ماذا يريد الحوثي؟    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    قيادات الدولة تُعزي رئيس برلمانية الإصلاح النائب عبدالرزاق الهجري في وفاة والده    تعز.. وقفة احتجاجية لأمهات المختطفين للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهن من سجون المليشيا    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الإرادات .. من مضيق هرمز الى مضيق باب المندب -الحلقة 2
نشر في الوطن يوم 05 - 07 - 2015

لا يختلف إثنان في ان الحرب العراقية الايرانية التي اندلعت يوم 22 سبتمبر 1980م ، ما كان لها أن تحدث وأن تطول بعناد شديد ، لولا الخصومة الشخصية الحادة بين الرئيس العراقي صدام حسين والزعيم الايراني آية الله الخميني ، منذ ان كان الأول نائبا للرئيس العراقي وكان الثاني فقيها مجتهدا يدير حوزة للتعليم الديني الشيعي في مديتة كربلاء العراقية ، لمدة تزيد عن أربع وعشرين عاما ، كان خلالها يحرض على إسقاط النظام الامبراطوري الشاهنشاهي في ايران بواسطة المحاضرات والكتيبات والملازم وأشرطة الكاسيت التي شكلت أدوات فاعلة للتنظيم والتعبئة والتثقيف والدعاية في تلك الظروف .
بعد عودته مباشرة من الجزائر عقب التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين ايران والجزائر عام 1975م وكنت حينها طالبا في كلية الإعلام بجامعة بغداد قام نائب الرئيس العراقي صدام حسين بالاشراف شخصيا على اقتحام منزل آية الله الخميني المتواضع في حي شعبي قديم بمدينة كربلاء ، واعتقاله بطريقة مهينة للغاية، وعرض وقائع اعتقاله في التلفزيون العراقي ، وتسفيره بعد ذلك بملابس النوم من السجن المؤقت في مدينة بغداد ، الى العاصمة الفرنسية باريس التي طالبت العراق بعدم تسليمه للحكومة الايرانية ، وأبدت استعدادها لاستضافته وسط موجة اعلامية وحقوقية عالمية من الاحتجاجات.
والحال ان ما جرى للخميني في منزله بكربلاء وسجته المؤقت في بغداد تم خلال 48 ساعة ، تنفيذا لاتفاق لم تتضمنه نصوص اتفاق الجزائر بين العراق وايران عام 1975م ، ولكن نائب الرئيس العراقي صدام حسين تعهد للشاه بأنه سيكون سباقاً في طرد الخميني من العراق مقابل قيام شاه ايران بوقف دعم الانتفاضة الكردية وتسليم زعيمها الملا مصطفى البرزاني للحكومة العراقية ، وتنازل العراق عن سيادته الكاملة على مياه شط العرب الذي تصب فيه مياه نهري دجلة والفرات . وقد تم هذا التعهد أمام الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين الذي أصر على أن يكون الاتفاق الذي سيتم التوقيع عليه برعايته في الجزائر محصورا فقط على مسألة ترسيم الحدود لا غير ، على نحو ما سنأتي اليه لاحقا .
كان لافتا للنظر ان الثورة الاسلامية في ايران اتخذت فور قيامها في فبراير 1979م ، إجراءات ثورية تتعلق بسياستها الخارجية ، لا تختلف عن مواقف وتوجهات العراق التحررية على الصعيدين القومي والعالمي ، حيث أعلنت الجمهورية الاسلامية الايرانية انسحابها من حلف ( السنتو ) الذي كان يضم ايران واسرائيل وتركيا برعاية لوجيستية من قوات المارينز الأميركية وقوات حلف الناتو ، وقررت الانضمام الى مجموعة بلدان حركة عدم الانحياز ، واعتبرت تحرير القدس وكل فلسطين من البحر الى النهر قضية مركزية لها ، كما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل ، وسلمت السفارة الاسرائيلية في طهران لمنظمة التحرير الفلسطينية بحضور الزعيم الراحل ياسر عرفات باسم ( سفارة دولة فلسطين ) حيث كانت ايران بهذه الخطوة الإستثنائية اول دولة في العالم تعترف بدولة فلسطين .
من ناقل القول ان شاه ايران محمد رضا بهلوي ألغى عام 1969م من جانب واحد اتفاقية ترسيم الحدود المبرمة بين ايران والعراق عندما كان خاضعا للوصاية العسكرية البريطانية عام 1937م .. وقد جاء إلغاء هذه الاتفاقية في إطار المؤامرات الداخلية والخارجية التي تعرضت لها الثورة التي قام بها حزب البعث العربي الاشنراكي في 17 تموز 1968م ، وأوصلته الى السلطة .
أثارت دعوة القيادة العراقية الجديدة الى ضرورة تأميم النفط العربي وتحريره من الإحتكارات الغربية الإمبريالية ، وتوظيفه في خدمة التنمية القومية ودعم القضايا العربية العادلة وفي مقدمتها فضية فلسطين ، قلقاً شديدا في أوساط الدول الإمبريالية واسرائيل ، وتفاعلا شعبيا واسعا داخل العراق والبلدان العربية وبضمنها اليمن ، حيث قال الشاعر الكبير الراحل علي بن علي صبره قصيدة شهيرة جاء فيها :
يا بعثُ أمِّمْ وعمِّمْ غير مُكترِثٍ
هذي االطريق فسِرْ واللهُ راعينا
جئناكَ برقاً يمانياً نهزُّ بهِ
سحابَ تمُّوز نستسقي لوادينا
فلتُمطري حيثُ شئتِ يا سحائبَهُ
فماؤهُ سوف يجري في روابينا
مما له دلالة عميقة أن يتعرض العراق بعد ثورة 17 تموز 1968م لمؤامرات داخلية وخارجية استهدفت اسقاط نظام الحكم التقدمي لحزب البعث العربي الاشتراكي ، بعد أقل من عام واحد على قيام الثورة .
ولئن كان العراق أول من أقدم على اتخاذ قرارات ثورية شجاعة عام 1970م بتأميم شركات النفظ الأميركية والبريظانية والفرنسية التي كانت تملك 90% من الثروة النفطية في العراق ، إلا إن عام 1969م الذي سبق قرارات التأميم ، شهد أكبر تحرك تآمري ضد العراق قامت به الإمبراطورية الايرانية الشاهنشاهية بالتنسيق مع اسرائيل ، حيث ألغى الشاه محمد رضا بهلوي من جانب واحد في عام 1969م وبدون مقدمات اتفاقية الحدود المبرمة بين العراق وايران عام 1937م ، وطالب بأن يكون الخط الفاصل بين البادين هو خط منتصف نهر شط العرب الذي تصب فيه مياه نهري دجلة والفرات على ضفاف المنطقة المعروفة تاريخيا وطبوغرافيا بالخليج الفارسي .
وبعد ذلك بعامين احتلت البحرية الايرانية الامبراطورية في عام 1971م غداة قيام دولة الامارات العربية المتحدة ببضعة شهور ، ثلاث جزر عربية هي جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى وسط صمت دولة الامارات العربية المتحدة ودول الخليج في تلك الفترة ، حيث كان شاه ايران يحتفظ بعلاقات وثيقة مع اسرائيل في إطار حلف ( السنتو ) ومع السعودية ودول الخليج في وقت واحد ، بذريعة أنه مسلم شيعي فارسي وليس مسلما عربيا شيعيا او سنيا . ولم يكن حينها حكام وفقهاء نجد والحجاز والخليج يحرضون على كراهية وتكفير ( الشيعة والروافض والمجوس ) على نحو ما فعلوه ويفعلونه منذ قيام الثورة الشعبية الاسلامية في ابران عام 1979م !!؟؟
كانت السعودية والعراق ودول الخليج تحتفظ بعلاقات قوية مع الامبراطورية الايرانية الشاهنشاهية ، وبعد قيام الجمهورية الاسلامية سحبت الحكومة العراقية سفيرها من طهران في مارس 1980م ، وخفضت مستوى التمثيل الدبلوماسي مع ايران ، فيما سارت السعودية ودول الخليج على ذات النهج أيضا ، ما جعل الجمهورية الايرانية الاسلامية تتهم العراق والسعودية ودول الخليج بالتآمر على الثورة الاسلامية في ايران ، وتنفيذ مخطط أميركي صهيوني يستهدف الاضرار بها .
بعد قيام جمهورية ايران الاسلامية هرب عدد كبير من قادة الأحزاب والمكونات والفاعليات السياسية والإعلامية الليبرالية والقومية الإيرانية الى بغداد ، بالاضافة الى حركة مجاهدي (خلق) ذات التوجه الاسلامي ، وكانت كل هذه القوى السياسية الهاربة تقدم معلومات مضللة للعراق والدول الأوروبية حول الأوضاع في ايران ، بهدف إغراء العراق لشن حرب شاملة ضد ايران ، وعقدت لهذا الغرض مؤتمرا في شهر اكتوبر 1980 بالعاصمة الفرنسية باريس ، بتمويل عراقي وسعودي يشبه في شكله ومضمون قراراته وأهدافه ، مؤتمر القوى السياسية الهاربة من اليمن الى الرياض في ابريل 2015 ، والذي انعقد بعد اسبوعين من العدوان السعودي على اليمن .
وتزايدت موجات الهروب من ابران الى العراق ودول اوروبية عديدة ، مع تنامي موجات الاعدامات والمحاكم الميدانية الفورية التي شملت آلافا من قيادات وضباط وكبار مسؤولي الجيش وسلاح الطيران وأجهزة الدولة والمخابرات في ايران بعد سقوط الامبراطور شاهنشاه محمد رضا بهلوي ، بالتزامن مع إعلان وزير خارجية جمهورية ايران الاسلامية ابراهيم يزدي في الثالث من مايو 1979م بعد ثلاثة شهور من قيام الثورة بأن الحكومة الايرانية قررت تخفيض عدد منتسبي الجيش الايراني الى النصف ، فيما قرر الأدميرال أحمد مدني وهو أول وزير دفاع في حكومة جمهورية ايران الاسلامية تخفيض مدة أداء الخدمة الوطنية العسكرية من 24 شهرا الى 6 شهور فقط ، الأمر الذي أدى الى مغادرة جميع المجندين تقريبا ثكناتهم في الجيش، الى الحياة المدنية بصورة قانونية ، بعد ان كانوا يشكلون ثلث القوى البشرية في المؤسسة العسكرية الايرانية ، بمعنى ان الجيش الايراني كله كان قد تم تفكيكه ولم يعد موجودا كقوة فعالة على الأرض ، بحسب تقرير نقله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الى الرئيس العراقي صدام حسين ، أثناء زيارة خاصة وسريعة لبغداد في 15 يوليو 1980م ، بناءا على تقارير استخبارية اميركية حصلت عليها الاستخبارات السعودية.
في هذا السياق أعلن الرئيس العراقي صدام حسين من جانب واحد قرار إلغاء اتفاقية الجزائرلعام 1975م ، وفرض سيادة العراق على كامل أراضيه ومياه شط العرب، وطالب ايران بالانسحاب الفوري من جزر طنب الكبرى والصغرى وابو موسى التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة.. كما قام الحيش العراقي تنفيذا لهذا التوجه بقصف جوي واسع النطاق للمنشآت العسكرية والقواعد الجوية والمطارات وحقول المفط الايرانية ، بالاضافة الى التوغل البري يوم 22 سبتمبر 1980م في عمق الحدود البرية المشتركة مع ايران ، إيذانا باندلاع حرب أعتقدت القيادة العراقية بأنها ستستمر لفترة قصيرة لن تزيد عن عشرة أيام ، دون أن تعلم انها ستخوض حربا مدمرة وطويلة المدى ، كان لها تأثير سلبي على اقتصاد العراق وايران ودول المنطقة والعالم بأسره ، بسبب تأثيرها على إمدادات النفط العالمية ، بالنظر الى أن كلا من وايران والعراق والسعودية ودول الخليج المجاورة كانت من أكبر مصدري النفظ في العالم . كما أوجدت هذه الجرب مخاوف جدية من إمتداد نطاق لهيبها الى السعودية ودول الخليج الأكثر ثراءا بالنفط في العالم .
كان واضحا ان القيادة العسكرية العراقية حاولت استلهام تجربة الطيران الحربي الاسرائيلي في حرب يونيو 1967م والطيران الحربي المصري في حرب اكتوبر 1973م ، حيث أقدمت القوات العراقية على تحييد سلاح الطيران الايراني في الجو والأرض ، بهدف تمهيد الطريق أمام القوات البرية العراقية لإجتياح العمق الإيراني ، وهو ما حاولت المملكة السعودية محاكاته أيضا في عدوانها على اليمن ، بمشاركة عشرة جيوش عربية واسلامية تمثل السعودية وقطر والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة والأردن والمغرب ومصر والسودان والسنغال ، بعد ان رفض البرلمان الباكستاني بالإجماع مشاركة بلاده في العدوان على اليمن .
ما من شك في ان القوات الجوية لكل من اسرائيل في حرب يونيو 1967م ، ومصر في حرب اكتوبر 1973م والعراق في حرب سبتمبر 1980 ، نجحت في السيطرة على الجو والتوغل الأفقي قي البر والبحر منذ اليوم الأول لتلك الحروب ، لكن قوات العدوان السعودي على اليمن فشلت منذ يوم 26 مارس 2015م في تحقيق الأهداف السياسية والعسكرية العلنية والسرية للعدوان ، وعجزت عن التمدد البري في الأراضي اليمنية ، وفشلت فشلا ذريعا في احتلال مدينة عدن الاستراتيجية التي كانت ولا زالت في صدارة الأهداف السياسية والعسكرية للعدوان ، رغم دخوله شهره الرابع ، بينما تمكن العراق من تحقيق ضربة مباغتة وناجحة لسلاح الجو والدفاعات الجوية في ايران ، وتوظيفها للسيطرة المطلقة على أجواء ايران ، واجتياح الأراضي الإيرانية على امتداد جبهة برية طويلة تتراوح بين 850 950 كيلو مترا أرضيا . كما سيطرت القوات العراقيةعلى اقليم خوزستان ونهر شط العرب الاستراتيجي خلال الضربة الأولى ، وتمكنت من احتلال منطقة المحمرة والتقدم نحو مدينتي ديرفول والأهواز في جنوب غرب ايران .. كما استولت القوات العراقية أيضا على قصر شيرين شمالا ومدينة دهران الاستراتيجية في القطاع الأوسط ومديتة عبدان ونهر كارون .
وفي سياق متصل بهذه العمليات الحربية قدمت دول الخليج العربية دعما اقتصاديا وعسكريا وسياسيا واعلاميا وماليا هائلا ، وفتحت الكويت موانئها بشكل كامل للعراق ، حيث كانت هذه الموانئ ترسل يوميا أكثر من 1200 شاحنة ثقيلة الى البصرة ، كما قدمت الكويت للعراق في بداية الحرب ( ديسمبر 1980م ) أكثر من ملياري دولار بدون فوائد ، بالإضافة الى قرض بمليار دولار قبل الحرب في ابريل 1980 بدون فوائد ايضا، فيما منحت السعودية قرضا للعراق قيمته عشرة مليار دولار ، الى جانب مليار دولار من قطر وثلاثة مليارات دولار من إمارة أبو ظبي ومليار واحد من إمارة رأس الخيمة .
والثابت ان الحرب العراقية الايرانية أوجدت مأزقا سياسيا واقتصاديا وأمنيا للسعودية وجميع دول الخليج باستثناء سلطنة عمان التي اتبعت سياسة الحياد والنأي بالنفس في تلك الحرب ، الأمر الذي جعلها مؤهلة لإقناع ايران والعراق بقبول القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي رقم 598 الصادر بالاجماع في نهاية عام 1988 ، وهو القرار الوحيد الذي قبلته ايران ، ثم توقفت بعده تلك الحرب المأساوية .
كانت السعودية في مقدمة الدول المتحمسة لتشجيع دول الخليج على ضرورة دعم العراق ، حيث قدُّرت مساهمة هذه الدول في دعم المجهود الحربي العراقي بحوالي مائتي مليار دولار بالاضافة الى 300الف برميل نفط يوميا لتعويض العراق عن تراجع انتاجه النفطي بعد نجاح ايران في استعادة المبادرة نهاية عام 1981م ، وقيامها بقصف بعض أنابيب وخطوط الإمدادات النفطية في جنوب العراق ، وعرقلة تصدير النفط العراقي والسعودي الى الخارج عبر مضيق هرمز ، .كما سمحت السعودية للعراق ببناء خط أنابيب قادر على نقل أكثر من مليون برميل يوميا الى شواطئ السعودية على البحر الأحمر.
تميز موقف العراق عسكريا وماليا وتعبويا بالقوة والتفوق في السنة الأولى من الحرب ، وسط دعم لوجيسني متعدد الأطراف ، فيما كان موقفه على الصعيد الدولي في وضع أفضل من ايران ، خصوصا بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 479 بتاريخ 28 سبتمبر 1980م بالغالبية ، والذي قبله العراق ورحبت به السعودية ودول الخليج ، فيما رفضته ابران بالإضافة الى ستة قرارات لاحقة جملة وتفصيلا ، سنأتي على ذكرها في الحلقة القادمة .
كان وضع ايران في العام الأول من الحرب خطيرا وسيئا للغاية ، وزاد من خطورة وضعها تعرُّض المؤسسة العسكرية الايرانية لنكسة اضافية خطيرة وموجعة على أثر نجاح القوات الجوية العراقية في إسقاط طائرة نقل عسكرية ايرانية من طراز سي 130 اميركية الصنع ، كانت تقل على متنها كلا من وزير الدفاع الايراني احمد مدني والقائد العام للقوات الايرانية الجنرال سيد موسى ، ورئيس الأركان وقائد القوات الجوية وقائد الاستخبارات العسكرية .
في منلطق عذيدة من العالم ، كان القلق يساور أطرافا دولية واقليمية متعددة الاتجاهات من مخاطر استمرار الحرب بدون أفق ، وما يترتب على ذلك من تداعيات مفتوحة على احتمالات خطيرة ، وكانت دمشق ورجلها القوي الرئيس حافظ الأسد يراقبان الوضع بدقة ويقظة .
قبل منتصف ليلة أحد أيام صيف عام 1981 في عدن ، تلقى الرئيس الأسبق علي ناصر محمد مكالمة هاتفية من رئاسة الجمهورية العربية السورية في دمشق استغرقت على غير العادة بضعة دقائق ، وفور انتهاء المكالمة أبلغني الرفيق الشهيد علي أسعد مثنى مدير مكتب الرئيس علي ناصر محمد بضرورة الاستعداد للسفر في صباح اليوم التالي ضمن الفريق الخاص بالرئيس علي ناصر محمد في زيارة قصيرة الى دمشق استمرت يوما واحدا ، وقابل فيها الرئيس السوري حافظ الأسد في جلسة طويلة ومغلقة .
وبعد عودته الى عدن دعا الرئيس علي ناصر محمد أعضاء المكتب الأساسي الى اجتماع تشاوري عاجل ، ثم استدعى السفير السوفييتي بعدن ، وأطلعه على نتائج زيارته القصيرة للعاصمة السورية دمشق ، وطلب منه موافقة القيادة السوفييتية على زيارة عاجلة وطارئة لموسكو ، سينقل فيها رسالة مشتركة من القيادتين اليمنية والسورية .
وفي مساء نفس اليوم الذي قابل فيه الرئيس علي ناصر محمد سفير الانحاد السوفييتي بعدن ، أذاعت وسائل الاعلام الرسمية السورية نبأ استقبال الرئيس السوري حافظ الأسد سفير الاتحاد السوفييتي في دمشق .
بعد يومين جاءت موافقة القيادة السوفييتية على طلب الرئيس علي ناصرمحمد زيارة موسكو ، حيث أقلعت طائرته الرئاسية الخاصة من عدن الى دمشق أولا ، ثم واصلت رحلتها الى موسكو بعد توقف قصير في مطار دمشق دام ساعة كاملة ، التقى فيها الرئيسان اليمني والسوري في جلسة مغلقة بصالة التشريفات الكبرى .
وهناك في موسكو هبطت طائرة الرئيس علي ناصر محمد في جو صيفي صحو ، ليبدأ مهمة تاريخية وصعبة تتعلق بسبل وقف أطول حرب اقليمية في القرن العشرين ، من خلال إعادة التوازن بين الطرفين المتحاربين، ،بدلا من المراهنة على إمكانية إنهاء تلك الحرب بواسطة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 479 بتاريخ 28 سبتمبز 11980م ، الذي ساهم الاتحاد السوفييتي في تمريره والامتناع عن التصويت عليه ، بعد ان قام بقص مخالبه ونزع أنيابه على نحو ما فعلته روسيا في القرار رقم 2216 لعام 2015م ، بعد العدوان السعودي على اليمن .
وتبدو في الصورة المرفقة صورة ذلك اللقاء التاريخي الذي تم في قاعة الكرملين بالعاصمة السوفييتية موسكو ، بين الرئيس اليمني علي ناصر محمد والزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف ، وخلفهما يبدو في الصورة كاتب هذه السطور الذي يعتز بأنه عاصر ذلك اللقاء التاريخي بين اثنين من عمالقة القرن العشرين .
( يتبع بعد منتصف ليلة الأحد القادم ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.