من يتجوّل فيه لن يحظى سوى برائحة الموت ، أو بقذيفة تعاجله في ثوانْ معدودة ، أو طائرة تلاحق أنفاسه ، فالوسائل تتعدّد والمصير واحد. إنه قطاع غزة الذي يذبح بسكين الحقد الاسرائيلي ، حيث تدور المذابح بصمت ، وتتساقط القيم الإنسانية وتتبعثر مواثيق الحقوق جميعاً ، فعدد شهداء العدوان الاسرائيلي الهمجي ارتفع امس في يومه الخامس عشر إلى 828 والجرحى إلى أكثر من 3350 نصفهم من الأطفال والنساء. وفي كل ثانية لسكان القطاع الصامدين الصابرين القابضين على جرهم لهم موعد مع جولات جديدة من الفظائع. فقد طلب جيش الاحتلال من السكان امس إخلاء بيوتهم ، تحت طائرة التهديد. ومن لم يذعن فهو فريسة للقذائف ، فلا حصانة لأحد ، حتى عمد جيش الغزاة إلى دك البيوت على رؤوس قاطنيها من المواطنين الابرياء نساء واطفالا وشيوخا. وفي محاولة لزعزعة الروح المعنوية لدى أهالي القطاع المحاصرين ، هدد جيش الاحتلال الإسرائيلي امس باستهداف كل من يتعاون مع المقاومة ، وذلك عبر منشورات تحريضية ألقتها الطائرات الإسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة. في الوقت الذي صعدت فيه قوات الاحتلال من عدوانها البربري وقصفت جواً وبراً وأرضاً أرجاء متفرقة من القطاع ، وتركز القصف على منازل المواطنين والمنشآت المدنية ، فيما سقط امس نحو 22 شهيدا في القصف الإسرائيلي المستمر وفق ما أفاد المدير العام للإسعاف والطوارىء في غزة الدكتور معاوية حسنين. في المقابل أكدت فصائل المقاومة اتحادها في مواجهة العدوان ، مؤكدة وجود درجة جيدة من التنسيق بينها ومتوعدة بإلحاق خسائر كبيرة بالاحتلال الإسرائيلي في حالة تقدمه على الصعيد البري. ووسط معارك عنيفة دارت على عدة محاور ، أطلقت المقاومة دفعات من الصواريخ على بلدات إسرائيلية منها ستة صواريخ على عسقلان حيث اعترفت تل أبيب بإصابة 14 إسرائيليا ، كما أعلنت امقاومة قتل وجرح عدد من جنود الاحتلال في هجمات وعمليات قنص. ورغم إعلان إسرائيل ما سمتها هدنة إنسانية يومية لمدة ثلاث ساعات (من الساعة الواحدة ظهرا إلى الرابعة عصرا) إلا انها واصلت قصفها وغاراتها على عدة مناطق في القطاع في الدقائق الأولى لدخول الهدنة حيز التنفيذ. وهذا يعني ان المناطق التي تشهد اشتباكات عنيفة منذ صباح امس شمال غربي مدينة غزة وشرقي جباليا لن تشملها هذه الهدنة. وقبل فترة وجيزة من الهدنة الإنسانية المعلنة من جانب إسرائيل سقط ثمانية شهداء من عائلة واحدة إثر سقوط قذيفة مدفعية على منزلهم في مخيم جباليا للاجئين ، وذلك في إطار القصف المدفعي المكثف والعشوائي الذي شهدته المنطقة. وسبق هذا القصف سقوط شهيدين اثنين في غارة جوية على منطقة السلاطين في بيت لاهيا ، وتحدثت المصادر الطبية الفلسطينية عن عدد من الجرحى خاصة من الأطفال في مناطق القصف تسعى أطقم الإسعاف لانتشالهم. وأشار المدير العام للإسعاف والطوارئ في غزة إلى سقوط شهيد وثلاثة جرحى في قصف استهدف سيارة ، إضافة إلى ثلاثة شهداء في منطقة القرارة وشهيدين آخرين في خان يونس جنوبي قطاع غزة ، وشهيد في معسكر الشاطئ بغزة. وتعرض منزل الصحفي الفلسطيني سمير خليفة الذي يعمل مراسلا للتلفزيون السوداني لقصف بقذائف الدبابات الإسرائيلية التي تتمركز في حي الزيتون شرقي مدينة غزة. وتدور معارك وصفت بالشرسة بعدما تقدم الجنود الإسرائيليون إلى منطقة "التوام" على المشارف الشمالية الغربية لمدينة غزة تجاه منطقة السودانية. وما تزال اشتباكات تدور في المنطقة التي شهدت مواجهات عنيفة الليلة قبل الماضية وفجر امس تخللها قصف جوي مكثف استهدف أحدها محطة وقود. وتصدت المقاومة بضراوة لمحاولات التوغل الإسرائيلية رغم استعانة القوات الغازية بالغطاء الجوي لقصف مواقع المقاتلين الفلسطينيين. وجرت اشتباكات عنيفة أيضا في منطقة شرق جباليا شمال القطاع ، حيث قصفت مدفعية الاحتلال المكان بشكل مكثف. كما قصفت المروحيات الإسرائيلية امس حيي التفاح والشعب شمال شرق غزة ، حيث شهدت المنطقة مواجهات عنيفة مع ساعات الفجر. وتصدت المقاومة لمحاولات تقدم إسرائيلية تجاه المناطق السكنية في حي الزيتون من الشريط الذي سيطر عليه جنود الاحتلال فيما كان يعرف بمستوطنة نتساريم في محاولة لعزل غزة عن مناطق جنوب القطاع. وبالتزامن مع الاشتباكات العنيفة الدائرة في محيط غزة اندلعت مواجهات في المنطقتين المحيطتين بمعبري كيسوفيم وصوفا جنوبي القطاع ، وشهدت المنطقتان توغلين محدودين لعدد من الآليات والجرافات الإسرائيلية وسط إطلاق نار مكثف. كما قصفت الطائرات الحربية الشريط الحدودي في رفح. وعلى الجانب الإسرائيلي أعلنت فصائل المقاومة مهاجمتها قوات إسرائيلية متوغلة وتكبيد جنود الاحتلال خسائر بين قتيل وجريح. فقد أعلنت كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس تفجير عبوتين ناسفتين بقوة إسرائيلية راجلة مكونة من تسعة جنود وقنص جندي آخر على جبل الكاشف شرق جباليا ، وتفجير منزل بداخله قوة إسرائيلية شرقي حي التفاح بغزة. أما سرايا القدس الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي فقد أعلنت قنص جندي إسرائيلي قرب حي الزيتون شرقي غزة واستشهاد اثنين من عناصرها ، وسبق أن أعلنت السرايا المقاومة قتل وجرح عدد من جنود الاحتلال في هجوم مباغت على منزل تتمركز به قوة إسرائيلية شمال قطاع غزة. لكن الجيش الإسرائيلي لم يعلن سوى عن إصابة خمسة من جنوده في معارك الليلة قبل الماضية ، مشيرا إلى أن قواته قتلت 15 مقاوما فلسطينيا في عمليات أثناء الليل ، كما قصف طيرانه 40 هدفا بينها أربعة أنفاق وما سماها مختبرات ومعامل ومخازن أسلحة. وقد تواصل إطلاق الصواريخ من قطاع غزة امس ، حيث أعلنت عدة فصائل قصفها عدة أهداف وبلدات ومستوطنات إسرائيلية. وشهدت مدينة عسقلان أقوى علميات القصف ، إذ أسفرت وفق المصادر الإسرائيلية عن جرح ثلاثة إسرائيليين إضافة إلى حالات هلع إثر سقوط ثلاثة صواريخ من طراز غراد على المدينة أصاب اثنان منها مبنيان. وأعلنت "كتائب القسام" ، عصر امس مسؤوليتها عن قصف قاعدة "بالماخيم" الجوية الاسرائيلية ، التي تبعد نحو 50 كيلومتراً عن قطاع غزة بصاروخ "غراد" ، وكذلك مدينتي أسدود وعسقلان ، وتنفيذ مهمة عسكرية بتفجير منزل مفخخ في قوة إسرائيلية خاصة بغزة. وقالت الكتائب في بيان لها "أنها قصفت هذه القاعدة ، والتي تعتبر مركزا لتخزين صواريخ الباتريوت و"حيتس" الصهيونية ، وهذا أبعد مدى تصل إليه صواريخ "القسام" شمالاً حتى الآن ، والتي تقع وسط الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48". واعترفت صحيفة هآرتس العبرية نقلا عن مصادر عسكرية باصابة 6 عسكريين اسرائيليين جراء القصف الفلسطيني لقاعدة بالماخيم. الى ذلك طرحت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مناقصة لشحن أسلحة إلى إسرائيل بغرض إيصالها في مدة لا تتجاوز نهاية الشهر الحالي. وقال متحدث باسم البنتاغون إن هذه الشحنة تشمل مخزونا أميركيا من الذخيرة في إسرائيل. من جهة اخرى أكد تقرير أعدته هيئة مستقلة في بروكسل ، ونشر امس ، أن غالبية الدول الأوروبية المنتمية للاتحاد الأوروبي تزود "إسرائيل" بالسلاح وبكميات كبيرة. وجاء في التقرير الذي أعدته مجموعة البحوث والإعلام حول السلام والأمن (كريب) أن 16 دولة من بين دول التكتل الأوروبي ال 27 ، قامت بتصدير كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية المختلفة ل "إسرائيل" بالرغم من أن الاتفاقيات الأوروبية تحظر تصدير أي نوع من السلاح للمناطق والدول التي تشهد نزاعات أو توجد في حالة حرب وهو ما ينطبق على "إسرائيل". واستنادًا إلى ما أورده التقرير المذكور: فإن فرنسا تحتل المرتبة الأولى في عمليات تزويد "إسرائيل" بالسلاح داخل الاتحاد الأوروبي.
