لازال الفقر يرتع ويترعرع وينمو ويشبع في هذه البلاد! وهذا ليس كلام إنشاء، بل حقائق إحصاء.. وتفيد آخر الإحصائيات الصادرة بهذا الصدد أن أكثر من 47 في المائة من اليمنيين يرزحون تحت خطر الفقر! وتخلص الإحصائية إلى أن السبب الرئيس وراء زيادة معدل الفقر في البلاد يعود إلى المعدل العالي للخصوبة الذي يزيد سنوياَ على 3 في المائة وهو من أعلى معدلات الخصوبة في العالم..وقد بلغ عدد السكان خلال هذا العام أكثر من 23 مليوناً ونصف المليون، فيما يتوقع أن يصل في العام 2025 إلى 38 مليوناً! يُضاف إلى هذا السبب سبب آخر هو ارتفاع منسوب البطالة في أوساط الشباب وخريجي الجامعات، لاسيما أن 75 في المائة من السكان هم من الشبان تحت سن ال25! لقد تعاظمت ظاهرة الأُسَر التي تقتات لقمتها التي لا تسد رمقها من مقالب القمامة وأكياس الزبالة، أسوةً بالقطط والكلاب والفئران والغربان ..كما خرج الكثير من الأُسَر العفيفة المستورة من بيوتها إلى قارعة الطريق، مادة الأيدي ومرتجفة المشاعر طلباً للإحسان، في صورة فادحة الذل والمهانة .. وانتشرت ظاهرة بنات الجوع اللواتي لجأنَ إلى بيع أجسادهن بأرخص الأثمان الكفيلَة بسدّ الرمق .. واستشرت الجريمة الناتجة عن الفاقة الشديدة، ومحاضر الضبط الجنائي وتحقيقات الشرطة والنيابة تؤكد هذه الحقيقة السوداء! وبلغ المشهد حدَّاُ مأساوياً بالغ الفداحة بانهيار الطبقة الوسطى إلى أسفل درك الفئات الفقيرة .. وحين تُصاب هذه الطبقة في مقتل – أو حتى بجرح غائر – فإن الإصابة المباشرة تَطال قوام المجتمع كله في بنيانه الأساس. فالطبقة الوسطى ظلت دائماً صمام أمان وضمان استقرار المجتمع – بكافة فئاته وجهاته – في أي عهد، وتحت أية سلطة، في الحالة الإشتراكية كما الحالة البرجوازية، وفي كنف الثورة كما في كنف الاحتلال! وبحسب وصف صديقي عارف الدوش – في عنوان مقاله المنشور في هذه الجريدة الغراء الأسبوع الماضي – فإن الطبقة الوسطى "وراء تقدم البلدان أو انهيارها" باعتبار هذه الطبقة هي "الحاضنة للتغيير – المنشود – والمحافظة عليه". فإذا لم تكن الطبقة الوسطى هي قائدة التحولات في أي بلد، ورائدة التطلعات في أي مجتمع .. فاقرأ على الدنيا السلام! لقد كانت العلاقة – تاريخياً- بين الحاكم والمحكوم في بلاد الشرق (ونحن منها) تقوم على "اتفاق" ضمني – إن جاز الوصف – بالتسوية أو المهادنة، حيث يمدِّد الحاكم رجليه – بل ويديه وكل أشيائه – ولا يُبالي، في مقابل عدم المساس بالاحتياجات الحياتية الأساسية للمواطن، وفي المقدمة منها لقمة العيش. ولكن حين بلغ الضرر الداهم كسرة الخبز، اختلَّت موازين تلك العلاقة، وتحولت إلى عدم ثقة من جهة، ومعاداة – وبالتالي مواجهة مباشرة – من جهة أخرى! إن الجوع داهم .. والخطر قادم!