منهج أصحاب الإعجاز العلمي في القرآن، يعتمد على التالي: ينتظرون ما تسفر عنه الفتوحات العلمية للعلماء التجريبيين في الغرب، فإذا توصلوا إلى نظرية أو اكتشاف علميين في الفلك، أو الفيزياء، أو الطب، أو في النبات أو الحيوان، يرجعون إلى القرآن يفتشون عن آية يرد فيها معنى قريب، أو يلبسون، ثم يصيحون مثل فيثاغورث: وجدناها، هذا قد قاله القرآن منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة..! والإعجاز القرآني في منهجهم يكمن في المعاني.. وأنت لو اعتمدت هذا المنهج غير العلمي، ستجد مقولات قديمة معانيها تتقارب، بل تتطابق أحيانا مع نظريات ومكتشفات علمية حديثة.. ستجد هذه المعاني في كتب كتبت قبل نزول القرآن بآلاف السنين.. ستجد ذلك في كلام أفلاطون، وفي التوراة، والإنجيل، والبوذية، وأشعار قدامى العرب، وخطبهم، وحكمهم المدونة، وستجده في أمثال شعبية يمنية حتى. العلم قال إن الأرض كروية، إذاً هذا يدل على إعجاز علمي في توراة اليهود، فالتوراة سبقت العلم لأن فيها على لسان أشعيا: "الجالس على كرة الأرض، وسكانها كالجندب".. والعلم قال إن الجاذبية تحفظ الكون، والأرض المعلقة من الاختلال، فإذا التوراة سبقت علماء الفيزياء الفلكية إلى ذلك، إذ مكتوب فيها: "وعلق الأرض على لا شيء".. والعلم الحديث قال إن الماء أصل الحياة، حسنا.. هذا أفلاطون- كما ينقل عنه الشهرستاني في الملل والنحل- قد قال بذلك قبل ميلاد المسيح بأربعمائة سنة، وفي التوراة على لسان موسى: "وقال الله: لتفض المياه زحافات ذات نفس حية.."! كانت جدتي تقول: "تجرد، ولا تبرد"، وهي مسكوكة لغوية تعني أن أكل الجراد للمزروعات، أفضل لها من أن تقصفها البرد، والعلماء قبل سنين قليلة قالوا إن النباتات التي تأكل منها الجراد تنمو أفضل من غيرها، لأن الجراد تترك عليها مادة من اللعاب محفزة للنمو، إذاً جدتي الأمية سبقت العلم المعاصر، وماتت وهي لا تعرف أنها تتكلم معجزات. وقبل أيام كنت أقرأ في مجلة عربية عن دراسة لمركز البيئة الوظيفية والتطورية في مدينة مونيلييه الفرنسية اكتشفت أن إناث الطيور تفضل الذكور الذين هم من نفس مستواهن، والمثل العربي القديم يقول: "الطيور على أشكالها تقع"، إذاً فيه إعجاز علمي مثالي.. وقبل عشرة قرون عاتبت عربية زوجها الذي هجرها لأنها تنجب له بنات، فقالت له: "إنما نعطي الذي أعطينا"! وبذلك سبقت العلم، إذ قالت له: أنت تعطيني كروموزوم مؤنث، فأعطيك أنثى.