محس خصروف. تشهد الحياة السياسية-الاجتماعية في اليمن, الذي لم يعد سعيدا, الكثير من المفزعات اليومية، يرقد المواطن اليمني على كم مهول من الأخبار التي ليس فيها خبرا واحدا يمكن أن يساعد على النوم الطبيعي، ولا يصحو إلا على أخبار أكثر إقلاقا لقادم يومه المليء بالمعاناة. يذهب إلى السوق فيجده غير الذي كان بالأمس، ويقرأ الصحيفة الرسمية فيجد الدنيا فيها سمنا على عسل، واليمن سعيدا بالقول الكثير، والسعادة تتناثر على أرصفة الطرقات، والمواطن في راحة وسعادة واستقرار يحسدها عليه الكثيرون خارج اليمن، وتخبرنا بأن الحال في البلد يسوده الأمان والاستقرار والهدوء والسكينة، وأن ما يجري في بعض مناطقه من أعمال تقلق الراحة السائدة ليست إلا حالات نشاز، من أفعال أفراد خارجين عن القانون وشاذين، وليس لهم محل من الإعراب، ولا يحظون بتأييد أو دعم من أحد من الأهالي، والناس تنكرهم في كل مكان، ولن يضرونا في شيء، ولن يؤثروا على المسيرة المؤتمرية التنموية الاستثمارية التطويرية المباركة التي عنوانها الطهارة وعفة اليد واللسان، والحفاظ على المال العام، ومحاربة الفساد بصدق وإخلاص وأمانة ووطنية، وبدون كذب أو ضحك على الذقون، أو تضليل وتغطية على فساد ينخر في العظم، وتبشرنا بالحكومة المؤتمرية القادمة التي هي أحلى، وأرق، وأرحم، وألطف بكثيييييييير مما هو قائم، حكومة يا سلام سلّم. ويقرأ المواطن صحف المعارضة فيجد الدنيا ليلا حالكا وسوادا مطلقا، وموتا زؤاما يطرق الأبواب، ولكنها رغم ذلك لم تتناغم حتى اللحظة على آلية لتحقق الحلم القادم، ونلاحظ في هذه الأيام أن بعضا من مكوناتها صارت له تطلعات أخرى، وحسابات مختلفة، وأنه يقرأ الراهن والقادم بعيون ترى ما لا يراه الشركاء المستركيون، وأنه يستعد، ربما، لإحياء تحالف سالف، حفاظا على مكاسب ذاتية قائمة، و سعيا نحو تحقيق مكاسب إضافية يرجوها، تضاف إلى ما سبق ولا تنتقص منه، وليذهب الآخرون إلى الجحيم. ويقرأ المواطن الصحف التي تعلن نيابة أصحابها، بمفردهم، وكل لون منهم على حدة،نيابتهم عن الله عز وجل، وينكر بعضهم بعضا، ويكفر بعضهم بعضا، وينكر الواحد منهم الكل، ويكفر الكل، وينتقص من ا لكل، ويتعالى على الكل، ولا يقر لأحد بفضيلة، ويوزعون، كل على حدة، صكوك الجنة، ويحددون طرق الوصول إليها، وببشر ون بجناتهم على الأرض التي ستقام بفضل الدولة المذهبية السلفية الوهابية الزيدية الشافعية السنية الشيعية الجعفرية المالكية الحنفية الحنبلية الموعودة/ الموعودات /التي ستجعل أنهار العسل والسمن واللبن تجري في شوارع وأزقة صنعاء وعدن وتعز و المكلا و شبوة وكل المدن والقرى اليمنية، سواء بسواء، ويستطيع المواطن فيها أن يسحب كيسا من الذهب دون أن يخاف من أن يسطو عليه أحد، ويمكن للشاة أن تنام بجانب الذئب وهي آمنة على حياتها، نقرأ ونسمع كل هذا وهم بعد لم يتفقوا على كيفية أداء الصلاة، والأذان، و لا يقر أيا منهم للآخر بما هو مقتنع به، وهو مستعد لأن يكتب ويخطب ويوزع المنشورات ويقاتل ويقتل وينسف وينتحر من أجل أن يفرض ويعمم ما يراه هو صحيحا ولا وزن لرأي آخر. نسمع ونقرأ كل ذلك، ونسمع معه ونشاهد أن كل المتعصبين المتزمتين المبشرين بالحلم، كل باللون الذي يراه مناسبا، يستعدون، كل، لفرض دولته بفوهات البنادق والمدافع والرشاشات والمسدسات والخطابات والمنشورات والشرائط المسجلة ومنابر المساجد، وحلقات الدروس، المحروسة بالمسلحين على بعد أمتار منها وفي أبوابها وأسطحها، وبالمدارس والمعاهد والجامعات التي تشبه الثكنات العسكرية، نسمع ونقرأ عن كل ذلك ولا نسمع مسجلا صادقا أو نقرأ مكتوبا بعيدا عن الكذب أو التلفيق وذر الرماد في العيون او المزايدة أو التسويف، عن شيء اسمه الدولة المدنية، دولة النظام والقانون، القانون الذي يرتكز على الدستور الذي يقره المجتمع ويصبح هو مرجعيته في التشريع والحكم، بعيدا عن صراعات المذاهب والطوائف و القبائل والمناطق، الدولة المدنية الحديثة التي تتنافس فيها البرامج والسياسات التي تهدف إل تحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمع العدل والكفاية والمساواة، الدولة المدنية الحديثة التي تتحقق في ظل سياساتها وخططها وبرامجها أهداف الثورة اليمنية، سبتمبر و أكتوبر، وينتهي فيها استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ويصبح فيها عامل البلدية والوزير الذي يرأسه متساويان تماما أمام القانون، الدولة المدنية التي لا مكانة فيها لتنفذ المذاهب والأعراق والعشائر والأفخاذ والبطون ، الدول المدنية التي يتساوى فيها من يعتقد أنه بن الأكرمين و من يقرع الطاسة في الأفراح ومن يذبح الشياة والأبقار في أسواق اللحوم، المليونير و المديونير، الدولة المدنية التي لا يستطيع فيها أحد بعمامته او لحيته أو مسبحته أو بدلته الأفرنجية أو عسيبه و جنبيته الصيفاني أو دسماله الحرير أو توزته المطعمة بالفضة و الأبلاتين، أو بحرسه وأزلامه أو بماله ومزارعه الكبيرة من "وادي الجر " في تهامة إلى دلتا أبين و لحج ومأرب والجوف وصعدة، ولا بمليشياته و ترسانة أسلحته وأرصدته في البنوك، الني هي في الخارج أكثر من الداخل، الدولة التي لا يستطيع فيها هذا أو ذاك أن يخدع المواطن اليمني او يُرهبه أو يُغريه لأن يكون رهنا لأباطيله أو دعاواه، أو مطامحه السياسية أو الدينية، لأنها دولة للكل وبالكل، ليس فيها ابن الأكرمين، و ابن الشارع، وعريق الأصل وقليل الأصل، والقوي والمستضعف، من يحتكر القوة والمال ومن تقتله الفاقة، ويدفعه البؤس إلى ما لا يريد ويرغب، الدولة المدنية التي يكون المسئول فيها، أيا كان مستواه، موظفا عند المجتمع، بصلاحيات واضحة ومحددة لا يتصرف فيها بممتلكات المجتمع وكأنها ملك لأبيه، ولا يستطيع أن يمنح منها من يشاء ويمنعها عمن يشاء، الدولة المدنية، دولة النظام والقانون التي يخاف فيها المسئول، أيا كان، من القانون وسطوته، ولا يستغله ويُعمله على خصومه، الدولة المدنية التي ليس فيها قسمة بين المذاهب والقبائل، لكنها دولة المواطنة المتساوية والمشاركة الفعلية للأهالي في السلطة وإدارة الثروة الوطنية، الدولة التي يسعى فيها المسئول حثيثا لنيل رضا المواطن، ويخشى عقابه له على أي تقصير في أقرب انتخابات حرة ونزيهة، الدولة المدنية التي تقوم بالدستور والقانون وتسقط بهما، والتي هي الطريق الأمثل والأنسب والوحيد للخروج من دائرة الأزمات المتكررة المفتعلة تحت ذرائع وأوهام مما لا يمكن إلا أن تزيد من أزماتنا وتكرس لها، الدولة المدنية التي تكفل لكل مواطن أو فئة أو طائفة أو مذهب حرية التعامل مع ربه بضمير حيّ وصادق في مسجده وحلقة درسه وصحيفته وحياته اليومية وعلاقته بالآخرين وغير ذلك، وتبعد كل هئولاء عن التصارع من أجل إقامة الدول (وليس الدولة) التي يحلمون بها كل على مذهبه، الدولة التي لا يستغل فيها الدين لتحقيق أغراض سياسية دنيوية لا تحقق أي مصلحة للمجتمع بكل مكوناته، وتصبح أدوات تحقيقها قنابل تنفجر كل يوم في كل مجالات حياتنا، بل، وبعيدا عن المجاز، في شوارعنا وبيوتنا ومعسكراتنا ومشاريعنا وأقسام شرطتنا وتقتل جنودنا الأبرياء، وفي الطرقات، ويكثر ضحاياها من المواطنين الذين يقتلهم يوميا غول الغلاء والفقر والبطالة والبلطجة. الدولة المدنية، دولة النظام والقانون التي تقام بالكل وللكل، وتجنب الكل ويلات تقاتل الطامعين في مغانمها، الذين لا يهمهم إن شبع المواطن او جاع، إن آمن أو خاف إن مرض أو مات. الدولة المدنية التي يريد الشعب، لا تلك التي يريدونها له، مهما كذبوا وزيفوا، و ليتهم يعلمون أنه: لا يصح إلا الصحيح، وأن الآتي الأفضل قادم لا محالة، وإن ارتفع الثمن.