[email protected] سيبقى للثورة اليمنية نكهة خاصة, لأنها ظلت سلمية رغم سقوط الشهداء والجرحى, ولأنها لم تنزع للانتقام رغم وجود السلاح في أيدي اليمنيين, ولأن الثوار لم ييأسوا مع طول المدة, ولأن قوى المعارضة السياسية كانت موحدة منذ سنوات وقد كانت داعمة للثورة ومشاركة فيها, ولم يحدث بينها خلاف عند تشكيل حكومة الوفاق, ولأن اليمنيين أظهروا ارتياحاً للخروج بالبلاد من الوضع الاستثنائي عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية على ما فيها من الغبن والقصور! ولعل من تمام التوفيق أن العالم ظل موحد الرؤية حول الثورة اليمنية, فجاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014 بالإجماع, ومازالت جميع الدول الشقيقة والصديقة داعمة لبقاء اليمن موحداً, فالوضع الطبيعي أن يكون اليمنيون جميعاً متّحدين ضد الظلم والاستبداد, ومتفقين في مطالبهم لتحقيق العدل والمساواة وبناء دولة المؤسسات. يحتاج اليمنيون فترة انتقالية لإعادة ترتيب بيتهم الكبير, ووضع خارطة لحل المشكلات المتراكمة, والاتفاق على شكل النظام السياسي, ولولا فضل الله أولاً ثم هذه الثورة السلمية لانهارت الدولة وتمزق الوطن, فقد كانت كل المؤشرات السياسية والاقتصادية تؤكد أن اليمن يتجه ليصبح دولة فاشلة, وهو ما جعل المجتمع الدولي يتدخل تدخلاً ناعماً في فرض الحلول التي قبل بها فرقاء العمل السياسي, وبحمد الله أننا تجنبنا التدخل الدولي عسكرياً, ومازال قادة البلاد وحكماؤها يمسكون بخيوط اللعبة, وعليهم أن يمضوا إلى النهاية لبناء اليمن الجديد الذي يستوعب تطلعات الشعب, ويحقق طموح الشعوب, ويحافظ على كرامة الإنسان وحريته وحقوقه. لن يتم الخروج من الأزمات التي عصفت بالبلاد لسنوات خلت, ولن يتحقق التغيير المنشود إلا عبر الانتخابات المبكرة التي ستتم - بإذن الله – في 21من فبراير, وعلى اليمنيين أن يتفاعلوا مع هذه الانتخابات رغم أنها محسومة النتائج وليس فيها تنافس, لأن المشاركة فيها تعني الخطوة العملية للانتقال إلى مرحلة الأمن والاستقرار, والخروج من دوامة الصراع والانفلات والفوضى, وتعني أيضاً السير نحو الإصلاحات السياسية الشاملة التي ستحقق العدالة والمواطنة المتساوية, في ظل أجواء نقية خالية من التوتر والتحديات التي لا تسمح بالتقاط الأنفاس, ولا تعطي العقل فرصة للتفكير السليم!! الذين يقولون إن عدم وجود مرشحين منافسين يخالف الدستور, عليهم أن يستوعبوا بأن المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن قد تجاوزت بعض النصوص الدستورية التي حالت دون التداول السلمي للسلطة, وأن مدة الرئاسة - لهذه الفترة الانتقالية - سنتان وليس سبع سنوات حسب ما جاء في الدستور, وخلالها يتم الترتيب للوضع المستقر والطبيعي, كما أن الدخول في تنافس مع الخلاف حول قانون الانتخابات والسجل الانتخابي واللجنة العليا للانتخابات يحول دون إجراء انتخابات شفافة ومتكافئة, فنحن في وضع استثنائي جاء حلاً لتلك المعضلات..
الذين يرون أنه لا داعي للإنفاق على انتخابات محسومة النتائج , عليهم أن يتذكروا أن مئات المليارات قد أنفقت للحيلولة دون الاستجابة لمطالب التغيير ولقمع الثورة, وإن إنفاق أي مبالغ تهون لإيقاف نزيف الدماء وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وما كان ذلك سيتم لولا هذه التسوية بتفصيلاتها التي ليست مرضية للجميع. كل الاعتراضات والمثبطات يجب أن تتوارى من أجل الوصول لتحقيق المصالح العليا للوطن, فجميع اليمنيين لهم مصلحة حقيقية في المشاركة الفاعلة في هذه الانتخابات, فالمواطن يريد السكينة والاطمئنان, ويبحث عن فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة, وشباب الثورة ستتحقق أهداف ثورتهم بالانتقال من النظام السابق إلى نظام جديد سيكونون شركاء فاعلين فيه, وحتى لايبقون مجرد متفرجين, لاسيما أنهم كانوا طليعة ثورة التغيير التي بدأت تؤتي أُكلها. وجميع قوى الثورة مصلحتها في نقل السلطة سلمياً دون مواجهات لا يُعلم تكلفتها, كما أن حزب المؤتمر الشعبي العام صاحب مصلحة حقيقية في هذه الانتخابات, لأن عبدربه منصور هادي المرشح التوافقي هو أمين عام حزبهم, وهذا يجعل التجربة اليمنية فريدة لأنها لم تتجه لاستئصال الحزب الحاكم السابق, وأتاحت له الفرصة ليكون مع الإصلاحات وضد الفساد, وعليه أن لا يتردد في أن يكون مع شعبه بعيداً عن الهيمنة واستغلال النفوذ, وأي تقاعس منه عن المشاركة الفاعلة في الانتخابات الرئاسية المبكرة يعني أنه يتجه لعزل نفسه والانطواء على ذاته والبقاء في مربع الماضي الذي لم يعد ممكناً استمراره. اليمنيون في منعطف كبير في حياتهم, وهم أمام لطف رباني, وتعاطف إقليمي ودولي, وعلى أصحاب الإيمان والحكمة أن لا يضيّعوا هذه الفرصة ويشاركوا بفاعلية ليجعلوا يوم 21 من فبراير يوماً فاصلاً في تاريخ اليمن الجديد...