كتب الزميل محمد الحداد في صحيفة «الحياة» (2012/02/19)، مقالاً عنونه: «تونس الشعب يريد ختان البنات»، قال فيه: من كان يصدق أن تونس البلد العربي الرائد في حريات المرأة سيصل فيه يوم إلى وضع تصبح فيه قضية ختان البنات موضع جدل مع حزمة قضايا أخرى مماثلة، كحق ارتداء النقاب في المؤسسات التعليمية، وصحة الزواج العرفي. يستطرد الحداد في القول: لكنها الثورة يا صديقي، كل شيء يصبح وارداً وجائزاً، لأن أحلام الجميع تتساوى، وكذلك تتساوى معرفة الجاهل بالعارف، وعقل البليد بالنبيه، أليست الثورة قائمة على مبدأ المساواة؟ ثم إن حرية التعبير ليست مشروطة على التفكير. والنتيجة أن الصوت الأعلى هو صوت من يملك الإمكانات المالية، ويتاجر بعواطف الجماهير، ليس الأمر جديداً أو خاصاً بالثورات العربية، ألم يتقدم الشاعر الفرنسي الأشهر «لامارتين» للانتخابات الفرنسية بعد الثورة الفرنسية الثانية عام 1848، فلم يحصل من الأصوات إلا على الفتات مع أن أشعاره كانت وقود الثورة؟» انتهى. وقصة تونس تشابه ما حصل معنا في الكويت التي شهدت ربيعاً كويتياً، كما ألمح بذلك لنا رئيس السن، الذي أشاد بالجلسة الافتتاحية بالربيع العربي. ما يسمى بالربيع العربي أتى لنا بشخص مثل وجدي غنيم المصري، الذي ذهب إلى تونس ليخلب الأبصار والألباب، الجماهير التونسية الثورية تركت يوم السبت الحادي عشر من فبراير اجتماعاً جماهيرياً حاشداً لأحزاب المعارضة التونسية وذهبت لسماع ترهات وجدي غنيم، حيث وجدت أعداد من الجماهير تزيد أضعافاًَ مضاعفة عن اجتماع أو تجمع أحزاب المعارضة. غنيم بنى شهرته بالدعوة إلى ختان البنات، وتكفير الديموقراطية (مثل صاحبنا صاحب مركز «المُنك.ر»!) آلاف الشباب والشابات التونسيين تقطعت حناجرهم من الهتاف للغوغائي غنيم الذي يجمع بين الوعظ المتشدد والنكتة المصرية! * * * وهكذا نرى أن إخواننا في الأصولية أينما وجدوا هم وجوه لعملة واحدة، فليس لديهم أي طرح مثمر أو تنموي وإنما طرحهم يعتمد على الإثارة ودغدغة مشاعر العامة والدهماء! ألم ينجح في انتخاباتنا الأخيرة أمثال هؤلاء بطرحهم المتطرف القبلي، والطائفي، والتكفيري؟ ولم يحالف النجاح وجوهاً وطنية ذات طرح بناء وملموس؟! ألم يطرحوا طروحات ما أنزل الله بها من سلطان، بعد نجاحهم مباشرة، مثل تعديل المادة الثانية، وأسلمة كل القوانين، ومنع بناء الكنائس، ومراقبة دفع الخمس؟! ألم يحرفوا بالقسم الدستوري الأمر الذي يشكك في عضويتهم بهذا المجلس الذي ينتمون إليه؟ ألم يدع أحد قادة الفكر لديهم الى إلغاء كل المؤسسات المالية الوطنية التي لا تعمل «بالحيل الشرعية»؟ وفي الختام، ليس لدينا ما نقوله إلا، تباً لك يا «ربيع عربي» إذا كان هذا نتاجك: تخلف، وتكفير، وقيود على حرية التعبير والعقيدة، وانقلاب على كل ثوابت مجتمعاتنا في نصف القرن الماضي. ونرجو ألا نشهد يوماً تترحم جماهيرنا على من رمته في «مزابل التاريخ» من دكتاتورييها، متمنين أن تصحح خطأها الفادح في أول انتخابات قادمة، لتعيد هؤلاء إلى كهوف التاريخ، أو من حيث أتوا! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [email protected] *القبس الكويتية