على الرغم من إننا جميعا مع التغيير وضد الفساد ومع ضرورة استكمال بناء مقومات الدولة المدنية الحديثة دولة المؤسسات وسيادة القانون والمواطنة المتساوية، فأنني وقبل إن استمع لكلمة الرئيس/ على عبدالله صالح التي كان من المقرر إلقائها صباح الأربعاء الموافق 2 فبراير 2011م انتابني مجموعة من الشكوك وأنا أشاهد أحداث العنف التي انطلقت منذ يوم أمس في القاهرة ومحاولة تشويهها وإطفاء وثبة الشعوب العربية نحو الديمقراطية الشعبية المتخطية للأحزاب الكرتونية والتي انطلقت مع ثورة الياسمين في تونس الخضراء وتفتحت براعمها وازدهرت على ضفاف النيل في القاهرة، كان مصدر خوفي من إن تأخذ كلمة الرئيس منحى أكثر تشدداً أو أن يسودها نوعاً من التكبر اعتمادا على سطوة القوة أو قوة غرور السلطة أو حتى اعتماداً على نصائح بعض المستشارين الجدد من المهرطقين سياسياً أو مدعي وطنية الجيوب الفضفاضة ومعالجة القضايا الوطنية المصيرية بالهتافات والمسيرات الطفولية الذين يفضلون مصالحهم الخاصة على مصلحة الوطن والشعب والرئيس. ولكن الرئيس صالح كعادته في المواقف الوطنية الصعبة كان في قمة تألقه السياسي مستبق الأحداث واثبت انه قارئ ومحلل سياسي بارع لمجمل المتغيرات التي تسود المنطقة والشارع العربي وبسرعة بديهته المعهودة وقبل هبوب رياح الياسمين طرح مجموعة من الأفكار والتعهدات من خلال مبادرة وطنية علنية أمام مجلسي النواب والشورى والتي في اعتقادي انه قدمها للشعب اليمني قبل أن يقدمها للمعارضة لكي يسحب من تحتها بساط التحدي، فقد اشتملت مبادرة الرئيس وتعهداته التي طرحها وأهم النقاط التي احتوتها على تضمين كافة مطالب ومخاوف المعارضة وذلك على النحو التالي:
عدم ترشيح نفسه لفترة رئاسة قادمة وعدم التوريث، التركيز على أهمية العودة لطاولة الحوار مع قوى المعارضة عبر اللجنة الرباعية واستعداده لتطبيق كل ما تقترحه من حلول، تأجيل الانتخابات، وتجميد التعديلات الدستورية، تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكان قد سبقها بعدة أيام قرار اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام بوقف الحملات الإعلامية بين الحكومة والمعارضة لتهيئة الساحة لحوار سياسي عقلاني في ظل أجواء هادئة وذلك في مقابل امتناع الجميع أحزاب الحكومة والمعارضة من تهييج الشارع الذي ستكون له نتائج عكسية وخيمة على اليمن إذا حدث خروج عن المألوف، ونحن هنا نحاول إن نتعمق في قراءة متأنية لخطاب الرئيس والتي يتضح منها الآتي:
1- أن الرئيس استوعب المتغيرات السياسية والشعبية المقبلة عليها المنطقة العربية والتي انطلقت شرارتها من تونسوالقاهرة وامتد لهيبها لعواصم عربية عدة بسبب انفراد الأحزاب الحاكمة بالسلطة، وتغييب الديمقراطية وحجب الآخرين عن المشاركة السياسية، وعدم النظر بجدية في مشكلات الشباب وطموحاتهم، واستفحال منظومة الأجهزة الأمنية على حساب كرامة وأمن المواطنين.
2- إن التنازلات التي قدمها الرئيس حتى ولو أنها حق أصيل للشعب فهي من اجل مصلحة الوطن والتي قد لا يستوعبها أو يوافقه عليها البعض من أركان النظام والحزب.
3- تأكيده على ضرورة الحوار الوطني من اجل الشروع في إصلاحات حقيقية يجب أن تبدأ الآن، مع احتفاظ الآخرين بحقهم في حال عدم الالتزام بتنفيذ هذه التعهدات النزول والاحتكام للشارع.
4- إصرار الرئيس على الالتزام بتسليم السلطة بطرق سلمية وديمقراطية بعد انتهاء فترة رئاسته القانونية 2013م.
5- تأجيل الانتخابات الحالية المزمع إجرائها في ابريل العام 2011م والتهيئة لإجرائها عبر الحوار وتحت إشراف حكومة وحدة وطنية من الجميع حكومة ومعارضة وهو أحد مطالب المعارضة من اجل ضمان سلامة ونزاهة العملية الانتخابية.
6- أن الرئيس من خلال هذه المبادرة الأخيرة يحاول بشفافية وبقدر كبير من ضبط النفس حقن دماء الشعب خاصة وان حجم العنف بالحجارة والسلاح الأبيض والناري الذي شاهدناه ونشاهده على شاشات التلفزة في شوارع القاهرةوتونس برغم فارق مستوى الثقافة المدنية والوعي التعليمي والثقافي الذي يتمتع به الشعبان المصري والتونسي في مقابل شعبنا الذي تزيد لديه نسبة التسليح بكافة أنواعه ونسبة الأمية المرتفعة وتفشي ثقافة العصبية القبلية والتي من المؤكد أنها قد تكون العامل الحاسم في المسيرات الشعبية وانتقالها من حرية التعبير بالشعارات لا قدر الله إلي حرية التعبير والصراع بالرصاص الحي بين القبائل في شوارع المدن خاصة مع غياب ثقافة الدولة المدنية لدى الجميع.
أن هذه المبادرة الهادئة والمتزنة الذي قدمها الرئيس للمجتمع اليمني شعباً وحكومة ومعارضة وفي هذا التوقيت والتي تسعى للتغيير الديمقراطي السلمي المستند على وقائع وحقائق جديدة فرضت نفسها مؤخرا على ارض الواقع من خلال عفوية انطلاقات الجماهير العربية في أكثر من بلد عربي ومطالبتها بالديمقراطية وحقها في الحرية والمشاركة السياسية والعيش بكرامة وبالتالي تحظى بدعم دولي كبير، نقول إن هذه المبادرة تستحق التعامل معها بايجابية ومسئولية من قبل كافة الأطراف والنخب السياسية والوطنية على الأقل من باب الحفاظ على الوطن واختبار المصداقية وان كنت أتمني أن يلحقها الرئيس القيام بالخطوات الضرورية التالية:
في إطار التسامح والتصالح الذي يتسم بها الرئيس يتم استكمال الإفراج عن كافة معتقلي الرأي والصحفيين والناشطين سياسياً سواء من الحراك الجنوبي أو ممن تبقى من الحوثيين. مع وقف كافة الملاحقات الأمنية للناشطين سياسياً تهدئة للنفوس الغاضبة.
التشديد على أهمية دعوة ومشاركة كافة أطراف المعارضة والمجتمع المدني في الحوار الوطني المزمع انطلاقة وفق شروط وقواعد زمنية يتفق عليها الجميع ولا تستثني أحداً وفي إطار من الشفافية والرقابة الشعبية.
وضع تصور لأولوية المعالجات للقضايا الملتهبة مثل قضية الحراك في المناطق الجنوبية وقضية الحوثيين والأزمة الاقتصادية وبطالة الشباب وظاهرة الإرهاب.
التركيز علي نقطة هامة في هذه المرحلة آلا وهي ضرورة البحث في كيفية استكمال بناء وتعزيز مفاهيم الدولة المدنية الحديثة القائمة على العدل والمساواة والمواطنة المتساوية واحترام عمل المؤسسات وسيادة القانون.
إن شعبنا الذي ضحى لسنوات طويلة ليصل إلى مرحلة الوحدة والديمقراطية والمدنية التي تنعم بها الشعوب الأخرى يستحق منا جميعا حكومة ومعارضة ونخب سياسية واقتصادية ومثقفين أن نضحي من اجله ومن اجل تطوره ورفاهيته وان نعطي أنفسنا وقفة جادة لالتقاط الأنفاس ومراجعة أخطائنا والتعلم من دروس الآخرين حتى لا نقع في المحظور بدون قصد.