اليمن: التعامل مع النزعات.. فترة انتقالية مهددة لا تزال الفترة الانتقالية في اليمن كما هي فوضويةٌ إلى حدٍ ما وغير منتهية ولكنها حققت هدفين رئيسيين: 1- تجنب حرب أهلية مدمرة. 2- تأمين استقالة الرئيس علي عبد الله صالح والذي حكم هذا البلد الذي أُفقر لأكثر من 3عقود. أيضاً أحدثت هذهِ الفترة انشقاقات أضعفت بنية هذا النظام وركائزه مما أحدث رؤية عن إمكانية ظهور لاعبين جدد في المشهد اليمني، ولكن لا يزال الكثير محل شك خاصة عن مدى و اتجاه "التغيير". لقد شهد الشعب اليمني لعبة كراسٍ موسيقية ولكن من الطراز السياسي، لقد تبادلت النخبة المواقع من كرسي إلى كرسي آخر ولكنهم بقوا جميعاً في مواقع القرار وظلت أطراف هامة في المشهد تشعر بالإقصاء كالحوثيين في الشمال، والحراك في الجنوب وبعض الحركات الشبابية المستقلة، وكلها ضلت ترقب أتفاق نقل السلطة بعين الريبة والحذر إن لم يكن الاستنكار. أما تنظيم القاعدة وعناصر مسلحة أخرى فقد استغلوا الثغرات الأمنية والفراغ الأمني الذي تشهدهُ البلاد وما زالت الاحتياجات الاقتصادية غير ملباة، وعلى الحكومة الجديدة أن تُظهر تطوراً سريعاً في المجالات الاقتصادية والأمنية والسياسية؛ كي تتمكن من احتواء العناصر التي تريد تشظي البلاد، وفي ذات الوقت عليها أن تمسك بزمام الأمور بحكمة تمكنها من التحضير لبيئة تحتضن حواراً وطنياً شاملاً. في 23نوفمبر 2011م وبعد 11 شهراً من التظاهرات الشعبية، صالح وقع المبادرة المقدمة من دول مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية، المبادرة ركزت على أساسيات ومنحت الرئيس اليمني حصانة من الملاحقة القضائية كمقابل لتنحية عن السلطة، الأمم المتحدة دعمت الوثيقة وأضافت لحماً إلى العظم عندما وفرت تفاصيل عن الآليات والجدول الزمني لخارطة طريق الفترة الانتقالية. أشار الاتفاق إلى مرحلتين للعملية: في المرحلة الأولى: على صالح أن ينقل صلاحياته إلى نائبة عبد ربه منصور هادي، يلي ذلك تشكيل حكومة وفاق يكون وزراؤها بالمناصفة من أحزاب اللقاء المشترك والمعارضة كنصف والمؤتمر الشعبي العام كالنصف الأخر، أيضاً يتوجب على الرئيس تشكيل لجنة عسكرية تقوم بتهدئة التوتر العسكري وأنهاء الانقسام في أوساط القوات المسلحة والأمن والتي انقسمت بين مؤيدٍ ومعادٍ لصالح خلال فترة الانتفاضة اليمنية، وبالفعل انتهت المرحلة الأولى بالانتخابات الرئاسية المبكرة في 21فبراير2012م، عندما أصبح "هادي" المرشح التوافقي الرئاسي. في المرحلة الثانية: يمنح هادي والحكومة سنتين للقيام بعدة أمور منها: إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن، معالجة قضايا العدالة الانتقالية، وبدء حوار وطني من خلال مؤتمر الحوار الوطني بغرض معالجة الدستور قبل الانتخابات الجديدة في فبراير 2014، بالرغم من أن هذا البرنامج دقيق إلا أنة بالغ الطموح وحتى الآن لم يطبق منه الكثير. بالرغم من أن الكثير قد تغير بالفعل إلا أنة تبقى أمور أكثر لم تتغير بدايةً بالأمر الأهم: فشل الاتفاق في إنهاء الصراع بين صالح وأسرته من جهة واللواء علي محسن وآل الأحمر من جهةٍ أخرى، وبالرغم من أن أساليب الصراع بين الطرفين قد اختلفت في هذه المرحلة إلا أن الصراع لا يزال محتماً خاصة في منبعه وأساسياته، كذلك يضل الوضع الاقتصادي والفساد قضايا ملحة دون علاج وما زالت نفس الأسر تسيطر على مصادر الدخل القومي ومراكز صنع القرار السياسي والعسكري. يرى الناشطون السياسيون المحبطون الآن أن المشهد السياسي الحالي في اليمن لا يمكن أن يوصف بأكثر من أرجوحة يتناول فيها نفس الطرفين مستقبل البلد الذي كانا يحكمانه منذ 33عام، ولكن على مستوى الأحزاب، فإن المبادرة الخليجية ساعدت أحزاب اللقاء المشترك كثيراً على حساب المؤتمر الشعبي العام وهو الأمر الذي كان له نتائج فائقة الجديّة على المشهد السياسي. فيما يتجادل السياسيون في صنعاء، تنتظر القضايا الوطنية الملحة، الأوضاع الإنسانية باتت في ترد مستمر خاصة مع معدلات الجوع وسوء التغذية متسارعة النمو، كما أن عاماً كاملاً من عدم الاستقرار السياسي أسهم كثيراً في نقص الاحتياجات الأساسية للمواطن اليمني وارتفاع نسب الفقر والبطالة وخمول النشاط الاقتصادي. لا يزال الجيش منقسماً خاصة مع قادة عسكريين متحاربين ولا يأتمرون بأوامر الرئيس وأيضاً في ظل القبائل والمجاميع المسلحة التي انقسمت بين مؤيد لصالح وآخر مؤيد لآل الأحمر، أما الأوضاع خارج العاصمة فهي أكثر سوءا، وحتى قبل اندلاع الانتفاضة، كانت الحكومة قد فقدت السيطرة على الجماعات المسلحة، فعلى سبيل المثال توسع الحوثيون في الشمال، وفي الجنوب على الحكومة التعامل مع تحديات الحراك الجنوبي والمجاميع المسلحة المرتبطة به، ولكن يظل المصدر الأعظم للقلق هو "أنصار الشريعة" وهو خليط من تنظيم القاعدة وبعض المجندين المحليين الذين غالباً ما تحركهم دوافع اقتصادية وليس أيديولوجية، وبالرغم من أن الدولة وبالتعاون مع لجان شعبية محلية قد استعادت السيطرة على بعض المناطق لكن تظل الحرب مع "القاعدة" بعيدة كل البعد عن النهاية. ولكن وبالرغم من كل هذه الأزمات المتعددة، يظل سياسيو الأحزاب يتصارعون على السلطة في العاصمة مما يجعل الحكومة في وضع حرج إذا لم تقم بوضع خطة دقيقة ذات بعدين سياسي واقتصادي للمرحلة الانتقالية. كذلك لم تبذل الحكومة مجهوداً يذكر لإشراك العناصر المهمشة والتي تم إقصاؤها في العملية السياسية ولا تزال تدير البلد من العاصمة في مركزية واضحة ولذا ترى قوى التغيير أن الحكومة الجديدة تهدف إلى الإبقاء على مركزية الحكم بل وإلى تعزيز السلطة القبلية الشمالية وعلى رأسها الإسلاميون. بالرغم من أن تأمين خروج صالح بشكل سلمي من السلطة كان أمراً شديد الصعوبة، إلا أن تطبيق باقي بنود الاتفاق يظل الأمر الأصعب، تحييد الأطراف التي قد تهدد تنفيذ الاتفاق كالنخب المتصارعة والتي تتصل بشكل أو بأخر إما مع النظام السابق أو مع القوات المسلحة والأمن، التي تعاني من الانقسام كلها تعد أولوية قصوى في الوقت الحالي. إن هذه العملية يجب ألا تدار بشكل متسرع أو بشكل يفضّل طرفاً على الآخر؛ لأن ذلك قد يتسبب في مقاومة مسلحة لأي طرف خاسر، لذا على الرئيس هادي أن يزيح أو يعيد تدوير المنصب القيادي العسكري بشكل سياسي تدريجي بحيث يجرد هؤلاء القادة من السلطة المباشرة على وحدات الجيش والأمن مع أن يشدد على أن يظهروا احترامهم لتدرج السلطات والأوامر العسكرية تحت رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، وبنفس الطريقة يجب أن يتم التعامل مع الأحزاب بشكل لا يجعل أحدها المهيمن على سير العملية الانتقالية، وبنفس درجة الأهمية ، يمكن القول إن الحوار الوطني يجب أن يشمل كل عناصر العملية السياسية مما يتطلب مجهوداً كبيراً جداً لبناء الثقة بشكل فوري ومد جسور الصلة إلى الشباب الحوثيين والحراك. يعاني تطبيق المبادرة أيضا من مسألة أخرى وهي أن كل من الأطراف اهتم بتسليط الضوء على أي طرف قام بعرقلة تنفيذ الاتفاقية وكيف مع أن كل من الحكومة والبرلمان واللجنة العسكرية كلهم كان من المفترض أن يقوموا بتلك المهمة، أيضاً لم يقم هادي حتى الآن بتشكيل لجنة التفسير بالرغم من أن الاتفاقية كانت قد نصت عليها بالرغم من أهميتها التي تمكن في تسوية النقاط التي تنص عليها المبادرة تفسيرها هي وآليتها التنفيذية. للتسوية السياسية عيوب كبيرة ، فقد كانت تسوية نخبوية أقصت العديد من المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشارع في الأصل وكذلك أقصت وهمشت قوى سياسية أخرى بالإضافة إلى أنها فشلت في التعاطي مع مسألة العدالة بشكل كافٍ بل وأبقت في السلطة قادة سياسيين كانوا هم بالأصل السبب في الانحدار الذي وصلت له البلاد. ولكن كحد أدنى وفرّت هذه التسوية فرصة لمستقبل مختلف بعض الشيء. وإن كان السياسيون في صنعاء سيفشلون في حل أو على الأقل احتواء المواجهة والصراع النخبوي الحالي والاتجاه نحو حوار وطني شامل، فستواجه اليمن مخاطر الانحدار نحو درجة أكبر من التفكك والعنف. ولأن اليمن لطالما تهربت من اتخاذ القرارات المصيرية، فإن الآن ليس هو الوقت الملائم للهرب من اتخاذ هذه القرارات. التوصيات القوات المسلحة اليمنية:- 1) الاحترام التام وتنفيذ أوامر كلٍ من: الرئيس هادي ووزير الدفاع بالذات فيما يخص التغييرات العسكرية وكذلك التقاعد والتعيينات العسكرية وكذلك إعادة كل القوات العسكرية إلى ثكناتها كما كان منصوصاً علية في الاتفاق وعن طريق اللجنة العسكرية إلا إذا أمر وزير الدفاع بعكس ذلك. إلى علي محسن الأحمر، وآل الأحمر وحلفاء الإصلاح:- 2) إزاحة كل القوات العسكرية من المناطق الحضرية والمناطق المحيطة بساحات الاعتصام وكذلك إزاحة كل المعدات العسكرية وفقاً لأوامر اللجنة العسكرية. إلى الحكومة اليمنية:- 3) التأكد من تطبيق القوانين النافذة وخاصة قانون الخدمة المدنية خلال الفترة الانتقالية. 4) البقاء على مسافة والبعد عن الشخصيات السياسية المثيرة للانقسام مثل الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر وحميد الأحمر. إلى كل الموقعين والداعمين للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية:- 5) عليكم تطبيق الاتفاقية والمضي قدما نحو الحوار الوطني بدون شروط مسبقة وتصريحات صحفية مستفزة للأطراف المختلفة معكم. إلى الرئيس هادي:- 6) عليك أن تشكل وتدعم فوراً لجنة تفسير المبادرة كما نص الاتفاق. 7) تجنب أكبر قدر ممكن اللقاءات الإقليمية وتواصل بشفافية أكثر من الأطراف السياسية المحلية وجماهير الشعب بالذات فيما يخص التغييرات والتقاعد والتعيينات المدنية والعسكرية. إلى المؤتمر الشعبي العام:- 8) جددوا الحزب عن طريق الآتي:- a. تنظيم انتخابات لاختيار قيادة جديدة للحزب. b. مدوا أيدكم إلى النشطاء الشباب وأشركوهم في صنع القرار. إلى أحزاب اللقاء المشترك:- 9) قلصوا دور الشخصيات للانقسام كحميد الأحمر وعلي محمس الأحمر خلال الفترة الانتقالية. 10) في حالة حزب الإصلاح، جددوا الحزب عن طريق، إجراء انتخابات، اسمحوا لأصوات جديدة بأن تصبح مسموعة ومدوا أياديكم إلى التحالفات والائتلافات الأخرى في البلد لضمان المشورة الكافية حول القرارات المتعلقة بعملية الانتقال وكذلك مؤتمر الحوار الوطني. إلى الرئيس صالح وأسرته:- 11) احترموا سلطة وأوامر الرئيس هادي. 12) اسمحوا بالتغيير الداخلي في حزب المؤتمر الشعبي العام عن طريق إفساح المجال لهادي لقيادة الحزب وتحول صالح إلى دور استشاري أكثر من الدور القيادي الحالي. 13) ادعموا روح المبادرة الخليجية بابتعادكم عن السياسة وتوقعكم لدور أقل سيطرة خلال الفترة الانتقالية. إلى علي محسن الأحمر وحميد الأحمر:- 14) ادعموا روح المبادرة الخليجية وشجعوا المصالحة الوطنية عن طريق تقليص أدواركم خلال الفترة الانتقالية وفي حالة علي محسن فعليك تنفيذ التزامك بالتقاعد من الجيش وذلك بالشكل الذي يراه الرئيس هادي. إلى الحكومة اليمنية:- 15) بدء إجراءات جديدة تبني الثقة التي يحتاجها الجميع من أجل مشاركة فعالة في الحوار الوطني وذلك عبر مد الجسور إلى مجاميع الشباب والحراك والحوثيين وذلك عن طريق الآتي:- a. الاعتذار علناً علن كل ما ارتكب في حق الحراك والحوثيين. b. إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين. c. زيادة الدعم الإنساني للنازحين خاصة في الشمال وكذلك في عدن وأبين. d. تشكيل لجنة لتسوية قضيتي الأراضي والوظائف في المحافظات الجنوبية ومنحها السلطة والدعم الكافيين لمنح التعويضات اللازمة للمتضررين. e. معالجة قضايا المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية عن طريق التحقيق في أعمال العنف المرتبطة بانتفاضة 2011، وتعويض الضحايا مع التأكيد للشعب أن هذه القضايا ستناقش أكثر خلال الحوار الوطني. إلى الأطراف غير الموقعة على المبادرة وهي الأطراف التي تشمل بعض الشباب المستقلين، الحوثيين والحراك:- 16) عليكم أن تشاركوا في المرحلة التحضيرية للحوار الوطني وذلك عن طريق التواصل ولعب الأدوار الفعالة في لجان التواصل المشكلة من قبل الحكومة. 17) ابعدوا عن وضع الشروط المسبقة من أجل المشاركة في الحوار الوطني، في المقابل قدموا مقترحات واقعية تهدف إلى تحسين المناخ السياسي بشكل يدعم الفترة الانتقالية في اليمن. إلى اللاعبين الدوليين الداعمين للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية (مبعوث الأمم المتحدة، مجلس الأمن، الاتحاد الأوربي، دول مجلس التعاون الخليجي، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ألمانيا، هولندا واليابان):- 18) واصلوا دعمكم لجهود الحكومة اليمنية لتطبيق الاتفاق وذلك عبر الدعم الفني والدبلوماسي والمالي واحرصوا على أن تبقى الأمم المتحدة ذات دور رئيسي في تنسيق الحوار الوطني. 19) تجنبوا الانحياز لأحد أطراف الصراع السياسي وذلك عم طريق الآتي: a. عبروا عن رغبتكم في الحوار مع كل الأحزاب. b. حددوا وانتقدوا بكل صراحة وشفافية أي طرف ترون أنه يعطل تنفيذ الاتفاقية. c. سوقوا لفكرة تنفيذ المبادرة محلياً عبر التأكيد على تشكيل لجنة التفسير وتشجيع كل من المجتمع المدني والتنظيمات الشبابية لممارسة دور المراقب على سير عملية التنفيذ. إلى حكومة إيران:- 20) ادعموا الحوار برعاية الأمم المتحدة من أجل حل الصراع السياسي طويل المدى والتحديات في صعدة والجنوب وشجعوا كلا من الحراك والحوثيين على المشاركة في الحوار الوطني. *عن صحيفة الشارع اليومية