عصام السفياني - اخترقت قذيفة نفاثة ظهر ألجمعه قبل الماضية الجدار القبلي لمسجد النهدين الواقع داخل أسوار دار رئاسة الجمهورية مخلفة تركة ثقيلة من القتلى والإصابات بين صفوف كبار قادة الدولة وحرس الرئيس علي عبد الله صالح الذي أصيب هو ايضاً في الهجوم الذي جاء في وقت تشهد فيه الأزمة الناشبة في اليمن منذ أربعة أشهر تطورات متسارعة على الأرض أثارت مخاوف كبيرة على مستقبل البلاد. القذيفة لم تحدد منصة انطلاقها ولا هوية من وجه إحداثياتها إلى مكان تتواجد فيه قيادات الصف الأول في الدولة على الرغم من الاتهامات التي شملت أولاد الشيخ عبد الله الأحمر لتضم إلى جانبهم تنظيم القاعدة وأحزاب المشترك الذي سماهم المؤتمر الشعبي العام في بيان له الانقلابيون . أحدثت القذيفة فراغا في كل مؤسسات الدولة الكبرى "الرئاسة – مجلس النواب- رئاسة الحكومة – مجلس الشورى " وكان بإمكان هذا الفراغ أن ينهي ماتبقى من أركان النظام الذي شهد خلال أربعة أشهر انهيارات متتابعة ابتدأها اللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة الشمالية الغربية لتلحق به قائمة من الأسماء في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والدبلوماسية . كبار قادة الدولة وعلى رأسهم الرئيس صالح غادروا الى السعودية للعلاج وتولى نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي إدارة البلاد حسب نص الدستور غير أن المعارضة والمطالبين بإسقاط نظام الرئيس صالح وجدوا أنفسهم في ذات الدائرة التي يطوفون داخلها منذ أربعة أشهر من العمل الاحتجاجي الذي انتهى إلى مواجهات مسلحة مع قوات النظام كما حصل في صنعاء مع أولاد الشيخ الأحمر أو في تعز مع مسلحين ينتمون للمشترك أطلقوا على أنفسهم حماة الثورة . * إبتهاج الشباب وعجز المعارضة في ساحات الإعتصامات ابتهج الشباب بمغادرة الرئيس إلى الرياض واعتبروا خروجه من البلاد نهاية تاريخه السياسي ومعهم كانت المعارضة التي يمثلونها في الشارع تعلن طي صفحة الرئيس صالح وبدأ صفحة جديدة . المعارضة تقف عاجزة عن أي فعل يمكنها من استغلال فراغ النظام من كبار قادته التاريخيين رغم امتلاكها لقوات عسكرية أعلنت انضمامها للثورة وشكلت قيادة موحدة بزعامة علي محسن الأحمر ووزير الدفاع الأسبق اللواء عبد الله علي عليوه في حين حدد شباب ساحة التغيير بصنعاء رؤيتهم للفترة التي اعتبروها انتقالية وان خروج الرئيس من البلاد أول أهداف ثورتهم المحققة. رؤية ساحة التغيير بصنعاء وضعتها اللجنة التنظيمية ودعت فيها لتشكيل مجلس رئاسي مؤقت يمثل كافة القوى الوطنية ويتولى تكليف حكومة كفاءات لإدارة المرحلة الانتقالية وتشكيل مجلس وطني انتقالي يمثل الشباب وكافة القوى الوطنية والعمل على صياغة دستور جديد يلبي تطلعات الشعب اليمني للحرية والكرامة والعيش الكريم، . شباب ساحة التغيير بصنعاء أكدوا استمرار مرحلة النضال السلمي المتمثلة بالاعتصام حتى تحقيق كافة أهداف الثورة ومطالبها والتي تتمثل في إسقاط كل أركان النظام ورموزه ومحاكمتهم . ماطرحه شباب ساحة التغيير يناقض رؤية المشترك للمرحلة حيث ابدت المعارضة استعدادها التعاون مع المؤتمر الشعبي العام في حال وافق على نقل السلطة إلى نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي حسب محمد قحطان الناطق بإسم المعارضة الذي أشار إلى انه في حال رفض المؤتمر نقل السلطة إلى نائب الرئيس ستستمر الثورة في مسارها وستقوم المعارضة بتشكيل مجلس انتقالي محاكاة للنموذج الليبي. نائف القانص وقبله قيادات عسكرية أشادت بالنائب عبد ربه منصور واعتبروه شخصية وطنية مقبولة من الجميع للجلوس على كرسي الرئاسة في الفترة الانتقالية. ودعت المعارضة عبد ربه منصور هادي الاثنين إلى البدء بتشكيل حكومة وطنية وإزاحة أبناء الرئيس من قيادة القوات الأمنية والعسكرية وإدارة فترة انتقالية على أن تجرى انتخابات رئاسية خلال شهرين وفق النص الدستوري . ماتطلبة المعارضة من هادي هو أن يقيل أبناء الرئيس وينهي حكم الرئيس صالح ويلغي شرعية حكم حزبه الحاصل على الأغلبية ويكتب النجاح لثورة خرجت تطالب بإسقاط نظام هو احد أركانه وهذا كله مقابل أن يظل رئيسا لمدة شهرين فقط وهو ثمن بخس لا احد يتوقع أن يقبله نائب الرئيس . *تعز رفض لكل الحلول في محافظة تعز كان لشباب ساحة الحرية رؤية أخرى رفضوا فيها إدارة عبد ربه منصور هادي للبلاد بديلا للرئيس صالح كونه احد أركان النظام الذي يطالبون بإسقاطه دون استثناء لأحد من رموزه. وجهات نظر متباينة من جهات تعمل لهدف واحد منذ أشهر أن لم نقل أنها جهة واحدة مع فارق بسيط يتمثل في وجود كيانات مستقلة صغيرة بين شباب الساحات . الأيام المقبلة والتي سيمكثها الرئيس في الرياض وقد تمتد إلى نصف شهر حسب تصريح مسئول سعودي ستمثل مرحلة فارقة في مسار الأحداث التي بدأت في مارس الماضي وقد تشهد تحولات كبيرة في حال التقت الجهود الداخلية والدولية لإزالة عقبة سيطرة أقارب الرئيس على أهم مؤسسات الجيش والأمن وأكثرها تجهيزا وجاهزية. السفير الأمريكي زار عبد ربه منصور هادي في القصر الجمهوري بعد ساعات فقط من سفر الرئيس وتلقى اتصالا من الرئيس الأمريكي باراك اوباما ومن مساعده لشئون الإرهاب وهو المكلف بالملف اليمني وهي تحركات تهدف واشنطن منها إلى معرفة مدى استعداد هادي للتحرك صوب مرحلة جديدة يكون هو فيها عامل مهم يحدد خطوات النجاح . الجانب الأمريكي لا يمانع في تنفيذ المبادرة الخليجية دون توقيع الرئيس صالح عليها وكذلك المعارضة والجناح العسكري المنشق بقيادة علي محسن الأحمر جميعهم رأي في مغادرة الرئيس فرصة لتطبيق المبادرة مع إلغاء البند المتعلق بإستمرار الرئيس في السلطة 30 يوما ينقل بعدها صلاحياته لنائبه ويستقيل كون الرئيس أصبح خارج السلطة . مع كل ماسبق من تحركات واحتفالات وجدل على الساحة و إعلان انتهاء فترة الرئيس صالح تبدو المعطيات على الارض تتجه الى تثبيت الوضع القائم المتمثل ببقاء الرئيس صالح في السلطة حتى وان كان خارج اليمن وان أي ترتيبات لنقل السلطة لن يكتب لها النجاح الا بوجود صالح في اليمن او بموافقته شخصياً. *اسقاط صالح بالقوة قدرة المعارضة على إسقاط الرئيس صالح تبددت بعد أن فشلت في الاستفادة من الصدمة التي تلقاها الرئيس في مارس الماضي حين تساقطت أوراق النظام بسرعة فائقة بعد إعلان علي محسن الأحمر انضمامه إلى صفوف المعارضة بعد يومين من مجزرة جمعة الكرامة وما أثارته من غضب في الشارع لم تستثمره القوى المطالبة برحيل الرئيس في فرض التغيير . سيظل أقارب الرئيس في المؤسسة العسكرية والأمنية هم الجدار السميك الذي يحول بين كرسي الرئاسة ورياح التغيير سواء كان الرئيس متواجدا في السبعين او في المستشفى العسكري بالرياض . الحرس الجمهوري الذي يقوده نجل الرئيس العميد احمد علي عبد الله صالح لازال القوة الاهم في الجيش اليمني وتملك ترسانة من السلاح تكفي كما قال احد العسكريين الجنوبيين المتواجدين في الخارج لتسليح دولتين كاليمن والى جانبه الامن المركزي بقوته المتماسكة ووجود نجل شقيق الرئيس في قيادته والقوات الجوية التي يديرها شقيق الرئيس والأمن القومي المدعوم أمريكيا والذي يديره نجل شقيق الرئيس والمنطقة العسكرية الوسطى التي يرأسها احد المقربين من نجل الرئيس والمنطقة الشرقية التي نجح الحارس الشخصي للرئيس في إحباط انضمامها للمعارضة بتزعمه انقلابا على قائدها محمد علي محسن كل هذه القوة لا يمكن أن تسمح بفرض تغيير بالقوة مهما كانت الضغوط . انهيار أي نظام لابد أن تتكامل فيه الضغوط الداخلية مع الخارجية وهذا ما حدث في مصر وتونس حيث وجد بن علي نفسه مطالب بترك السلطة منذ الأيام الأولى لانتفاضة الشارع التونسي وكذلك مبارك الذي طالبه أوباما بالرحيل عن السلطة مستخدماً لفظ (الآن) في إشارة إلى استعداد واشنطن للتعامل مع واقع ما بعد مبارك وهو ما عجل برحيل مبارك وبن علي . وخلافا لنموذجي تونس ومصر التي كان الجيش فيهما مساندا للتغيير من غير الممكن نقل السلطة في اليمن إلى شخص أخر دون موافقة هذه القيادات العسكرية والأمنية الممسكة بكل مفاصل القرار في اليمن حاليا . المعارضة إذا ستنتظر عودة الرئيس بعد أسبوعين ولن تتمكن من فرض واقع جديد على الأرض مهما حاولت مغازلة النائب عبد ربه منصور هادي والمؤتمر الشعبي العام كما أن علي محسن الأحمر لن يجد سبيلا إلى إزاحة الرئيس صالح قبل إزاحة نجله احمد من قمة الحرس الجمهوري وهي مهمة مستحيلة سيفتح الأحمر أبواب جهنم على العاصمة صنعاء حال فكر بها . ويحسب للواء علي محسن الأحمر انه جنب البلاد كارثة محققة حين تجنب التحرش عسكريا بالرئيس صالح لأنه يعرف حجم المخاطر التي تنتظر أي خطوة مشابهة لذلك التصرف. *مفتاح الثورة في جيب الرئيس هنا يمكننا القول أن إعلان نهاية فترة حكم الرئيس صالح لازال في جيب الرئيس نفسه لأنه الوحيد من يستطيع تمكين معارضيه مفاتيح دخول القصر الجمهوري ووحده من يملك حق منح الشباب فرصة للمرح والاحتفال دون دفع تكلفة باهضة. صفحة الرئيس صالح لم تطوى بعد لكن الرياض التي أجرت له عمليات جراحية أصيب بها في هجوم مسجد النهدين قد تقنعه بإجراء عملية جراحية للازمة السياسية في البلاد تتوج بإنهاء أربعة أشهر من الاحتقان والمواجهات والدماء التي سفكت في كثير من بقاع اليمن مع العلم أن تحركات تقوم بها واشنطن والرياض لإقناع الرئيس بتسليم السلطة مقابل مزايا مالية ستساعد في إنعاش الاقتصاد اليمني وإخراجه من ثلاجة الموتى. كما أن احتفال المعتصمين الشباب بإنتهاء عهد الرئيس صالح وتحقيق أول أهداف الثورة هو احتفال بنجاح مؤجل لثورة أرهقت كثيرا بضجيج سياسي لم يفرز سوى بروفات زحف وحروب ونضال مسلح لازال في المهد صبيا.