الفنان عبدالكريم_الأشموري ...قصة لها أسرار ! موهبة التمثيل، حياة أخرى، وعالم موازي يتيح لك أن تحيا حياة الآخرين، دون أن تكون ملزمًا أمامهم بدفع الثمن، وقال ذات مرة: الموهبة تتحقق في حسن الاختيار، وهذا بالفعل ما جسّده خلال مسيرته الفنية الحافلة بالكثير من الإنجازات، الاسم اليمني المعروف والممثل الموهوب، والتاريخ الحافل، الأسطورة اليمنية "عبدالكريم الأشموري"، الممثل والكاتب والمؤلف والإنسان، الاسم الذي مثل اليمن في مهرجان بغداد المسرحي عام 1988، ومهرجان القاهرة المسرحي عام 1990 ومهرجان الهند السينمائي عام 2005.. هذا الاسم لم يكن مجرد ممثل، بقدر ما كان خبيرًا مسرحيًا، ودراميًا عبقريًا، وفيلسوفًا يعتبر المسرح فنًا متاحًا للممثل، بينما التلفزيون فنًا خاصًا بالمصور، بينما السينما فنًا حصريًا للمخرج، ولكن الذكاء والحكمة والدراية والتناص والارتباط بالواقع، أساسات مهمة لكل ممثل.. وهنا أتذكر الممثل الفرنسي "جيرارد ديبارديو"، وهو الشخص الذي سرق الأغنياء في طفولته ولم يقترب قط من الفقراء، ديبارديو يرى أن الغنى الحقيقي هو ما تأتي به الحياة، لأنها قناعة قديمة وردت في سياق روايات كريشتوف كولومبوس الذي قال في الأثر: إن المال لا يصنع منك رجلًا غنيًا، بل يزيدك همومًا، أما هذا الخروج عن الفكرة، فهو مقدمة لصحفي سأل خلال مقابلته الفرنسي "ديبارديو"، عن ماهية الممثل، يومها أجابه: هو الذي عاش طويلًا.. كتأكيد عن الخبرة ودورها في النجاح، كما يرى أيضًا أن الإنسان في عمر العشرين يضيع الحقيقة، كونها تختفي خلف رغباته الكثيرة، ولكنه بعد سن الأربعين يرى حقائق واقعية جدًا، وهاتين النقطتين على حد سواء، هما عناوين صريحة ومعبرة لمسيرة الأشموري الفنية، فقد عاش طويلًا وسيبقى طويلًا، لكنه بعد عمر الأربعين انفجر بحضوره وأدواره ونجاحاته الخالدة. الأشموري ممثل من جيل الكبار، واسم من زمن الجمال والنجاح، يعتبر من أعظم نجوم الدراما والمسرح والإذاعة في اليمن، قدم الكثير والكثير من العناوين والأعمال الدرامية والمسرحية والوطنية، ورحل في عمر مبكر، بعد مسيرة حافلة بالكثير من الخلود، التحق بالمسرح كهواية مختلفة تمامًا عن تخصصه الدراسي، لأنه تخرج جامعيًا من كلية إدارة الأعمال، في تلك الفترة الاستهلالية ووفقًا لشهادته المهنية أصبح مدبرًا للإنتاج بالمؤسسة العامة للسينما والمسرح، ليجد ذاته في رغبات المسرح أكثر منها في عمله الإداري، يومها التحق عمليًا بالتمثيل عام 1984، ليصبح بعدها رئيسًا للجنة الرقابة والتفتيش بنقابة الفنانين اليمنيين، ثم رئيسًا لمنتدى اليمنيين لمساندة قضايا الطفولة، فعمل واشتغل وثابر وكافح وابتكر وقدم، حتى تحولت هواية التمثيل لديه لفلسفة خاصة ومعبرة عن اليمن والجغرافيا والهوية والمجتمع. له الكثير من المشاركات والبطولات، ك ناشر وطشة، والثأر، والوصية وكيني ميني بأجزاء الثلاثة، وعيني عينك، والرهان الخاسر، وعبر العصور. وحياتنا. ومننا فينا، بالإضافة لمشاركات وبطولات عربية وخارجية، كالمسلسل السوري سيف بن ذي يزن. والمسلسل السعودي خطوات على الجبال. كان الأشموري معروفًا ومشهورًا على مستوى الصغار والكبار والأهالي في الريف والحضر، ليصبح مع التزايد الكبير أحد المعروفين عن اليمن ولهجته وهويته وتفاخره بزوايا لهجته وأداءه اليمني الأصيل، وفي بطولاته كان يناقش قضايا واقعية وعميقة ورائجة، بطريقة ضاحكة وشعبية ومتفاوتة بين الذوق والتباهي، ليقدم نفسه متحدثًا باسم العقلاء والحكماء والكبار الناصحين. يفعل هذا بقدرته الكبيرة على التكيف مع واقع اليمنيين الحديث، عبر مسلسلات تلفزيونية يقترب عبرها من اهتمامات الناس وأولوياتهم الاجتماعية، ليوفر لهم المساحات والبدائل لمواجهة العجز والأزمات والاستغلال المادي والنخبوي وغلاء الأسعار واتساع الظواهر المجتمعية والنفسية المؤثرة سلبًا على حياة الناس واستقرارهم،. بالعام 2012 وتحديدًا في الرابع عشر من رمضان، خلال انشغاله بتمثيل مشاهد حديثة لمسلسل رمضان المعروف عيني عينك، دخل الأشموري في غيبوبة كاملة، رحل على إثرها بعد خمسة أيام، كانت فاجعة من شكل أخر، ففي ذلك اليوم بالعناية المركز بمستشفى آزال بصنعاء، فجع الأطباء بتوقف قلبه، ثم توقف دماغه، ثم توقفت إحدى كليتيه. ليجدوا أنفسهم أمام ضرورة ملحة للغسيل الكلوي، في ذات الوقت الذي يريدون خلاله إعادة دماغه وقلبه للحياة، لكنها كانت النهاية المبكرة له ولحياته ومسيرته وتاريخه، ولقد فجع اليمنيون برحيله ووفاته، ليغادر عن عمر يناهز ال 44 صنع خلالها خيالات باقية وعناوين محفورة وخالدة في صباح ذلك اليوم الحزين، أصدر الجميع بياناتهم المفجوعة بالرحيل المفاجئ، الرئاسة والحكومة والثقافة والنقابات، وتوافد اليمنيون من كل صوب للسير خلف جنازته وجثمانه، رئاسة الجمهورية قالت في بيانها: عبدالكريم الأشموري كان من أبرز الكوادر الفنية المبدعة ذي القدرات البديهية والرائعة. ورحيله يمثل خسارة فادحة للمسرح اليمني والوسط الفني كله، ووزارة الثقافة من جهتها، نعت الأشموري الذي ولد عام 1968 وتوفي بعمر ال 44 عامًا، تاركًا ولدين وبنت، بعد سنوات أثرى خلالها المكتبة الفنية اليمنية، بالعديد من الأعمال الفنية، كاتبًا ومؤلفًا وممثلًا دراميًا ومسرحيًا. أخيرًا، من خلال قراءتي المستمرة لسيرة الأشموري، ولكثير من السير الفنية الأخرى، استوقفتني وجهات نظر وأفكار مختلفة بشكل خاص، عن حقيقة الفن والدراما والسينما والمسرح، وهذا ما أدركته بعبارة عميقة أوردها أحدهم. حين قال: يمكن للفنان التشكيلي أن يرسم لوحاته بعيدًا عن وطنه، كذلك الشاعر والروائي، ولكن الممثل والسينمائي يحتاج إلى وطن، كما أحدهم بأن الدراما تملك أجنحة لا يستطيع أحد منعها من الوصول إلى الناس، وهذا ما عبر عنه الأشموري ذات مرة بإحدى لقاءاته التلفزيونية، حينما كان يلمح إلى الأفكار الدرامية التي تأتي من تلقاء نفسها، ولا تحتاج للإلهام والتفرد، ولكنها لن تأتي إلاّ لمن يعيشون تفاصيلها وخيالاتها في ذات المكان، ومن ناحية متصلة، فالموهبة التمثيلية وحدها لا تكفي، لأنها تحتاج للتخطيط الصحيح والذكاء الاجتماعي، ولطالما دعا الأشموري للوقوف إلى جانب الموهوبين العاديين، لما فيهم من بذرات قابلة للنجاح، لأنهم أكثر الناس معرفةً بالناس، وعن المرأة، وخاصة في مجتمعنا اليمني، قال بأنها تحمل سرًا كبيرًا وغموضًا دائمًا أقرب إلى الفن، ولكن الحواجز المحددة تجعلها تسير طويلًا في دروب الصمت والغموض. ماجد زايد