المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية مثلت مراسم إحياء ذكرى اليوم العالمي للمرأة الموافق 8 مارس 2013 في العالم العربي حلقة جديدة في متوالية التغيرات الجذرية التي شهدتها المنطقة. فقد مست تلك التغيرات المشهدَ على كافة المستويات. فعلى مستوى الحركة لم تعد مجرد احتفالات بل أخذت شكل مسيرات ذات طبيعة ثورية. أما على مستوى المطالب فلم تتوقف عند حد المطالبات بالحقوق الاجتماعية، بل امتدت لتشمل مطالب سياسية ودستورية، وذلك بهدف البحث عن موقع مناسب لدورها في المعادلة السياسية في عصر الثورات العربية، حيث انعكس ذلك في الدعوات التي أطلقتها العديد من التنظيمات النسائية في البلدان العربية بخاصة مصر والمغرب وموريتانيا، والتي نددت بشكل واضح بسياسات الإقصاء والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
فعلى الرغم من أن المرأة في أغلب الدول العربية قد ساهمت بشكل ملحوظ في المسارات المختلفة للثورات الشعبية والاحتجاجات الجماهيرية، فإن ذلك لم ينعكس في الحصاد السياسي لهذه الثورات، سواء من حيث التمثيل في المؤسسات النيابية، أو العضوية في المجالس التأسيسية الدستورية، أو الوجود في السلطة التنفيذية، أو التمتع بحصة لمقاعدها في المجالس المنتخبة فيما يطلق عليه بالكوتة النسائية؛ بل إن إحدى الظواهر اللافتة للنظر أن الدول التي لم تشهد ثورات شعبية، مثل السعودية والجزائر وسلطنة عمان، حظيت النساء فيها بوضع أفضل من تلك التي شهدت ثورات. فعلى سبيل المثال، أصدر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، في 11 يناير 2013، مرسومًا يقضي بتعيين ثلاثين امرأة في مجلس الشورى، وهي النسبة التي تمثل 20% من إجمالي عدد المقاعد في المجلس. كما حصلت المرأة الجزائرية على نسبة غير مسبوقة من التمثيل النسائي، على 146 مقعدًا، وهو ما يمثل حوالي 31.6% من إجمالي عدد المقاعد. وحصلت المرأة العمانية على 4 مقاعد في المجلس البلدي، في حين لم تتحسن أوضاع المرأة في النظم الجديدة التي وصلت للسلطة بعد الثورات، مثل مصر وتونس وليبيا واليمن. مؤشرات التراجع تعددت وتنوعت صور التهميش السياسي للمرأة في دول المنطقة العربية بشكل عام ودول الربيع العربي على وجه الخصوص؛ إذ يأتي ذلك في إطار عدد من المؤشرات الكمية والكيفية للتراجع، لعل أبرزها أو أكثرها تأثيرًا ما يلي: أ- انخفاض مستوى المشاركة في البرلمانات، حيث لم ترقَ نسب مشاركة المرأة في لجان صياغة الدساتير الجديدة لدور المرأة في الثورات، ففي مصر بلغت نسبتهن في اللجنة التأسيسية 6%، وهي النسبة التي وصفها المجلس القومي للمرأة بأنها مهينة للغاية، ولا تتناسب مع نسبة المرأة في المجتمع المصري، ولا مع دورها في المجتمع والثورة المصرية، كما بلغت نسبة مشاركة المرأة في مجلس الشعب المنحل 2%. أما في تونس فجاءت نسبة التمثيل النسائي 13% فقط في المجلس التأسيسي، وهو ما يعد تراجعًا كبيرًا، حيث كانت النسبة في آخر برلمان في عهد الرئيس السابق بن علي قريبة من 25 %. كما بلغت نسبة التمثيل النسائي 15% في المؤتمر الوطني الليبي. وهو ما حدث أيضًا في انتخابات مجلس الأمة الكويتي حيث بلغت نسبة التمثيل النسائي 1.5%. وهي النسب التي تعد ضئيلة للغاية مقارنة بدورهم في الحراك السياسي في تلك المجتمعات. ب- تجاهل الحقوق السياسية في الدساتير؛ حيث خاض حزب النور السلفي حربًا شرسة ضد حقوق المرأة في الدستور المصري، لا سيما فيما يتعلق بالمادة المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى حذفها من الدستور المصري في نسخته الأخيرة، ذلك بالإضافة إلى عدم ذكر المرأة بشكل منفصل في الدستور، إلا أنه قد تمت الإشارة إليها في سياق الأسرة في المادة "10"، وهو ما أثار حفيظة مختلف المنظمات النسوية، وعلى رأسها المركز المصري لحقوق المرأة. وقد حدث ذلك بشكل متقارب في تونس، حيث وجدت المرأة التونسية أن حقوقها منتهكة بشكل كبير في ظل الدستور المزمع صياغته، لا سيما المادة "28" التي تحدثت عن ضرورة التكامل بين دور المرأة والرجل داخل الأسرة، وأغفلت مبدأ المساواة بين الجنسين، وهو ما انعكس في قيام النساء التونسيات بالعديد من المظاهرات التي طالبت بشكل أساسي بضرورة دسترة حقوق المرأة لا سيما مع التخوفات المرتبطة بسيطرة حزب النهضة -الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين- على المجلس التأسيسي ونظرته غير المنصفة للمرأة. إلا أن ذلك لا ينفي اعتراف بعض الدساتير بالحقوق المتساوية للمرأة مع الرجل، وعلى رأسها الدستور المغربي الذي تم تعديله عام 2011، والذي نص في الفصل التاسع عشر من الباب الثاني على تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ومكافحة كافة أشكال التمييز. ج- ضعف التمثيل النسائي في الحكومات الجديدة؛ إذ كانت نسبة المشاركة النسائية في الوزارات ضئيلة للغاية، ففي مصر لم تشغل المرأة في حكومة د. هشام قنديل سوى وزارتين فقط من إجمالي 35 وزارة، وهما التأمينات الاجتماعية والمعاشات وشئون البحث العلمي، وهما من الوزارات محدودة التأثير، وهو ما تكرر مع المرأة في تونس في ظل حكومة حمادي الجبالي أيضًا، حيث لم يشغلن سوى 3 وزارات فقط من إجمالي 41 وزيرًا وهي وزارات البيئة، وشئون المرأة، وشئون الإسكان. وفي ليبيا مُثلت المرأة في حكومة علي زيدان بامرأتين فقط من إجمالي 30 وزيرًا، في وزارتي السياحة والشئون الاجتماعية. كما شهدت حكومة عبد الإله بنكيران في المغرب تراجعًا في التمثيل النسائي، حيث مُثلت بوزارة واحدة فقط، وهي بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، وذلك من إجمالي 30 وزيرًا. كما شغلت المرأة اليمنية 3 حقائب وزارية في حكومة الوفاق الوطني من إجمالي 35 وزارة بقيادة محمد سالم باسندوة. د- عدم تخصيص كوتة في المجالس المنتخبة، وهو ما بدا جليًّا في النسخة الأخيرة من الدستور المصري، حيث تخصص نسبة محددة للتمثيل النسائي كما حدث مع فئات أخرى كالعمال والفلاحين، كما أنه أيضًا لم يدرج أي نسبة للنساء في قانون الانتخابات الجديد المعروض على مجلس الشورى، هذا أيضًا ما حدث في تونس، فعلى الرغم من أن القانون قد نص على ضرورة أن تكون نصف القوائم الانتخابية من النساء إلا أنه لم يحدد نسبة محددة لتمثيل المرأة في البرلمان التونسي. وحتى في البلدان التي لم تلغ الكوتة النسائية فإن نسبتهن جاءت قليلة، ولعل أبزر الأمثلة على ذلك قانون الانتخابات الأردني المعدل في صورته الأخيرة، فقد خصص 15 مقعدًا للكوتة النسائية من إجمالي 150 مقعدًا أي ما يبلغ نسبة 10% فقط. أسباب التراجع تتنوع أسباب تراجع دور المرأة وخاصة في مرحلة ما بعد الثورات العربية منها ما يرتبط باستراتيجيات التحرك النسائي ذاته، ومنها ما يتعلق بالبيئة الخارجية المحيطة. ولعل أبرز تلك الأسباب، ما يلي: أولها: وصول تيارات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في أغلب بلدان الربيع العربي، وهي التي تنظر إلى دور المرأة نظرة متدنية، فحزب النور في مصر يقف ضد محاولة تمكين المرأة، عبر وضع كوتة في قانون الانتخاب المزمع مناقشته؛ إذ وصل الأمر إلى وصفهم تحديد تلك النسبة بأنها غير دستورية، وفقًا لتصريحات الدكتور ياسر برهامي أحد أقطاب حزب النور والدعوة السلفية، وهو الدور ذاته الذي تقوم به التيارات السلفية في تونس. ثانيها: العامل الثقافي المتعلق بترسخ الصورة الذهنية النمطية في العقلية العربية عن المرأة وحدود دورها، باعتبارها غير قادرة على القيام بما يقوم به الرجل، حيث تتحكم تلك الرؤية في عقلية الناخب العربي -سواء كان رجلا أم امرأة- بشكل كبير عند الإدلاء بصوته في العملية الانتخابية، مما أدى إلى انخفاض التمثيل النسائي بشكل ملحوظ في البرلمانات المنتخبة. ثالثها: حالة التشرذم التي تعاني منها الحركات النسائية في الإقليم، حيث تعاني تلك الحركات من فشل في التجمع تحت مظلة أو جبهة موحدة من أجل الضغط للحصول على حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى عدم تحديد أجندة موحدة شاملة للمطالب الذي تسعى للحصول عليها. آليات المواجهة لا شك أن عملية الإقصاء والتهميش الذي تعاني منه المرأة جزء لا يتجزأ من منظومة متكاملة من التهميش الممنهج الذي يتعرض له كل من يختلف مع الأنظمة الجديدة في التوجهات والرؤى. وفي هذا السياق تتوقف قدرة الحركات النسائية على التخفيف من وطأة تداعيات السلبية لهذا التهميش، والتراجع عبر القيام بمنظومة من الإجراءات السريعة والفعالة، والتي يأتي في مقدمتها بلورة رؤية واضحة عن المطالب والحقوق التي تسعى للحصول عليها عبر عقد نقاش شامل وموسع لكافة التنظيمات والحركات النسوية على المستويين الداخلي، ومن ثم الإقليمي، فضلا عن السعي لتطوير استراتيجيات وآليات جديدة للعمل الميداني داخل الشارع السياسي لا سيما تلك التي ترتبط بشكل مباشر بالتأثير على العوامل الثقافية والاجتماعية المرتبطة بنظرة المجتمع العربي للمرأة، وأهمية دورها كفاعل رئيسي على الساحتين السياسية والاجتماعية، علاوة على الضغط بشكل مكثف والمستمر من أجل تضمين الأطر الدستورية التي لا تزال قيد الصياغة على الحقوق الأساسية للمرأة، والدفع نحو وضع حقوق المرأة بشكل واضح في إطار المنظومة القانونية للدول التي انتهت من صياغة دساتيرها. وأخيرًا، العمل على إفراز نخبة جديدة من القيادات النسائية الشبابية، غير المرتبطة بأي علاقات بنيوية مباشرة أو غير مباشرة مع الأنظمة السابقة التي سقطت بفعل الثورات، في إطار محاولة شاملة لجذب قاعدة شعبية أوسع تؤمن بمزيد من الحقوق للمرأة. (*) أحمد زكريا الباسوسي باحث بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية