الوزارة المكلفة بمهام التربية والتعليم لا يستطيع أحد أن يُنكر جهودها في قضايا التعليم وشوؤنه رغم ما يشوبها من سلبيات وما يوجّه إليها من انتقادات, لكن اهتمامها بمهامها التربوية ضعيف رغم أهميتها واتساع مجالاتها. وقد سبق لي أن أشرت في العمودين السابقين إلى ما يظهر من خلط وعدم وضوح حول موضوعي التربية والتعليم, البعض لا يجد فروقات أساسية بين التربية والتعليم, فالتربية هي التعليم, والتعليم هو التربية, والبعض الآخر يرى أن التعليم من شأن المدرسة والتربية مسؤولية الأسرة والبيت, وهناك من يرى أن التعليم أهمّ من التربية، وعليه يجب أن يكون تركيزنا. وهذه آراء غير سليمة، فبالرغم من التلازم الوثيق بين عمليتي التربية والتعليم، فلكل عملية خصوصياتها ومهامها وأهدافها وأساليبها.. الخ. لهذا سنحاول الإشارة إلى تعريف عمليتي التربية والتعليم -ولو باختصار شديد- لتوضيح الفروق بينهما أولا، ومن ثم الحُكم حول قيام الوزارة المعنية بمهامها التربوية أم لا؛ طبقا لهذا التعريف. التعليم عملية يتم من خلالها تنمية عقل الفرد وتمكينه من أسباب المعرفة والمهارات اللازمة لحياته ودرايته بعلم أو فن أو مهنة أو حرفة. أما التربية فهي العملية الشاملة أو مجموعة العمليات التي تتناول حياة الإنسان منذ ولادته وحتى مماته, وتتم من خلال التوجيهات المنظمة والمبرمجة والتي تظهر نتائجها في التغيير والتطوّر نحو الأفضل في سلوكنا وأسلوب حياتنا, وهي تحدد علاقاتنا وتصرفاتنا بيننا كأفراد وبين الفرد والمجتمع بل وتتحكم في تفكيرنا في كل مناحي حياتنا، هي حياتنا بأوسع معانيها, لهذا فهي أكبر وأوسع من العملية التعليمية. قديما كان هناك وزارة المعارف ومهمتها التعليم وترك أمر التربية للأسرة والبيت, وعندما سُمّيت بوزارة التربية والتعليم لم يكن ذلك عبثا، ولكن لاتساع نطاق مهامها بتوليها عملية التربية, صحيح أن التربية هي مسؤولية مشتركة بين المدرسة والمعهد والجامعة والبيت والأسرة وكافة منظمات المجتمع المدني، لكن المدرسة تتحمل المسؤولية الأولى والكبيرة في العمل على إنشاء أجيال قادرة على التكيّف مع نفسها والمجتمع وتشكيل الفرد كعضو صالح لمجتمعه ووطنه وتقليب تربه نموه ووضع بذور القيم النبيلة فيها لتنمو وتسود روح التعاون والحب بين أفراد المجتمع وحب الخير للغير ومساعدة المحتاج ورعاية الفقير والمريض والالتزام بالنّظم والقوانين المنظمة لحياتنا, والتواضع والدّفاع عن الحقوق مع إعطاء الحق لأصحابه, وتمتد التربية إلى كافة مجالات حياتنا بما فيها السياسية بالتمسك الحقيقي بالديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة, هذه المهام تستدعي بالضرورة تواجد المربِّي الكامل. هذا ما سنحاول -بإذن الله- الحديث عنه بشيء من التفصيل، وكذلك دعوة مجلس الشورى إلى ضرورة الاهتمام بالتربية المبكِّرة.