تعد المشكلة الصومالية من أعقد المشكلات السياسية والأمنية في القارة الإفريقية في الوقت الراهن، فلم تنجح الجهود الإقليمية والدولية طوال 17 عاما الماضية في إيجاد تسوية لها، ولم يعد محللون كثيرون قادرين على فهم استمرار تلك الأزمة داخل شعب لا توجد بينه فوارق في الجنس واللغة والدين والعادات والتقاليد، إلا أن المتابعين للشأن الصومالي يرون أن مرد هذا التجانس الانقسامات الحادة بين الصوماليين منذ اندلاع الأزمة في ،1991 عندما أطاحت جبهات مسلحة النظام العسكري بقيادة الجنرال الراحل محمد سياد بري، فكان الصوماليون يأملون في أن يؤدي ذلك إلى طي صفحة الظلم والاستبداد اللذين مارسهما النظام البائد الذي حكم الصومال بالحديد والنار 21 عاما بحق الشعب. وعلى الرغم من أن الجبهات التي شاركت في إسقاط الحكومة العسكرية كانت ذات طابع قبلي وممثلة لكبريات القبائل الصومالية "الهوية" و"الدوارت" و"الإسحاق"، فإن كثيرين كانوا يتوقعون أن تتوصل تلك الجبهات إلى وفاق، وتقوم بتشكيل حكومة وطنية، غير أن تلك التوقعات لم تتحقق، وأعلنت الحركة الوطنية الصومالية من طرف واحد استقلال الأقاليم الشمالية (أرض الصومال)، وأقامت جبهة الخلاص الوطني حكما ذاتيا في ولاية بونت لاند، وتفكك المؤتمر الصومالي الموحد جبهة قبيلة "الهوية" إلى فصائل متناحرة، لعبت الدور الأكبر في الفوضى العارمة التي اجتاحت طول الأراضي الصومالية وعرضها، وكانت في السنوات الماضية محاولات عدة لإزالة الخلافات بين الصوماليين، وتم تشكيل حكومات في مؤتمرات مصالحة عدة عقدت في الخارج، إلا أنه لم يطرأ تحسن في الأوضاع السياسية والأمنية، حيث أدت الانقسامات البينية إلى إخفاق تلك الأنظمة في إيصال سفينة السلام في الصومال إلى بر الأمان، وفشلت السلطة الحالية التي تم تشكيلها في نيروبي في 2004 في إحراز أي تقدم، بسبب الخلافات الداخلية التي رافقتها منذ وصولها إلى الصومال، حيث انقسمت إلى جناحين، أحدهما بقيادة الرئيس عبد الله يوسف ورئيس الوزراء السابق علي محمد جيدي واتخذ من مدينة جوهر (90 شمال) مقرا له، وآخر بزعامة رئيس البرلمان الصومالي السابق شريف حسن شيخ آدم الذي تحالف مع زعماء حرب كانوا أعضاء في الحكومة وتمركزوا في العاصمة، وما لبث أن نجحت الحكومة اليمنية في إيجاد صلح بين الجناحين، حتى ظهرت خلافات جديدة بين يوسف وجيدي، وقضت الحكومة معظم فترتها الانتقالية التي لم يبق منها إلا القليل على مقاومة الخلافات الداخلية، إلى جانب التحديات التي تثيرها المعارضة التي لم تسلم أيضاً من إرث الخلافات، حيث شهد صفوفها انقسامات، خصوصاً بعد هزيمة مسلحي المحاكم الإسلامية قبل عام، إثر اجتياح إثيوبيا للصومال تحت ذريعة دعم الحكومة. وتفاقمت الخلافات في تأسيس تحالف إعادة تحرير الصومال في العاصمة الإريترية أسمرا قبل خمسة أشهر، مكون من قيادات في المحاكم الإسلامية ومنشقين من الحكومة الصومالية والبرلمان ومغتربين، فقد اعتبرت حركة "الشباب"، الجناح العسكري للمحاكم، انضمام الرئيس التنفيذي للمحاكم شيخ شريف أحمد والشيخ حسن طاهر أويس رئيس مجلس الشورى إلى التحالف الجديد انحرافا عن "الجادة" وتضامنا مع من أسمتهم الحركة علمانيين، وتطورت الخلافات مع الوقت حتى وصلت إلى حد القطيعة، ما ينذر حسبما يعتقد مراقبون بطول الأزمة الصومالية، طالما لا توجد هناك رؤية موحدة للحكومة ولا المعارضة، إزاء حل المشكلات السياسية والأمنية في الساحة الصومالية. (الخليج)