معارضة السلطة، وانتقاد أخطائها عمل مشروع، ويجب أن يستمر حتى تعتدل أو تعتزل، وقد استطاعت أحزاب المعارضة وبعض الصحف المستقلة، وكثيرون، بما فيهم مخلصون من الحزب الحاكم –بجهدهم ونضالهم ونصحهم الذي لم يَكّل، استطاعوا أن يكشفوا الفساد والظلم ويبينوا المخاطر التي باتت تهدد اليمن (الأرض والإنسان)، وأمست تلتوي حول النظام الحاكم لها رغم أنه ظل يهوّن منها وما زال، إلا أنه يضطر للاعتراف متأخراً، ثم يظل يتلكأ في تبيى الحلول حتى يتسع الخرق على الراقع، ولابد له في نهاية المطاف أن يعود إلى الصواب، أو يرفع الراية البيضاء، فلا يعقل أن يكون هذا الإجماع الواسع من كل فئات الشعب على تفاقم المشكلات فقط مجرد أوهام أو أضغاث أحلام!! لذلك فإن الواجب أن لا يدبّ اليأس إلى النفوس، وأحلام اليوم حقائق الغد، والتغيير لا يتم بدون صبر وتضحيات، ولكن لابد من التأكيد على أن من يسعى للتغيير ويشكو من الظلم، ويكتوي بالاستبداد عليه أن لا يدعو إلى الانتقام من الأشخاص أو الأوطان حتى لا تستمر دوامة العنف وعدم الاستقرار، وليس المطلوب أن يحل ظالمٌ بدلاً عن ظالم، ولا مستكبر بدلاً عن آخر، فذلك لايفيد الناس شيئاً، ولا يحقق للوطن إلا المزيد من العذاب والجراح والآلام. لقد خرج الغربيون من دوامة الصراع بالالتزام بالتداول السلمي للسلطة وفق آليات عادلة وشفافة تضمن استمرار تطور الحياة ومعالجة الأخطاء، مع خروج الحاكمين بكرامتهم، وتمتعهم بحقوقهم الإنسانية والوظيفية وقد يعتزل هؤلاء العمل السياسي، أو يعيدون المحاولة وهم خارج السلطة، أما نحن فالديمقراطية دنيا لما تزل شكلاً بغير مضمون، ولم يسمح لها أن تؤدي إلى أي تغيير، ربما للاعتقاد الجازم لدى الحاكم بأنه الوحيد الأب الحاني على شعبه، وأنه يجب أن يظل السيد المطاع، وصاحب الحق المطلق، ويجد من بطانة السوء من يزيّن له ذلك ولا يصحوا إلا بعد أن يتمزق المجتمع وتفسد القلوب، وتضطرب الأحوال، وتهدر الإمكانات، وتسيل الدماء ليتعذر العلاج ولا تذهب الآلام إلا بالبتر الذي قد لا يقتصر على الأفراد والأحزاب، بل ربما سبب في تمزق البلاد وتسلط الأعداء حينها (لات ساعة مندم). الأزمات في اليمن تتفاقم، وسببها المباشر الاستئثار بالسلطة والثروة والمال والجاه والاقتصاد، والسيطرة الكاملة على كل مقدرات البلاد من قبل عدد محدود من النافذين، مع استبعاد وإقصاء للآخرين، دورات انتخابية شكلية لم تُفض إلى أي تغيير أو تحسين للأوضاع، فَفُقد الأمل عند كثيرين، ولا غرابة أن نرى التعبير عن حالة الإحباط عند الأفراد فزاد عدد المجانين، وارتفعت نسبة الانتحار، وما يزال تهريب الأطفال وفلذات الأكباد مؤشراً على سوء الأحوال، وآلاف المواطنين يتسللون إلى دول الجوار بدون أوراق رسمية يعانون الأمرّين إذا دخلوا وإذا رُحلّوا وهم يبحثون عن العيش الكريم..!! أحزاب المشترك ما تزال تعمل بصبر وتؤوده وتقدم البرامج وتنادي بالإصلاحات، وحسناً فعلت بدعوتها لملتقى التشاور الوطني وتشكيل لجنة للحوار مع السلطة، داعية معها شخصيات سياسية واعتبارية تحمل همّ اليمن واليمنيين، داعية إلى شراكة وطنية بدلاً عن التمزق والشتات الذي غدا فاغراً فاه اليوم!! أما المنادون بالانفصال فنظرتهم أنانية، فهم لا يحسون بمظالم إخوانهم في عموم اليمن، وهم يتجهون نحو المجهول الذي لن يكون إلا الصراع والضعف. على الجميع اليوم أن يُعمل العقل، ويضبط الأنفاس، ويحسن الخطاب، لا شطح ولا تسطيح، لا تخوين ولا استفزاز، لا تهويل ولا تهوين، البلاد على خطر، واليمن لا يمكنه أن يتخلى عن أخيه وتاريخه وعلاقاته، وما أشبه حالنا بشركاء بنوا عمارة كبيرة وفرشوها بالأثاث وأقاموا لها المرافق والخدمات، ثم تولى أحدهم إدارتها لكنه أساء الإدارة، وبعد فترة جاء الشركاء فوجدوا الإهمال وتشقق بعض الجدران، والتفريط في المرافق، وذهاب بعض الأثاث وارتفع صوت بعضهم أن أهدموا العمارة وأعيدوا تقسيم أحجارها وأخشابها وأثاثها وأرضيتها لأنه لم يعد للشراكة فائدة ... ترى هل يقول هذا عاقل؟! لقد أضعنا –نحن اليمنيين فرصاً كثيرة- للخروج من حالة (التقزُّم) التي نضع أنفسنا فيها، كانت لدى (علي سالم البيض) فرصة ذهبية بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق فأضاعها، وكان عند النظام القائم فرصة لإصلاح الأوضاع وترميم الجروح بعد حرب 1994م فأضاعها، وهانحن أمام فرصة جديدة تفرضها المستجدات المتسارعة، وعلينا جميعاً أن لا نفقد الصواب، وأن نسعى للتغيير بعيداً عن الانتقام، بعيداً عن الانفصال، بعيداً عن الحروب والدماء. *الصحوة