في مطلع سبعينات القرن العشرين، خرجت نساء الحزب الاشتراكي اليمني مع عدد من قياداته إلى شوارع محافظة عدن، في تظاهرة رفعن فيها شعارات تدعو إلى تحرير المرأة، مطالبات بحرق «الشواذر» غطاء الرأس، إذ اعتبروه حائلاً دون تحرر المرأة، وحصولها على حقوقها، ومساواتها بالرجل. وبمراجعة تاريخ الحركة النسوية في اليمن، تكون تلك التظاهرة هي الوحيدة التي طالبت بتحرر النساء، في حين خلت مسيرتهن، مذ ذاك وحتى اليوم، وعلى رغم التغيرات الكبيرة التي حصلت في اليمن، من أي دعوة صريحة تنادي ب «تحرر المرأة». غير أن تلك المناداة تبلورت في قالب المطالبة بحقوق المرأة، ابتداء من حصولها على حقها في التعليم، وانتهاءً بمشاركتها في المعترك السياسي. وهما، على الأقل، الأمران اللذان واكبا الحركة النسوية في اليمن في كل مراحلها. ولا تزال المطالب نفسها قائمة، منذ تحقيق الوحدة اليمنية منتصف 1990، وحتى الآن. وعلى ذلك، فإن مفهوم «تحرر المرأة» في اليمن، لا يزال غائباً، ويُتعامل معه بنوع من الحذر والإنكار، إذ ترتبط كلمة «التحرر» في ذهنية الناس عند ذكرها وإضافة كلمة «المرأة» إليها، بالجانب السلبي على الفور. وحينئذٍ، يصبح الحديث عن تحرر المرأة في اليمن حديثاً «مستنكراً». تقول وميض شاكر، ضابطة برامج «الجندر» في منظمة «أوكسفام»، أن مصطلحات مثل «تحرر المرأة» انتهت بانتهاء الصراع بين الرأسمالية والاشتراكية. وسقطت كل المطالبات بهذا التحرر، وتوجه العالم نحو التنمية الشاملة والتحرر من الفقر والقيود المدنية والمناداة بحقوق الإنسان، امرأة ورجل. والمرأة في هذا الحراك هي الفاعل الرئيس. وتضيف شاكر: «المرأة في اليمن مساهِمة أساسية في عملية التنمية الشاملة، لكن مساهمتها غير منظورة وغير مقدرة، إذ لا يعترف أحد بذلك. لذا، فالأمر يحتاج إلى بذل جهود كبيرة، وهو أمر منوط بالحكومات بالدرجة الأولى، باعتبارها صاحبة القرار». وتشدد على أن الحراك النسوي في اليمن كان سياسياً منذ بدايته، والبلد يمتلك تراثاً غنياً في هذا الجانب، لكن المرأة في الجمعيات النسوية، لم تكن لها هوية مستقلة، وظلت تنمو داخل الأحزاب والمنظمات ومن خلال أفكارها. وبعد الوحدة اليمنية، وجدت المرأة مساحة للتنظيم وأصبحت الحركة النسائية تأخذ شكلها المستقل، ولكنها كحركة لا تمتلك أجندة واضحة وليس لها أيديولوجية موحدة. وتقول رئيسة مؤسسة برامج التنمية الثقافية، رؤوفة حسن، التي ترفض مصطلح التحرر: «لا أتفق والمصطلح، وأعتبر ربطه بالمرأة أو بالحركة النسوية في اليمن، كلاماً غير دقيق». وهي ترى أن التحرر ليس بالمصطلح الجديد، فعمره أكثر من مئة عام، والتخاطب به لم يعد وارداً، «وما يجري الحديث عنه حالياً هو التغيير الاجتماعي والتحديث والتنمية والتطور، وهي مجالات تستهدف المرأة والرجل، إذ لكل منهما الحق في الحصول على حقوقه الأولية في التعليم والصحة والغذاء السليم». وتلفت إلى أن مطالبات الحركة النسوية بتعليم النساء في بداياتها، جاءت لأن عدد المدارس كان محدوداً، ولأنها قضية مجتمعية عامة، وليس للأمر علاقة بتحرر المرأة. وهبية صبرة، عضو المكتب السياسي ورئيسة دائرة المرأة في الحزب الاشتراكي، كان لها رأي مغاير تماماً، إذ اعتبرت أن مسيرة تحرر المرأة في اليمن، شهدت انتكاسة بعد أن كانت مزدهرة منذ الاستقلال وحتى سبعينات القرن الماضي. وهي تشدد على أن أوضاع المرأة في تلك الحقبة، «كانت أفضل مما هي عليه الآن». وترجع صبرة ذلك إلى ما وصفته بالمد الأصولي والسلفي الذي اجتاح عدداً من الدول العربية ومنها اليمن، فوجّه خطاباته المضادة للمرأة، عبر المسجد والإعلام، ما عرقل مسيرتها التحررية، وتسبب في حدوث هذه الانتكاسة التي تعانيها المرأة، في الوقت الحالي. وتضيف العضو في الحزب المعارض أن ما حصل في السابق، هو تراكم سياسي وثقافي وفكري ومجتمعي، «لامس مشاعر المرأة وقادها نحو التحرر عن قناعة، فضلاً عن وجود تربة خصبة تسمح لهذه الأفكار بالنمو. إلا أن اندثار ذلك التراكم الآن، أدى إلى تراجع المنادين بتحرر المرأة، اما عن قناعة وإما خوفاً من ردود فعل الشارع السلبية». ولذلك، ترى صبرة أن اليمن ابتعد عن مسار الحركة العالمية، لأن المرأة اضطرت إلى الاستجابة لمطالب المد الأصولي، ربما لتحافظ على وظيفتها أو وضعها الاجتماعي، نظراً إلى ارتباط السياسي بالاجتماعي، وصعوبة الفصل بينهما. وتتمنى صبرة أن تنجح الحركة النسوية في خلق تراكم جديد يعيد للمرأة وضعها التحرري التقدمي المشرف. وإلى ذلك، فإن نضال المرأة في اليمن لنيل حقوقها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور حركة المجتمع المدني، لأن النهوض بالمجتمع يؤدي إلى النهوض بالمرأة، كونهما واحداً لا ينفصل، وهو ما يدركه جيداً القيّمون على الحركة النسوية في اليمن، التي تبدو، مقارنة بالحركات النسوية العالمية والعربية، كأنها تخطو خطواتها بخجل ووجل. *(الحياة)