادر الاعتدال تظهر في اليمن رغم شعارات الحوثيين" - ذكر فيه أن الشعارات الرسمية للحوثيين، القوة المهيمنة الآن في اليمن، لا تنطوي للوهلة الأولى على الكثير من الأمل بالنسبة للسياسيين الأميركيين؛ لأنها تضمن عبارة "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود". ويشير التقرير إلى أنه رغم إصرار مسؤولي إدارة باراك أوباما في واشنطن على أن عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن ضد تنظيم القاعدة، بما في ذلك غارات الطائرات بلا طيار، ستستمر بغض النظر عن صعود الحوثيين.. كانت هناك مؤشرات على أن الاضطرابات السياسية أدت إلى تعليق أو خفض أو تغيير بعض المهام وعمليات التدريب المحددة. وذكر مايكل فيكرز، أبرز مسؤولي السياسة الاستخباراتية في وزارة الدفاع الأميركية، الأسبوع الماضي، أن هيمنة الحوثيين على البلاد تصاعدت خلال الأشهر القليلة الماضية، ولكنها لم تؤثر في البعثات الأميركية؛ نظرًا لمعاداة الحوثيين لتنظيم القاعدة.
ويشير تقرير الأزمات الدولية إلى أن قدرة السياسيين الأميركيين على مواصلة حربهم ضد تنظيم القاعدة في اليمن هي مسألة مهمة؛ لأن فرع تنظيم القاعدة هناك يشكّل أكبر تهديد إرهابي بالنسبة للولايات المتحدة في الوقت الراهن، ولا سيّما بعد أن أعلن مسؤوليته عن الهجوم هذا الشهر على مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة.