منذ سنوات طويلة والأوضاع في اليمن لا تكاد تهدأ، صراع بين الشمال والجنوب ثم توحد الشطران وبعدها بدأ الاقتتال بينهما نظرا لرغبة الجنوبيين في الانفصال، ثم هدأ الوضع، ليعود بعدها الجنوبيون يطالبون بالانفصال لأن أوضاعهم لم تتحسن كما يقولون ولم يكن الوضع في الشمال أحسن بكثير، فقد انتهت الحرب السادسة بين الدولة والحوثيين وها هي نذر الحرب السابعة بدأت في الاشتعال، فالحوثيون قتلوا العديد من أبناء القبائل الشمالية، وأسروا العديد أيضا، ومازالوا يصرون على أن مطالبهم لم تتحقق وأنهم بسبب ذلك ماضون في تحقيق مطالبهم ولو بالقوة. الحكومة اليمنية استجابت للكثير من مطالبهم كما أعلنت وقبلت كذلك بالعودة إلى المفاوضات في دولة قطر متنازلة عن بعض مطالبها السابقة، ويبقى حاليا الدور على قطر لتمضي في وساطتها، ولكن هذه الوساطة يصعب تحقيقها د/ محمد علي احمد الهرفي ما لم تتكن هناك رغبة حقيقية عند الطرفين في الصلح.
هناك أخبار تتناقلتها بعض وسائل الإعلام مفادها: ان من شروط الحوثيين أن يحصلوا على شبه استقلال في إدارة شؤون صعدة وما حولها، ولست أدري إن قبلت صنعاء بذلك كيف سيكون الوضع على حدود اليمن مع السعودية وإن لم تقبل كيف سيكون وضعها مع الحوثيين.
وفي ظل هذه الأوضاع التي يصعب تفسيرها يخرج علينا وزير التعليم العالي في اليمن السيد «صالح باصرة» بتصريح تبدو الغرابة في كل كلماته، فهو يطلب مساعدة السعودية، ومعروف أن السعودية لم تتوقف عن مساعدة اليمن، لكنه لم يتوقف عن هذا المطلب، إذ قال: إن السعودية لن تكون في مأمن إذا انهار الأمن في اليمن، وطالب السعودية بمساعدة اليمن في الخروج من أزمتها، لكنه لم يحدد طبيعة هذه الأزمة، ولا لماذا يجب على السعودية أن تقدم لبلاده المساعدات.
أعتقد أن الوزير لم يوفق أبدا في هذا الكلام فاليمن وحده مسؤول عن أمنه فهو دولة مستقلة ومن أبسط واجباتها الحفاظ على أمنها وعدم السماح لمواطنيها أو من يسكن فيها بإيذاء الآخرين.
لعل الوزير يلمح إلى تنظيم القاعدة في اليمن، ومرة أخرى من واجبات الحكومة اليمنية أن تتعامل بجدية مع هذا التنظيم باعتباره يمارس أنشطته من أراضيها لكن الذي أراه أن الدولة تتعامل مع هذا التنظيم بشيء من الضبابية، فالقاعدة تقتل أعدادا كبيرة من رجال الأمن خاصة في جنوب اليمن ويبدو أنها تزداد قوة رغم كل ما تقوم به الدولة في دليل على ضعف الدولة تجاههم، ولعل الصلح الذي أبرمته الدولة قبل بضعة أيام مع مسلحي القاعدة في محافظة أبين دليل على ما أشرت إليه.
إن الذي يجري في اليمن يدعو إلى الحيرة وإلى كثير من التساؤلات: هل حقا عجزت الدولة عن التعامل مع قضية الحوثيين طيلة تلك السنوات؟
وهل حقا مازالت عاجزة أم أن لها مآرب أخرى في ذلك التعاجز؟
ثم هل حقا عجزت الدولة عن التعامل مع أفراد القاعدة وتركت للأميركان حرية التعامل معهم بدلا عنها؟ ألا تدرك أن هذا العمل حتى وإن بدا ضئيلا أنه يدعم القاعدة ويضيف لها أنصارا؟ أعرف أن الدولة ذكرت أكثر من مرة أنها قادرة على التعامل مع القاعدة وطالبت الأميركان بعدم التدخل، لكن المطالبة تؤكد أنهم تدخلوا سابقا وأنهم قد يتدخلون لاحقا.
إن التدخلات الأميركية تؤكد ضعف الدولة أمام القاعدة، وهذا الضعف يغري الآخرين كلهم بها، كما يجعل مكانتها عند عامة الشعب اليمني غير حسنة، وللعلم قد كان في أفغانستان «قاعدة» واحدة وبسبب رعونة الأميركان في قتل الأبرياء ظهرت قاعدة أخرى في باكستان، ولأن الأميركان لازالوا يقتلون الأبرياء في وزيرستان فإن «قاعدة» أخرى تبدو ملامحها في بيشاور.
على حكومة اليمن أن تدرك ذلك وأن تأخذ العبرة مما يجري في أفغانستانوباكستان، وأول عمل ينبغي عليها القيام به هو حركة إصلاحية حقيقية داخل الحكومة ثم تنطلق بعد ذلك الى التعامل مع القضايا التي توشك أن تعصف باليمن كله.
كثيرون من داخل اليمن وخارجه يتحدثون عن الفساد المالي والإداري في اليمن، وهذا الفساد يعصف بالعدالة التي يريدها اليمنيون في طول بلادهم وعرضها، وعندما تتحقق العدالة للجميع عندها لن يتحدث أحد عن حرب أو انفصال، وعندها أيضا لن يتطلع هذا الفريق أو ذاك إلى دولة تناصره وتقف ضد أهله وبلده.