أكد وزير الخارجية اليمني الدكتور أبوبكر القربي أن المواجهات الدائرة في محافظة صعدة بين الجيش و”المخربين الحوثيين” تتجه نحو الحسم وفرض سيادة الدولة لإنهاء التمرد، مشيرا إلى أن الحرب المتجددة فرضت على الدولة فرضا وان الحكومة لا تزال حريصة على السلام وحقن الدماء وتتخذ من الحل السياسي رديفا للتحرك العسكري . وحمّل الدكتور القربي في حوار مع “الخليج” الإماراتية في عددها الصادر السبت ،المخربين الحوثيين مسؤولية تجدد المواجهات مشيرا إلى أن الحكومة التي التزمت بتنفيذ بنود اتفاق السلام كانت تُقابل بتجاوزات تصعيدية من جانب المتمردين الذين اتجهوا نحو توسيع رقعة سيطرتهم عبر الاستيلاء على المواقع التي انسحب منها الجيش والاستيلاء على المرافق العامة وإرهاب المواطنين وتعبئة الأتباع وتسليحهم لمواجهة الدولة وإعاقة جهود إعادة الاعمار والانتقال بأعمالهم التخريبية إلى محافظات مجاورة. ولفت القربي إلى أن الحكومة تنشد السلام وتقر بحقوق كافة مواطنيها بمن فيهم الحوثيون ولا يمكنها التعامي عن أعمال القتل والتخريب التي تمارسها جماعة الحوثي كما لا يمكنها القبول بأن يكون اليمن مرتعا للإرهابيين والمخربين، وهنا نص الحوار الذي تعيد "الوطن" نشره: صنعاء - أبوبكر عبد الله: * برأيكم لماذا تجددت المواجهات في صعدة، ولماذا اختارت الحكومة هذا الخيار؟ الجميع يعلم أن رئيس الجمهورية أعلن في يوليو/ تموز العام الماضي وقف العمليات العسكرية والعودة إلى الحوار حقنا للدماء، والتزمت الحكومة بحزمة إجراءات لإحلال السلام وإعادة الإعمار من خلال منظومة المشاريع التي بدأت عجلتها تتحرك في محافظة صعدة لإعادة بناء ما خلفته الحروب السابقة . وكان الأمل أن يلتزم المخربون بالاتفاقات الموقعة، وان يستجيبوا لجهود لجان الوساطة وأن يلتزموا بالدستور والقانون برفع المظاهر المسلحة وترك التحصينات الجبلية وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط للدولة، وإيقاف الاعتداءات على المواطنين، بما يسهم في ترسيخ السلام، ولكن ذلك لم يحدث بل إنهم تمادوا في خروجهم على القانون ومارسوا الأعمال الإرهابية ضد المواطنين وقوات الجيش والأمن واعتدوا على الممتلكات العامة والخاصة . كما واصل الحوثيون محاولاتهم التوسعية ليس في صعدة فحسب بل وفي محافظتي الجوف وحجة، وفي تماديهم في خرق القانون قاموا بقطع الطرق العامة والاستيلاء على المدارس وتحويلها إلى ثكنات للمليشيات المسلحة التابعة لهم وإجبار المواطنين على دفع الزكاة لهم خارج الأطر القانونية بالإضافة إلى تدخلاتهم المستمرة في عمل المجالس المحلية والاعتداء على المواطنين انطلاقا من قاعدة من ليس معنا فهو ضدنا . خروقات وتجاوزات * لكن الرئيس أعلن في العام الماضي أن الحرب لن تعود أبدا إلى محافظة صعدة؛ فماذا حدث؟ طوال الأشهر الماضية كانت الحكومة تتلقى الشكاوى من السلطة المحلية والمواطنين وشيوخ القبائل عن خروقات وتجاوزات للمخربين مطالبين الدولة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحمايتهم وممتلكاتهم من اعتداءات المخربين المستمرة، حيث سجلت الكثير من جرائم القتل والخطف والنهب للممتلكات العامة والخاصة بما فيها مقار السلطات المحلية في المديريات والمدارس والمراكز الصحية والمساجد والتمترس فيها وقصف المنازل وإحراق المزارع وترويع السكان . وظل المخربون يرتكبون هذه الخروقات متجاوزين كل الاتفاقيات الموقعة حتى وصل عدد الضحايا من المواطنين خلال عام واحد فقط إلى 328 مواطنا ومواطنة و200 جريح وأكثر من 500 مواطن تعرضوا للخطف بينهم أطفال ونساء . وفوق ذلك استمر الحوثيون في محاولاتهم لتوسيع رقعة سيطرتهم ليس في صعدة فحسب بل في محافظتي الجوف وحجة وبدءوا بممارسة قطع الطرق والاستيلاء على المرافق العامة ووقف عمل المجالس المحلية ومحاولة فرض أمر واقع جديد يظهر عجز الدولة عن إدارة شؤون الناس . * ثمة من يقول إن الحكومة تسرعت باللجوء إلى العمل العسكري ولم تفسح مجالا كافيا للحوار؟ على مدى الأشهر ال 13 الماضية طرقت الحكومة أبواب الحوار وشكلت لجان وساطة على المستويين الوطني والمحلي مع تأكيدها الدائم أن للحوثيين الحق في اتباع المذهب الذي يريدون، مع مطالبتهم بوقف أعمال العنف، لكن كل هذه المحاولات لم تجد صدى يذكر، حيث سجلت خلال الفترة الماضية الكثير من الانتهاكات والاغتيالات التي أدت إلى إخلال كبير بالأمن في محافظة صعدة، كما أثارت انتقادات شديدة على الحكومة التي اتهمت بالتقاعس عن أداء مسؤولياتها في تثبيت الأمن وحماية المواطنين وممتلكاتهم، فكان لابد على الدولة أن تقوم بواجبها مما أدى إلى هذا الوضع الذي نأمل أن تكون نهايته قريبة . المعتقلون والحقوق السياسية * كانت قضية المعتقلين من بين الخلافات التي أعاقت تنفيذ العديد من اتفاقات السلام، لماذا لم تتخذ الحكومة خطوات لإغلاق هذا الملف؟ الحكومة اتخذت العديد من الإجراءات كبادرة حسن نية وأولها قضية المعتقلين الذين أطلق سراحهم، من بين إجراءات أخرى مثل إعادة الإعمار وإعادة تموضع قوات الجيش والأمن وسحبها من القرى ورفع المظاهر العسكرية، وإزالة كل ما يؤدي إلى التوتر لطمأنة المخربين بصدق نوايا الدولة، وكان يحدونا الأمل في أن يباشروا بتنفيذ ما جاء في بنود اتفاق الدوحة وان يعودوا إلى رشدهم وينهوا كل مظاهر التمرد المسلح وان يسهموا مع الحكومة والسلطات المحلية في إنجاح برامج إعادة الاعمار التي خصصت لها الحكومة صندوقا خاصا رُفد بمليارات الريالات . لكن الذي حصل وفي كل المرات التي كانت الحكومة تفرج فيها عن معتقلين كانوا يتجهون فورا إلى معسكرات المتمردين في صعدة وينضمون إلى مليشياتهم المسلحة الخارجة عن القانون بدلا من العودة إلى قراهم وأسرهم . * ثمة قلق عربي وإقليمي وربما دولي من تصاعد الحرب الدائرة فيما يخص النازحين؟ ينبغي أولا التأكيد أن ظاهرة العنف والتمرد المسلح هذه ليست في اليمن فقط، فهناك بعض الدول العربية تعاني من مجاميع خارجة عن الدستور والقانون، وكما قلت فان الحكومة تخوض هذه الحرب مكرهة بسبب تمادي المخربين في خروقاتهم وعدم تنفيذ اتفاقات السلام والاستمرار في انتهاك الدستور والقانون ورفع السلاح في وجه الدولة وترويع المواطنين، والحكومة تدرك معاناة النازحين وقد أوفدت لجنة إلى حجة وعمران لتفقد أوضاعهم، كما أكدنا للمنظمات الدولية والجمعيات الإنسانية استعدادنا لتقديم كل الدعم والحماية اللازمة وتسهيل مهامهم لتقديم العون للنازحين . * اتهم الحوثيون الحكومة مؤخرا بأنها لا تعترف بحقوقهم وتعمل دائما على جر صعدة من حرب إلى أخرى، كيف ترون ذلك؟ سبق وأكدت أن الحكومة تقر بحقوق كل مواطنيها وهي حقوق كفلها الدستور والقوانين النافذة بما في ذلك الحق في المعتقد والمذهب، والحكومة لا شأن لها في المذهب الذي يتبعه عناصر الحوثي سواء كان اثني عشريا أو صفويا أو إماميا أو غير ذلك فاليمن معروف عبر التاريخ بأنه بلد التعايش بين المذاهب . والحكومة رغم أنها دائما ما تنشد السلام وحريصة على الحفاظ على حقوق مواطنيها بمن فيهم هذه المجموعة، لكنها لا يمكنها أن تتعامى عن أعمال القتل والتخريب التي تمارسها هذه الجماعة المتمردة كما لا يمكنها القبول بأن يكون اليمن مرتعا للإرهابيين والمخربين أو السكوت على محاولات الدعم الخارجي لهذه الجماعة أو السماح لأي طرف بتنفيذ أجندات على الأرض اليمنية . * أليس لديكم مخاوف من تبعات وتأثيرات سلبية قد تفرضها هذه الحرب على اليمن؟ نحن نريد لهذه الحرب أن تنتهي بأسرع وقت ممكن ونأمل أن نرى نهايتها قريبا، ونؤكد أن السلام هو الخيار الذي تتمسك به الحكومة، ولكن ينبغي أن يأتي هذا السلام في إطار الالتزام بالدستور والقانون وسيادة الدولة على هذه المناطق . والحكومة في الحقيقة تدرك أن البلد بحاجة إلى الاستقرار، لأنه مع الاستقرار ستكرس الجهود من اجل مواجهة تحديات التنمية الشاملة وعندما يحدث انفلات امني هناك أو هناك فلا شك أن فاتورته كبيرة على حساب التنمية . ولكن عندما يحدث الانفلات الأمني في منطقة ما بما يهدد حقوق وممتلكات المواطنين والاستقرار العام فعلى الحكومة حينها القيام بمسؤولياتها الدستورية مهما كلف الثمن . امتداد إيديولوجي * ثمة من يقول إن الحرب في صعدة هي حرب ضد الزيدية، كيف ترون ذلك؟ المخربون في صعدة بعيدون كل البعد عن المذهب الزيدي، وخلال الفترة الماضية لمحنا أن هناك تصعيدا من جانب المتمردين لخلق صراع مذهبي ومحاولة إظهار أن الحوثيين جماعة زيدية تحارب الحكومة وهذا في الواقع تجذيف في المكان الخطأ ومحاولة لخلط الأوراق لم تعد تنطلي على احد، فالفكر الذي تتبناه هذه المجموعة بعيد عن المذهب الزيدي الذي تعايش على مدى قرون خلت مع المذهب السني الشافعي في اليمن كما أن أتباع المذهب الزيدي كانوا في مقدمة المدافعين عن الثورة والجمهورية ولم يعتبروا أن لهم الحق الإلهي في الحكم كما تدعي هذه المجموعة . * بعيدا عن نقاط الخلاف بين الحكومة والحوثيين، هل لديكم مخاوف مما يمكن وصفه بامتدادات أيديولوجية خارجية لحركة الحوثي؟ المشكلة في اليمن أن البعض يقرأ التاريخ قراءة خاطئة ويحاول من خلاله استدعاء خلافات قديمة وإحياء صراعات لم يعد من الممكن القبول بها في القرن الواحد والعشرين، وباعتقادي أن ما يدور في صعدة ليس بعيدا عن هذا، ونحن نشعر أن هناك جماعات تخريبية تحاول الاختباء تحت عباءة المذهب الزيدي وتسعى إلى إحياء النزعة الأمامية والفكر الصفوي وهذا بالتأكيد يشكل خروجا عن المذهب الزيدي وخطر يهدد التعايش الديني في المنطقة أجمع، ونحن نتخوف من محاولات جر اليمن إلى دوامة الصراع المذهبي، لكننا ندرك خطورة هذا الملف فالصراع المذهبي خطير جداً خصوصا وان شهية من يريدون ذلك ستنفتح وقد يعملون على توسيعها في المنطقة. تفهم عربي وأوروبي * لقاءاتكم الأخيرة مع السفراء الأوروبيين والعرب حول الحرب في صعدة ماذا تناولت؟ هذه اللقاءات جاءت في إطار اللقاءات الدورية التي تعقدها وزارة الخارجية معهم لاطلاعهم على مجمل التطورات الداخلية والخارجية ومواقف الدبلوماسية اليمنية ضمن أولويات السياسة الخارجية وتوجيهات فخامة الأخ الرئيس في القضايا المختلفة . وفي قضية صعدة أكدنا لهم أن هذه الحرب لم تنشب باختيار من الحكومة، وإنما فرضت عليها فرضا ولأنها مسؤولة على تنفيذ الدستور والقانون، فإنه يتوجب عليها بسط سيادتها على كافة المناطق وحماية المواطنين، وأكدنا حرص الدولة على خيار السلام في المقام الأول واهتمامها بإغاثة النازحين الذين وصل عددهم إلى 130 ألفاً نتيجة الاعتداءات التي يتعرضون لها من عصابات الحوثيين، واستعداد الحكومة لتقديم كافة أشكال الدعم والحماية لجهود المنظمات الدولية لتقديم العون للنازحين . * هل لمحتم تفهما من قبل السفراء الأوروبيين والعرب؟ أعتقد أن هناك تفهما لموقف الحكومة وحرصاً من جميع الأطراف على دعم جهود اليمن لإنهاء التمرد وإحلال السلام . * بعد توسيع رقعة المعارك إلى الحد الحاصل اليوم هل لا تزال هناك فرص للحل السلمي؟ الحكومة وضعت شروطا للحل السلمي كما جاء في برنامج النقاط الست المعلنة، ولعلكم تابعتم خطاب رئيس الجمهورية الذي أكد حرصه على السلام ودعا إلى الحوار حقنا للدماء ولإعادة الاعمار والتنمية وبعض مما ورد في النقاط الست جاء في اتفاق الدوحة، والكرة الآن في ملعب الذين يدعون أنهم يريدون السلام من المخربين الخارجين عن القانون . * هل تعتقدون بإمكانية إجراء حوار مع تجاوز بعض البنود الواردة في النقاط الست؟ باب الحوار مفتوح إذا ما قبلت الجماعة بالمبادئ الستة التي قدمتها الحكومة والتي هي في صلب مبادئ اتفاق الدوحة، مع استعداد الحكومة للتعاون في تنفيذ النقاط الست ويجب على المخربين أن يتأكدوا من حرص الحكومة على حياتهم كما هي حريصة على حياة بقية المواطنين في صعدة إذا ما هم أوقفوا تمردهم وأعمالهم التخريبية ورجعوا عن رفع السلاح في وجه الدولة وقبلوا بالالتزام بالدستور والقانون والولاء للنظام الجمهوري في اليمن، وابدوا استعدادهم لمعالجة كل الآثار المترتبة عن أعمال العنف . * هناك قلق محلي ودولي من تفاقم معاناة النازحين كيف ترون هذا الجانب؟ كما سبقت الإشارة فإن النزوح جاء جراء الممارسات الإجرامية لجماعة الحوثي وليس بسبب العمليات العسكرية لقوات الجيش والأمن كما يتصور البعض نتيجة المعلومات الخاطئة . وقد باشرت الحكومة بخطوات جادة في مساعدة النازحين وتقديم العون للمنظمات الإنسانية الناشطة في المجال ومؤخرا فتحت حسابات خاصة عبر المصارف المحلية لاستقبال التبرعات لمساعدة النازحين وهناك عشرات اللجان تعمل في الميدان ونحاول بكل ما أوتينا من سبل التخفيف من معاناة النازحين وضمان عودتهم السريعة إلى قراهم ومنزلهم سالمين . * إلى أين تتجه الحرب الدائرة اليوم برأيكم؟ تتجه نحو فرض سيادة الدولة على كل مديريات ومناطق محافظة صعدة ليعم السلام في هذه الديار العزيزة علينا جميعا، مع التأكيد على استعداد الحكومة لحل أي قضايا حقوقية أو مطلبيه لأبناء هذه المحافظة . نحن حريصون على أن يكون الحل السياسي رديفا للعمليات العسكرية التي لا نستهدف منها سوى حماية المواطنين الأبرياء من جرائم عصابة التمرد والتخريب الحوثية وفرض سيادة الدستور وهيبة الدولة .