مايكل نايتس (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) - في الشهر الماضي، حاول أتباع تنظيم القاعدة اقتحام السفارة الأميركية في صنعاء، عاصمة اليمن، ما أسفر عن مقتل 17 شخصاً بمن فيهم امرأة أميركية. ويبرز الهجوم المشكلة المستمرة للإرهاب في اليمن، حيث جهدت الولايات المتحدة واليمن في تحقيق مستوى مناسب من التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. ويتمثل التحدي الذي يواجهه صانعو السياسة الأميركيون في تحقيق مستوى أكبر من التأثير على الحكومة اليمنية، وتقوية قدرات تلك الحكومة في مكافحة الإرهاب، وتقديم الدعم، بشكل متزامن، للإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تمس الحاجة إليها في ذلك البلد. القاعدة في اليمن شهد يوم 17 أيلول - سبتمبر الماضي سيارتين مفخختين وهما تفشلان في اختراق سور السفارة، قبل أن ينجح فريق من أربعة رجال، بشكل غير ناجح في اقتحام مبنى السفارة سيرا على الأقدام وهما متخفيان في هيئة قوات أمن محلية وقد تمنطقا بحزامين ناسفين. وكان هذا هو الهجوم الثاني الذي يشن على السفارة الأميركية هذا العام. وكان الهجوم الأول هجوماً صاروخياً تم شنه يوم 18 آذار - مارس الماضي وأفضى في حينه إلى مقتل شخصين يمنيين. وكان الطرف الذي أعلن مسؤوليته عن هذه الأعمال والعشرات من الهجمات الإرهابية الأخرى منذ عام 2006 هو خلايا تسمي نفسها باسم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية - كتائب جند اليمن". ومنذ بدئها العمل في عام 2006، بقيت هذه المجموعات تأتمر بقيادة إرهابيين كانوا قد هربوا من السجن اليمني في نفس تلك السنة. ولتلك المجموعات أتباع أيضا في دول مجاورة، مثل المملكة العربية السعودية، حيث كان مسؤولون حكوميون سعوديون قد رفعوا درجة التأهب في آب - أغسطس الماضي، استجابة لوجود دليل على أن مقاتلين يتخذون من الأراضي اليمنية مقرا لهم كانوا يسعون إلى تنفيذ هجمات في السعودية. وفي الغضون، سعت حكومة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بفعالية للقضاء على أتباع القاعدة في هذا البلد. ومن بين الثلاثة وعشرين شخصاً الذين كانوا قد هربوا في عام 2006، ما يزال اثنان طليقين فقط، هما قاسم الرايمي وناصر الواهايشي. وتطالب بيانات المتشددين بالإفراج عن السجناء ووقف تحرش الحكومة بالمقاتلين المسافرين إلى العراق، والابتعاد باليمن عن الولايات المتحدة. عيوب في التعاون على الرغم من أن الحكومة ترغب في ملاحقة واصطياد المتشددين المرتبطين بالميليشيات المناهضة للشيعة، فإن عناصر أخرى من المجتمع الإسلامي المتشدد تستمر في التمتع بمرور حر من جانب الحكومة. وكانت الحكومة اليمنية قد جندت عناصر بشكل نشط في الثمانينيات من القرن الماضي من أجل الجهاد ضد السوفيات في أفغانستان، ومن أجل حملات جهادية أخرى لاحقاً في تسعينيات القرن الماضي. وقد استخدمت الحكومة هؤلاء "العرب الأفغان" من المقاتلين لمقاتلة الاشتراكيين في جنوب البلاد. ومع حلول عام 1998، اندلعت حرب مواجهة بين الحكومة اليمنية وبين المتشددين، وظل الكثيرون من العرب الأفغان يعملون منذ ذلك الحين في الجهاز الأمني الحكومي، كما وفي النظام السياسي. وقد سجلت عدم رغبة اليمن في مساندة التحقيقات الأميركية في حادث تفجير السفينة الأميركية "كول" في عام 2000 في عدن أخفض مستوى للثقة الأميركية في اليمن كشريك في مكافحة الإرهاب. سارع الرئيس صالح بعيد هجمات 11 أيلول ضد الأهداف الأميركية إلى زيارة البيت الأبيض، وعرض تقديم المساعدة في الحرب العالمية على الإرهاب. وقد أعطى التدريب الأميركي المتزايد والدعم العملياتي للقوات اليمنية حكومة الرئيس صالح صلاحية أكبر لشن حملات على المجموعات الإرهابية. وفي الغضون تم إجهاض مؤامرات إرهابية كانت قد حيكت ضد السفارة الأميركية وغيرها من السفارات الغربية في عامي 2001 و2002. وفي عام 2002، تم اعتقال أو قتل عدد من مدبري حادث الهجوم على السفينة الأميركية "كول" والناقلة النفطية ليمبورغ. وكان من أبرزهم زعيم تنظيم القاعدة في اليمن سنان الحارثي. خفض الدعم الأميركي في أعقاب هذه الصفعات الحاسمة التي وجهت للقاعدة في اليمن، أدارت الولايات المتحدة انتباهها بعيداً عن جهود مكافحة الإرهاب في اليمن فيما يبدو، وأعادت التركيز على نواحي القصور السياسية والاقتصادية للنظام. وكان قد تم رفض اليمن من طور عتبة الدخول إلى مشروع رصيد التحدي الألفي (MCA) في تشرين الثاني - نوفمبر من عام 2005 بسبب إخفاقه في كافة الفئات الثماني التي تؤهل المرشحين، والتي تتفاوت بين إصلاح الحكم والحريات السياسية والصحافية، وبين شؤون الصحة والتعليم والحقوق الإنسانية. وقد انخفضت المساعدات الأميركية غير العسكرية لليمن إلى مستوى 7.9 مليون دولار في عام 2005، مقارنة مع 40.6 مليون دولار هو حجم المساعدات التي حصلت عليها من المملكة المتحدة في نفس السنة.. وحتى اليوم، ومع دخول اليمن إلى رصيد التحدي الألفي، فإن الحكومة الأميركية تعرض على اليمن مبلغ 20.6 مليون دولار فقط - وهو مبلغ مرتبط بتسليم الإرهابيين المطلوبين، بمن فيهم العديد من مهاجمي السفينة الأميركية "كول". تتمثل المشكلة في أن حجم المساعدات الأميركية يظل صغيراً جداً قياساً مع المساعدات التي تقدمها الحكومات الغربية الأخرى، (تخطط المملكة المتحدة لرفع المساعدات المقدمة لليمن إلى مبلغ 100 مليون دولار مع حلول العام 2011)، كما يعتبر ضئيلاً أيضاً قياساً مع المساعدات متعددة البلايين من الدولارات التي تعهدت بتقديمها الصين ودول الخليج العربي من دون توجيه أسئلة ولا مطالب. ولم يسبق أبداً أن تم تطوير النفوذ الأميركي في اليمن على هذا النحو من السوء، ولذلك، فإنه ليس من المستغرب أن لا تقدم حكومة صالح على تقديم تنازلات مؤلمة لمجرد تأمين الحصول على مكافآت أميركية صغيرة. فشل الدولة، الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب يتعقد تحدي اليمن الخاص بالإرهاب بسبب الاحتمال القوي لأن يخضع اليمن بالتدريج لفشل الدولة، إذ ينهار الاقتصاد اليمني بشكل مستمر. وخلال الإطار الزمني ما بين الأعوام 2012-2018، يتوقع أن يفضي النقص في الوقود والكهرباء إلى المزيد من الخفض في مستوى الحياة في البلد المعروف بسرعة نمو سكانه (المتوقع أن يتضاعف عددهم مع حلول عام 2020). ومن المنظور الأوسع للأمن الإقليمي، يظل من الحاسم والحيوي منع اليمن من أن تصبح دولة فاشلة، حيث يواجه اليمن تهديداً إرهابياً نشطاً جداً من أتباع القاعدة، بالإضافة إلى تمرد قبلي غير منقطع في الشمال، وتوتر متنام في طول البلاد وعرضها بسبب المعاناة الاقتصادية والسياسية على حد سواء. وسيكون اليمن، في حال انهياره، سوق أسلحة وملاذاً إرهابياً وطريقاً للهجرة الاقتصادية التي من الممكن أن تعقد الوضع الأمني في كامل منطقة شبه الجزيرة العربية، كما وفي القرن الإفريقي. وفي الأثناء، يتعرض التعاون الأميركي - اليمني في مكافحة الإرهاب للخطر أيضاً في حال ضعفت الدولة اليمنية. ففيما يصبح حكم الرئيس صالح أضعف، تحاول حكومته الوصول إلى حلفاء إسلاميين راديكاليين لتعزيزها. ومنذ عام 2004، استفادت الحكومة من جهاديين سابقين لمقاتلة متمردي عصابة الحوثي في شمالي اليمن، وذلك في مقابل تلقي هؤلاء المقاتلين إعفاءات من الإقامات الجبرية، وتلقيهم دفعات مالية، بل وحتى منحهم السيطرة على أراضي ومساجد الحوثي. وفي الغضون، يلعب الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي تعتبره وزارة الخزينة الأميركية منذ شباط 2004 إرهابياً كونياً، يلعب الشيخ دوراً رئيسياً في حزب الإصلاح السياسي المرجح أن تحوله طغمة صالح العسكرية إلى شريك سياسي عندما تأتي ولايته الثالثة (بحكم القانون) إلى نهايتها في عام 2013. إعادة بناء النفوذ الأميركي عندما يسقط الجهاز الحالي من الزعماء المتشددين في اليمن - وهي لحظة تبدو وأنها تقترب - ربما يظهر أن المهمة قد أنجزت مرة أخرى، ومن المرجح أن السياسة الأميركية ستركز ثانية على أوجه القصور في اليمن: مثل عدم رغبتها في تجريم العائدين اليمنيين ممن خدموا في العراق، وميلها إلى تخفيف شروط الاعتقال وإسقاط التهم بالإرهاب فور التفات الاهتمام الدولي إلى مكان آخر. وفشلها في تسليم الإرهابيين المطلوبين إلى الولايات المتحدة أو تقديم ضمانات بأن لا يعاود اليمنيون الثمانية عشر الذين أفرج عنهم من معتقل غوانتانامو أعمالهم العدائية. ومع أن كل هذه الشكاوى تظل صحيحة، إلا أن تكرارها يظل أقل قيمة من إيجاد طرق عملية لاستعادة النفوذ الأميركي والتأثير على الحكومة اليمنية. ربما يكون الأمر أن من الممكن ربط المساعدات الأميركية والبريطانية والسعودية بإنجاز قدر أكبر من الإشراف على السجناء الإرهابيين اليمنيين، لكن هذا يظل تفصيلاً تكتيكياً من حيث الأساس. ومن غير المرجح أن تقدم حكومة يمنية تضعف باطراد على تقديم تنازلات مؤلمة، طالما ظلت المساعدات الأميركية غير العسكرية التي تقدمها لليمن أقل بكثير من تلك التي تقدمها دول أخرى ممن لا تفرض أي شروط. وبعيداً عن ضمان تعاون في مجال مكافحة الإرهاب، فإن هناك منطقاً عقلانياً قوياً يملي على الولايات المتحدة رفع حجم مساعداتها غير العسكرية للمساعدة في منع فشل الدولة اليمنية. وتظل فرص تلقي تعاون في مكافحة الإرهاب من يمن منهار، تاريخيا، تساوي صفراً، كما أن كلفة إعادة بناء دولة فاشلة تتجاوز كثيراً كلفة منع مثل هذا الفشل والانهيار. * زميل دولي في معهد واشنطن، متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية لكل من العراق وإيران ودول الخليج.