( صحيفة الغد اليمنية ) - منذ ما لا يزيد عن شهرين فقط جمعتني الأقدار بالقاعدي "الانتحاري" عثمان الصلوي الذي فجّر نفسه بحزام ناسف مستهدفاً موكب السفير البريطاني "تيم تورلوت" في العاصمة صنعاء الأسبوع الماضي، كانت المناسبة ببساطة تتمثل في حفل زفاف لأحد الأشخاص أقيم في قاعة أفراح بالعاصمة صنعاء، واصطحبني صديق معه لحضور ذلك الحفل.. الأناشيد الصنعانية عبر مكبرات الصوت تملأ أرجاء القاعة، وكان الشاب عثمان الصلوي كما يبدو في أوج ساعته "السليمانية"، وهي الساعة التي يصل فيها اليمنيون إلى مرحلة متقدمة من تخدير القات.. كان الصلوي، ويسميه تنظيم القاعدة "الاستشهادي"، يمضغ القات بطريقة أستطيع أستدل منها على أنه "مولعي" من الطراز الرفيع، وليس حديث عهد بهذه الأغصان، وقد علمت لاحقاً أنه بالفعل ينحدر من أسرة ذات مستوى معيشي جيد، ما يمكنه من شراء أفضل أنواع القات.. في تلك العجالة لم يكن بوسعي النفاذ إلى ذهن الشاب الصلوي لأعرف ما الذي يضمره في نفسه أو يدور في خلده، لربما حاولت إقناعه بالعدول عن فكرته مثلاً!!.. لكن على أية حال فقد كانت تلك المناسبة هي الفرصة الأولى والأخيرة التي أرى فيها الشاب العشريني عثمان الصلوي، وحينها لم أكترث كثيراً لحفظ اسمه أو ملامحه أو شيء من تفاصيل حياته، وكل ما عرفته عنه خلال دقائق معدودة أنه سجين سابق في سجن الأمن السياسي بصنعاء لمدة عامين، وهي المعلومات التي لم تعد خافية على أحد، وإن كان لدى "الغد" معلومات أخرى جديدة حول قصة اعتقاله في الأمن السياسي والخلية التي كان ينتمي إليها، سيأتي الحديث عنها في سياق هذه القصة.. الشاب عثمان علي نعمان الصلوي (22 عاما) من محافظة تعز، أنهى دراسته الثانوية في أحد المعاهد السلفية التي أدمجت فيما بعد ضمن المدارس الخاضعة لإشراف وزارة التربية والتعليم في إطار قرار توحيد مناهج التعليم في اليمن، وقد حصل الصلوي على المرتبة الأولى للمتفوقين على مستوى الدفعة التي تخرجت معه من نفس المعهد، وتشير المعلومات التي حصلت عليها "الغد" إلى أن الصلوي اعتقل في 2005 ضمن خلية تابعة لتنظيم "القاعدة" بأمانة العاصمة تطلق عليها السلطات اليمنية خلية "الحزام الناسف" أو خلية "العماري" بينما يطلق عليها عناصر تنظيم القاعدة خلية "القادسية"، وهي مكونة من 25 شخصاً، غالبيتهم من صغار السن، بينهم عثمان الصلوي، الذي لم يتجاوز حينها سن الثامنة عشرة، طبقاً لمصادر الصحيفة، وألقي القبض عليهم في سوق شميلة بأمانة العاصمة، وعثرت أجهزة الأمن، حينها، بحوزتهم على أحزمة ناسفة ومتفجرات وأسلحة أخرى ومخططات لتنفيذ عدة عمليات وصفت ب"الخطيرة" ضد منشآت ومصالح حيوية. وبرغم أن السلطات اليمنية في تقرير نشر عقب العمليات الاستباقية ضد مراكز وتجمعات عناصر "القاعدة" أواخر العام الماضي تطرقت إلى "خلية الحزام الناسف" ضمن الخلايا التي نجحت الأجهزة الأمنية في تفكيكها خلال السنوات الأخيرة، مشيرةً إلى أن عدد عناصرها 25 فرداً، إلا أنه وفقاً لمعلومات موثوقة فقد قدمت السلطات اليمنية للمحاكمة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء عدد 14 متهماً فقط من أفراد هذه الخلية، وذلك مطلع العام 2006، ولكن لم يكن "الانتحاري" الصلوي من بين المجموعة التي قدمت للمحاكمة، إذ تشير المصادر إلى أن جهود الأسرة وتعاونها مع الجهات الأمنية نجحت في الحيلولة دون تقديمه للمحاكمة ضمن أفراد الخلية برغم اعتقاله معهم في نفس المكان من السجن. وكان أفراد الخلية قدموا للمحاكمة في تاريخ 4 فبراير 2006، بتهمة الاشتراك بالاتفاق الجنائي وتشكيل عصابة مسلحة لمهاجمة الأجانب والأميركيين بشكل خاص في العاصمة صنعاء، وشخصيات سياسية وعسكرية وأمنية بينهم رجال مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية والأمن السياسي والمباحث العامة، وفي تاريخ 19 إبريل 2006 أصدرت المحكمة الابتدائية الجزائية المتخصصة التي نظرت قضيتهم أحكاماً ضد بعض عناصر الخلية بالحبس مدداً تراوحت بين 7 سنوات وسنة ونصف، وأعفت أحد المتهمين من العقوبة كونه قام بإبلاغ الجهات المختصة. وتتفق هذه المعلومات جزئياً مع ما كشفته أسبوعية (26 سبتمبر) التابعة للجيش الخميس الماضي من معلومات أولية حول نتائج التحقيق بشأن هذه العملية، تشير إلى أن الصلوي يعد ضمن خلية تطلق على نفسها "الحزام الناسف"، وأن الأجهزة الأمنية قامت باعتقال معظم أعضاء الخلية بمن فيهم سبعة أشخاص لهم علاقات وثيقة مع المفجر، وتجري التحقيقات معهم، مشيرة إلى أن هؤلاء كانوا اعتقلوا سابقاً في أعقاب هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 بالولايات المتحدة للاشتباه في وجود علاقة لهم بالقاعدة، لكن أطلق سراحهم بعد عامين في السجن، وأضافت بأنه ما زالت عملية الاعتقالات مستمرة لكل من يشتبه تورطهم في هذه العملية، إضافة إلى ذلك تعقب قائد دراجة نارية مجهول كان في موقع الهجوم الانتحاري تشير المعلومات الأولية لدور رئيسي له في العملية. وتنفي مصادر خاصة ل"الغد" بأن يكون الصلوي قد سافر إلى بريطانيا أو أي بلد آخر، حسبما أشاعت بعض المصادر الصحفية، لكنها تزعم بأن الصلوي تعرض للتعذيب وسوء المعاملة أثناء اعتقاله في سجن الأمن السياسي، وعقب الإفراج عنه ظل يتردد شهرياً على مقر الأمن السياسي للتوقيع، وذكرت بأنه تلقى تدريبات في محافظة مأرب على فترات مختلفة، ومن دون معرفة أسرته، وأنه غاب عن الأسرة منذ حوالي الشهر والنصف عندما طلب الإذن من أبيه في حضور عرس أحد أصدقائه ولم يعد إلى المنزل، وقد توجهت أسرته بإبلاغ السلطات الأمنية حينها بخبر اختفائه. وكان تنظيم "القاعدة" قد عبّر أكثر من مرة عن إشادته بخلية "القادسية"، التي يعتقد أن الصلوي أحد أفرادها، ووصفت هذه الخلية في مقال نشرته دورية "صدى الملاحم" الصادرة عن التنظيم في عددها الثامن، بأنها "ضربت أروع الأمثلة في حمل هم المساجين وكان من عملها التخطيط لضرب السفارة الأمريكية والأمن السياسي". وتعد ثقافة الأحزمة الناسفة واحدة من مرتكزات الاستراتيجية الفكرية والعسكرية لتنظيم "القاعدة"، وتحظى هذه الثقافة بأولوية لدى قيادات التنظيم، وتستهدف بدرجة أساسية الشباب صغيري السن، ولطالما ركز الخطاب الإعلامي للتنظيم على استراتيجية "الأحزمة الناسفة"، ونشرت العديد من القصائد الحماسية التي تفاخر بهذا الأسلوب من المواجهة مع من يصفونهم ب "الصليبيين" ومعهم "المرتدين"، كما يحرص عناصر "القاعدة" المدرجون على قوائم المطلوبين لأجهزة الأمن على ارتداء الأحزمة الناسفة بصورة دائمة، في حين تُظهر الصور التي يبثها التنظيم على مواقع الإنترنت لعناصره أثناء تدريباتهم العسكرية وهم يلفون حول خواصرهم الأحزمة الناسفة. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن معظم العمليات التي تبناها الفرع الإقليمي للقاعدة في جزيرة العرب خلال السنوات الأربع الأخيرة كانت هجمات "انتحارية" بأحزمة ناسفة، بما في ذلك عمليات استهداف الأفواج السياحية في اليمن، أو حتى عمليات "القاعدة" خارج اليمن مثل محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، وعملية النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب في محاولة تفجير طائرة ركاب أميركية فوق مطار ديترويت ليلة عيد الميلاد ديسمبر 2009، وأحياناً يجمع عناصر التنظيم بين السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، كما حدث في الهجمات التي استهدفت المنشآت النفطية في سبتمبر 2006، والهجوم على السفارة الأميركية بصنعاء في سبتمبر 2008. في الوقت الذي يبدو أن جهاز التصنيع العسكري للقاعدة تفنن خلال الثلاث السنوات الأخيرة في تطوير صناعة المتفجرات المستخدمة في الأحزمة الناسفة وابتكار وسائل جديدة على غرار التقنيات التي استخدمها التنظيم في عمليتي اغتيال الأمير محمد بن نايف ومحاولة تفجير طائرة ركاب ديترويت. والأمر الذي لا يزال يشكل هاجساً مقلقاً للأجهزة الأمنية في اليمن والعالم يتمثل في عشرات الشباب المطلوبين أمنياً على ذمة ما يسمى تنظيم "القاعدة"، الذين يُخشى أن يكونوا قنابل بشرية موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، على غرار الشاب الصلوي.. في حين يتعاظم القلق إذا علمنا أن أضعاف هؤلاء، لا تعرف الأجهزة الأمنية عنهم شيئاً، وهم ربما يمثلون خطورة أكبر سيما إذا كانوا من صغار السن أيضاً على غرار المفجرين اللذين نفذا عمليتين منفصلتين منتصف مارس الماضي، الأولى في شبام حضرموت استهدفت سياحاً من كوريا الجنوبية والثانية بعد يومين في شارع المطار بصنعاء استهدفت محققين ودبلوماسيين من نفس الدولة.