يمثل رجال الميليشيات المسلحة المنتشرين على طول سواحل الصومال في البحر الأحمر والمحيط الهندي بقواربهم الصغيرة البخارية المسلحة بشكل جيد وبتقنيات غربية حديثة، كابوسا يوميا للسفن والبواخر المارة عبر هذه المنطقة التي لم يفلح وجود بعض قطع أسطول البحرية الأمريكية في إرهاب القراصنة الصغار (أو جن البحر) عن مواصلة البحث كل يوم عن غنيمة جديدة. وفى أحدث عملية من نوعها يحتجز قراصنة صوماليون مجهولو الهوية اليخت الشراعي الفرنسي الفخم "لو بونان" منذ أيام في منطقة ايل الواقع في إقليم البونت لاند ( أرض اللبان) شمال شرق الصومال. واليخت الخالي من الركاب يضم 30 بحارا 20 منهم من الرعايا الفرنسيين والبقية من أوكرانيا. وبدأت فرنسا تحركات سياسية وعسكرية مكثفة في محاولة لتحرير اليخت. الكابوس البحري بالنسبة للعالم فإن تزايد نشاط القراصنة وتصاعد وتيرة أعمالهم, بات يمثل كابوسا بحريا رهيبا، أما بالنسبة للقراصنة أنفسهم فإن الأمر لا يعدو سوى كونه وسيلة للرزق والحصول على عملة صعبة وقضاء وقت مثير ما بين المطاردات والاختباء. يكشف مسؤول صومالي النقاب عن أن بعض القراصنة يرتبط بعلاقات مالية وأمنية مع بعض قادة الفصائل والعشائر وأمراء الحرب السابقين مقابل تقاسم الربح أو الحصول على جزء منه. وقال المسؤول الذي طلب عدم تعريفه في اتصال هاتفي من العاصمة الصومالية مقديشيو, إن بعض العشائر في المناطق النائية تقدم لهم المأوى والحماية مقابل الحصول عل نصيب من الغنيمة، معتبرا أن استمرار نشاطهم مرهون بوجود حكومة مركزية قوية قادرة على فرض سيطرتها برا وبحرا. مستلزمات القرصنة الناجحة لشن عملية ناجحة للقرصنة فإن كل ما تحتاجه بحسب نفس المسؤول هو 20 رجلا مسلحا على متن قاربين يتجولان فى هدوء فى عمق المياه الإقليمية وعندما تقترب الفريسة "الهدف" فإن طلقات الرصاص ستتكفل بإخماد أي مقاومة وإذا ما تدهورت الأمور فقذيفة صاروخية واحدة يمكن أن تعطب السفينة أو تغرقها أو تنسفها, الخيار يبقى دائما لقائد السفينة وربانها. لم يدرس القراصنة علم النفس لكن غريزة البحث عن المال مكنتهم من اكتشاف الطريقة المثلى لتحقيق هدفهم بسرعة, فبحارة السفن لن يغامروا بإضاعة سفنهم وحمولتها وهم مستعدين مقابل إطلاق سراحهم وتأمين عودتهم إلى التفاوض مقابل بعض المال. فى العام الماضي وكما يعترف مسؤول عشائري صومالي فإن إجمالى الفديات التي تم دفعها وصل إلى أكثر من 10 ملايين دولار أمريكي, بعضها مرئي ومباشر والآخر ذهب إلى وسطاء. أغلب القراصنة مجرد أشخاص عاديين وبعضهم لم يستكمل تعليمه ولا يعرف حتى كيف يمكنه أن يكتب اسمه, لكنه يحصل على راتب متوسط يبلغ 10 دولارات أمريكي يوميا وهو مبلغ ضخم مقارنة بتدهور الحالة الاقتصادية في البلاد وقلة الوظائف وفرص العمل المتاحة. أوكار القراصنة لا يعرف أحدا تحديد أوكار القراصنة الذين شملت عملياتهم مناطق مختلفة من سواحل الصومال الطويلة والممتدة, بينما تعجز السلطة الانتقالية التي يقودها الرئيس الصومالي عبد الله يوسف عن وضع حد لنشاط هؤلاء الذين تقدر مصادر مسؤولة عددهم بنحو 300 شخص. هذا العدد كما تشير المصادر ليس كبيرا لكن بفضل التكتيكات التي يتبعونها فإنهم يمثلون صداعا في رأس أصحاب السفن والبواخر التي شاء لها حظها العاثر أن تبحر صوب المياه الإقليمية للصومال, ومع ذلك فإنه بإمكان هؤلاء أن يتسببوا فى وقف النشاط البحري فى هذا البلد المضطرب. جن البحر يقول مسؤول غربي على صلة بملف القراصنة: "إنهم يشبهون عناصر الجنجويد فى إقليم دارفور بغرب السودان, وإذا كان هؤلاء يعنى اسمهم الجن الذي يركب الخيل فإن جنجاويد الصومال أو قراصنته هم الجن الذي يركب البحر". هل يحمل الأمر مبالغة؟ , "ربما لا"، يقول ديبلوماسى عربي يعمل فى الصومال من دولة مجاورة: "القراصنة يمثلون بالفعل كابوسا رهيبا ولا أحد قادر على منعه, ينبغى أن تسعى الحكومة الصومالية بالتعاون مع المجتمع الدولي للحد من خطرهم، قد ينتهي الأمر بمنع السفن من المرور صوب سواحل الصومال". وبدلا من أن تكون السواحل التي يصل طولها إلى 3 آلاف كيلو متر بمثابة وسيلة مضمونة للحصول على مساعدات دولية واغاثية فى بلد دمرته تماما الحرب الأهلية التي اندلعت عقب سقوط نظام حكم الرئيس المخلوع محمد سياد برى عام 1991, فإن المساعدات تكاد تتوقف تحت تأثير ضربات القراصنة. ومنذ عام 1991 فقد تفشت القرصنة في المياه قبالة سواحل الصومال. وتظهر بيانات مكتب البحرية الدولي أن القرصنة انتقلت من المياه الساحلية إلى أعالي البحار على بعد 200 ميل من الساحل. البحرية الأمريكية تتدخل وكانت البحرية الأمريكية قد حثت أيضا السفن التجارية على الابتعاد عن الساحل الصومالي بعد سلسلة من الهجمات كان أخطرها إطلاق القراصنة النار على سفينة تجارية باستخدام المدافع الآلية والقذائف الصاروخية. هل يمكن للقراصنة أن ينوبوا عن الإرهابيين؟ سؤال يرى مسؤول فى الاتحاد الأوروبي أنه بات مطروحا فإذا كان بإمكان القراصنة الاختباء فى أماكن معينة على السواحل الصومالية واستخدامها أوكارا لهم تمهيدا لفرض ضربتهم ثم العودة مجددا، فإن الكابوس الأخطر أنه يمكن للقراصنة تهريب الإرهابيين إلى داخل الأراضي الصومالية عبر البحر بأجر. المسؤول الأوروبي الذي طلب عدم تعريفه قال "هذا أمر طبيعي إنهم يعملون من أجل المال, وإذا كان الحصول عليه يعرضهم للمخاطر واحتمال مواجهة قوات أمريكية وغربية منتشرة على طول السواحل، فما الذي يمنعهم من الحصول على نفس الأجر مقابل مخاطرة أقل؟!. ووصفت منظمة الأمم المتحدة عمليات القرصنة بالطاعون الذي يهدد بقطع الإمدادات الحيوية للمعونات عن مليون شخص, حيث يمثل نشاط القراصنة تصعيدا خطيرا في نمط الهجمات لأنها أصبحت تهدد ممرات التجارة الدولية. المصدر : العربية نت